لعبة إيران في اليمن

عندما إجتاحت قوات الحوثيين صنعاء، إتهمت دول الخليج إيران بأنها كانت وراء ذلك. وإدّعى بعض المسؤولين الخليجيين بأن طهران تهدف من وراء ذلك إلى خلق “حزب الله” آخر في خاصرة السعودية. فإلى أي حد يصح هذا الكلام؟

الرئيس حسن روحاني: السعي إلى التوافق مع السعودية أهم له من اليمن
الرئيس حسن روحاني: السعي إلى التوافق مع السعودية أهم له من اليمن

صنعاء – وليد المصروعي

عندما أجبر الحوثيون، الجماعة الشيعية المتمردة في اليمن، رئيس البلاد الموالي للغرب، عبد ربه منصور هادي، على الفرار من العاصمة صنعاء في كانون الثاني (يناير) الفائت، خلص كثيرون في المنطقة إلى نتيجة بأن دولة عربية أخرى قد وقعت في أحضان طهران— نتيجة ، كما قال معلّق بارز، للدور الهجومي “الذي تشنه إيران بشكل لم نرَ مثله في التاريخ الحديث”.
هذا الخوف، توضّحه بطريقة أكثر قوة دول مجلس التعاون الخليجي، ربما في المبالغة بدور إيران؛ الواقع أن الحروب قد أربكت اليمن منذ عقود، ولم تكن طهران أبداً تتمتع بأي دور أساسي هناك. صحيح، مع ذلك، أن آثار التدخل الإيراني كانت جلية دائماً في الأراضي اليمنية، حتى في أيام الشاه، الذي أيّد المقاتلين اليمنيين ضد الماركسيين المتشددين في ستينات القرن الفائت. وهذا لا يزال عليه الحال اليوم. لذلك، حتى لو كان الإنقلاب نفسه لا يقول الكثير عن طموحات إيران الإقليمية، فإن ماذا ستفعل طهران بعده – أو ما لا تفعل- سوف يفيدنا بالجواب الشافي.
القصة وراء القصة
إنجذبت الجمهورية الإسلامية لأول مرة نحو اليمن في أواخر ثمانينات القرن الفائت، بعد إنتهاء الحرب العراقية الإيرانية. عندما إختلفت اليمن والمملكة العربية السعودية في العام 1990 بسبب قرار صنعاء بالوقوف إلى جانب العراق بعد غزو صدام حسين للكويت، إستغلّت طهران الفرصة لإقامة ونسج علاقات وثيقة.
لكن اليمن كان يومها لا يزال غير مهم ليستحق الكثير من الإهتمام في إيران، وهكذا كان نفوذها خلال تلك الفترة في معظمه إيديولوجي. في أوائل تسعينات القرن الفائت، على سبيل المثال، إستضافت الجمهورية الإسلامية طلاباً دينيين حوثيين، الذين قيل عنهم أنهم عادوا إلى اليمن متأثرين برسالة طهران الثورية المناهضة للغرب. ومن بين هؤلاء الطلاب كان حسين بدر الدين الحوثي، الذي قاد حركة الحوثيين حتى إعتقاله ووفاته في العام 2004، وإستعار الخطاب الإيراني لسك شعار المجموعة: “الموت لأميركا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام”.
إن التدخل الإيراني المباشر في الشأن اليمني هو تطور أكثر حداثة. من العام 2004 إلى العام 2010، خاض الحوثيون ست حروب مع حكومة رئيس البلاد المدعوم من السعودية، علي عبد الله صالح. من جهتها إتهمت دول الخليج، التي إنزعجت من تصاعد نجم طهران الإقليمي بعد سقوط صدام في العام 2003، إيران بتزويد الحوثيين الأسلحة ودعمهم مادياً. مع ذلك، فإن محللين مستقلين شككوا في الأمر. وكما وصف جوست هلترمان، من مجموعة الأزمات الدولية، الوضع في العام 2004: “إن الإيرانيين رائعون. إنهم لا يلعبون أي دور على الإطلاق [في اليمن]، ولكنهم يحصلون على كل الفضل، لذلك فهم يستفيدون من ذلك”.
كان اليمن، مع ذلك، أصبح على نحو متزايد متشابكاً في صراع طائفي على السلطة بين إيران والمملكة العربية السعودية. في العام 2009، إمتدت الحرب الأهلية في اليمن لفترة وجيزة إلى الأراضي السعودية، وإستمرت الرياض في دعم صالح، خوفاً من أن تقفز طهران وتستخدم أي فرصة للمساعدة في الاطاحة به وتنصيب نظام ودي تابع لها. لقد رحّبت طهران برحيل صالح في العام 2012، وبدأ المسؤولون الإيرانيون يدعمون خطابياً الحوثيين، ولكن الحجم الحقيقي لمشاركتهم كان غير واضح.
اليوم، لا تزال دول الخليج تصرّ على أن إيران حرّضت على النشاط الحوثي. وطهران، من جانبها، تواصل المبالغة بدورها. ولكن الواقع هو أن أحدث صعود للحوثيين كان نتاج تحالف مصالح مع الرئيس السابق صالح الذي يريد إعادة عائلته إلى السلطة. كان الحوثيون فقط قادرين على السيطرة على صنعاء في أيلول (سبتمبر) 2014 عندما إمتنع الجيش اليمني، الذي لا يزال يسيطر عليه صالح إلى حد ما، عن إطلاق النار. وفي تشرين الثاني (نوفمبر)، إعترفت الأمم المتحدة رسمياً بهذا التحالف بمعاقبة صالح وإثنين من قادة الحوثيين وإتهامهم بالتواطؤ لإسقاط الرئيس هادي.
مواجهة الحقائق
ليس هناك شك في أنه منذ العام 2012، حاولت طهران الإستفادة من العوامل المتغيّرة في اليمن. يعتقد المتشددون في طهران حقاً بأن حركة الحوثيين يمكن أن تصبح، مثل “حزب الله” في لبنان، بيدقاً في لعبة طهران الإقليمية؛ علي شيرازي، ممثل المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي في نخبة “لواء القدس”، لمّح للصحافة الإيرانية عن ذلك في كانون الثاني (يناير) الفائت. ولكن على عكس “حزب الله”، الذي وفّر لإيران بوابة ملموسة على البحر الأبيض المتوسط، فإن حركة الحوثيين لا يمكن أن تمنح طهران وصولاً دائماً إلى مضيق باب المندب الذي يربط البحر الأحمر بخليج عدن.
الواقع أن الحالة الراهنة للشؤون في اليمن تقدّم لإيران خيارين أساسيين. يمكن لطهران أن تدعم بنشاط الحركة ضد هادي على أمل أن التحالف الهش ضده سيستمر، أو يمكنها أن تواجه حقيقة تتمثل بأن مواقف هادي السياسية، وليس إيديولوجيته الطائفية – قد دفعت الحوثيين إلى مواجهته، الأمر الذي يمنح إيران قليلاً من النفوذ لترويض الفوضى في البلاد. ويبدو أن النقاش الداخلي في طهران يشير إلى أن القادة الإيرانيين يميلون نحو المسار الثاني.
وعلى الرغم بأن الأمر يبدو مغرياً للضغط على خاصرة المملكة العربية السعودية المعرّضة، فإن القادة الإيرانيين يعرفون بأنه، حتى مع مساعدتهم، فإن حركة الحوثيين ليس لديها العدد أو النفوذ للسيطرة على اليمن، ناهيك عن تعزيز المكاسب الأخيرة على الأراضي التي سيطرت عليها، إلّا إذا قدمت المجموعة تنازلات سياسية أوسع. إن البديل الأكثر إحتمالاً من تسوية سياسية وطنية، التي تحاول الأمم المتحدة بالفعل التوسط لها، هو حرب أهلية كاملة. ويمكن لهذا الأمر أن يحمل سلبيات خطيرة.
إن تأجيج حرب أهلية لا يمكن الفوز بها في اليمن، والتي لديها القدرة على أن تتحول إلى صراع طائفي حقيقي، من شأنه أن يعزز فقط سمعة طهران على أنها قوة طائفية عازمة على توسيع نفوذها في الأراضي العربية من دون النظر إلى الدمار الناتج من ذلك. ومن شأن فترة طويلة من الفوضى أيضاً أن تؤدي إلى تعزيز تنظيم “القاعدة في شبه الجزيرة العربية”- بالكاد أن يكون ذلك تطوراً إيجابياً نظراً إلى هدف هذا التنظيم التكفيري لمهاجمة إيران.
تكلفة الفرصة البديلة
مع تراجع هادي الآن إلى مدينة عدن الساحلية، يمكن أن تشهد اليمن قريباً تقسيماً فعلياً بين الشمال والجنوب. إن طهران تعرف بأنه، عند هذه النقطة، يتجاوز إيجاد حل لليمن قدراتها السياسية والمالية. هذا البلد الفقير لا يحتاج فقط مئات الملايين من الدولارات من المساعدات، كما يتطلب “حزب الله” في لبنان، ولكن العديد من المليارات. إن إيران، لا تزال تناضل تحت وطأة العقوبات الغربية، وببساطة ليست لديها هذه الكميات من النقد؛ هناك فقط دول الخليج التي تملك الموارد اللازمة لعكس التفكك الإقتصادي في اليمن.
تحتاج طهران أيضاً إلى معايرة أعمالها في اليمن مع أهدافها الإقليمية. إن الأزمة اليمنية تتزامن مع التدخلات الإيرانية المتزايدة في جميع أنحاء الشرق الأوسط. ونظراً إلى مشاركة إيران العميقة في الأزمتين في العراق وسوريا، فإن هذا البلد توسع فوق طاقته، ومن المرجح أن يكون يعمل ويبحث عن طرق لتقليل التوترات مع السعوديين.
في هذا المعنى، يعرض اليمن أيضاّ فرصة. في حملته الإنتخابية في العام 2013، لم يذكر الرئيس الايراني حسن روحاني مرة واحدة البلد. لكنه كرر، مع ذلك، مراراً قوله على ضرورة إصلاح علاقات إيران مع المملكة العربية السعودية – في هذه الحالة فإن التوقف عن التدخل في اليمن من شأنه أن يخدم. في الأسابيع المقبلة يجب على المحللين النظر ليس فقط بحثاً عن علامات على التدخل الإيراني، ولكن أيضاً على غياب طهران. فإن النتيجة الأخيرة قد تكون مهمة إذا حدثت، لأنها ستشير إلى أن المعتدلين في طهران ما زال لهم التأثير.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى