التزلُّج على الثلج… بريشاتهم (1 من 2)
هنري زغيب*
نحن هذه الأَيام في موسم المطر، ومع المطر بُسُط الثلج، ومع الثلج هواية التزلُّج. ولأَن الفن يلتقط الهنَيهة فيخلِّدها في الزمان، جُلْتُ على أَعمال فنانين عالَميين استهوتْهم طبيعةُ الثلج الساحرة وهوايةُ التزلُّج الجميلة، فنقلوهُما بريشاتهم إِلى قماشة بيضاء اغْتَذَت بالأَلوان التي تتماوج عادةً في عيون المتزلِّجين.
في القرن التاسع عشر، بعدما انتشرت شعبيًّا في أُوروبا الرياضاتُ الشتوية (التزلُّج بالمزلاجَين أَو بالمقعد المنزلق أَو بالعربة الثلجية) أَخذ رسامون يلتقطون تلك المناظر للثلج والمتزلِّجين، فدخلَتْ لوحاتهم في تاريخ الفن العالمي.
هنا بعض من تلك اللوحات بريشات أَصحابها: كيف رأَوا مناخ الثلج فنيًّا، وكيف نقلوه إِلى لوحاتهم.
- أَلفونس والْدِي (1891-1958): معظمُ اللوحات الخالدة عن التزلُّج وضعها رسامون كانوا غالبًا من مناطق جبلية. بينهم الرسام والمهندس النمساوي أَلفونس والْدِي الذي خلَّد في لوحاته ظاهرة التزلُّج على قمم الأَلْب النمساوية. وهو من مواليد أُوبِرنْدُورف (مدينة في مقاطعة سالزبورغ) في جبال تايرول (غربي النمسا). درس في فيينا وشارك في الحركة التشكيلية الانفصالية مع زملاء رسامين مثل غوستاف كلِمْتْ (1862-1918) وجوزف هوفمان (1870-1956). ووضع معظم لوحاته (منذ معرضه الأَول سنة 1911) عن المنطقة الجبلية التي نشأَ فيها وعاين تقاليدها المتميزة. ومنذ 1927 انصرف إِلى أُسلوبه الخاص الذي وضع فيه لوحات عدة عن مشاهد جبل تايرول الثلجية وسكانه الأَقوياء المعاندين ظروف المناخ الشديدة القسوة.
- كُونو آمْيِتْ (1868-1961): رسام سويسري طليعي اشتُهر بأَعماله التجريبية في كثرة مزج الأَلوان، فكان أَول رائد سويسري في هذا الأُسلوب الذي ارتسم طليعة الفن السويسري الحديث. يحصى له نحو 4000 لوحة بينها 1000 لرسمه الذاتي. وفي السنوات الأَخيرة من حياته نحا صوب التجريد ومهارات النور والظل والرسم التنقيطي بالأَلوان. تخلَّى عن القواعد المأْلوفة الأَكاديمية وجمَعَ في لوحاته بين التعبيرية والانطباعية. ركَّز بشغف واضح على المناظر الطبيعية، خصوصًا المشاهد الشتائية، وذاعت لوحته الشهيرة “المتزلِّج الوحيد” بحجمها الكبير الذي يكاد يضيع فيه مشهد المتزلِّج الوحيد على سجادة الثلج الواسعة.
- بول كْلي (1879-1940): رسام أَلماني ركَّز الكثير من أَعماله على منطقة الأَلب بما فيها من جبال وقمم وفلوات بيضاء ومتزلِّجين. مزج في أُسلوبه التيارات التعبيرية والتكعيبية والسوريالية. وإِذ تدهورت صحته باكرًا خفَّ إِنتاجُهُ نسبيًّا لكنه ظل يعمل على لوحات ذات خطوط عريضة وأَشكال شبه هندسية وأَلوان فاقعة تختلف طبيعتُها وفْق مزاجه النفسي بين التشاؤُم والتفاؤُل. وبين لوحاته عن الثلج اشتهرت لوحته المائية التجريدية “متزلِّج في غابة ثلجية” رسم فيها بطريقته التجريدية المتقدِّمة متزلِّجًا وحيدًا في غابة كثيفة مثلجة.
- أَكْسِلي غالِن كاليلَّا (1865-1931): من أَبرز الرسامين الفنلنديين. درس في هلْسنْكي وتراوح أُسلوبه بين الرومانسي والواقعي. ركَّز في معظم لوحاته على رسم الطبيعة وجمالها في مختلف الفصول. واشتهر عنه رسمه خارجًا في حضن الطبيعة، وخصوصًا في مواسم الثلج. من أَشهر لوحاته: “المتزلِّجان” وهو رسم فيها متزلِّجَين احمرَّت خدودُهما من شدة الصقيع، ينزلقان على الثلج عند الغروب. وجسَّد فيها بمهارةٍ ما في هواية التزلُّج من جمال وضنى معًا. وبلغ من الريادة في أُسلوبه الفني أَنْ بعد 30 سنة على وفاته، حوَّلَت الدولة محترفَه وبيتَه متحفًا باسمه سنة 1961، يتم فيه إِجمالًا عرض أَعمال من الفن الحديث الذي كان أَسسه كاليلَّا، مع جناح خاص بأَعماله التي أَسسَت لتيار الحداثة التشكيلية، إِلى حيِّز مرجعي خاص عما صدَر عنه من كتابات نقدية سيرةً ومسيرة.
- أَكسِل إِنْدِر (1853-1920): رسام نروجي عاش في بيئة شتوية ثلجية كما حال معظم البلدان الباردة في أُوروبا الشرقية (الدانمارك، فنلندا، إِيسلندا، النروج، السويد)، وخرجَت معظم الأَعمال التشكيلية في تلك المناطق تعبيرًا عن اعتزازٍ بإِرثها الوطني. ولوحات إِنْدِر نموذج تلك الأَعمال التي سمَّاها النقاد “الرومانسية الوطنية”.
واشتهر إِنْدِر بلوحاته في رسم الحياة الريفية وسْطَ مواضع مختلفة، بينها مشاهد الثلج والمتزلِّجين، أَبرزها لوحته “التزلُّج في الضاحية” رسم فيها شخصَين أَنيقَي الملابس يتهيَّآن لمزاولة التزلُّج. وتميَّزت هذه اللوحة، عدا أُسلوبها الواقعي، بإِبراز الشخصَين رمزًا نموذجيًّا للهوية الوطنية النروجية.
في الجزء الثاني من المقال، أَعرض لأَعمال خمسة رسامين آخَرين وضعوا أَعمالًا عن التزلُّج.
- هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني. وهو مدير مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com أو متابعته على موقعه الإلكتروني: www.henrizoghaib.com أو عبر تويتر: @HenriZoghaib
- يَصدُر هذا النص في “أَسواق العرب” (لندن) تَوَازيًا مع صُدُوره في “النهار العربي” (بيروت).
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.