التَوَتُّرُ بين “حزب الله” والعَونيين لا يَفعَل شيئًا لمساعدة لبنان
مايكل يونغ*
لم يَتَغيَّر شيءٌ يُذكَر في لبنان منذ خروج ميشال عون من القصر الرئاسي في بعبدا في نهاية تشرين الأول (أكتوبر) الفائت. لا يوجد حتى الآن إتفاقٌ بين القوى السياسية في البلاد على خَليفة. كان هذا الوَضعُ ضارًا بشكلٍ خاص بالعلاقة بين “التيار الوطني الحر”، الذي أسّسه عون، و”حزب الله”.
وفقًا لمعظم التقارير، يَوَدُّ “حزبُ الله” أن يرى حليفًا مسيحيًا مارونيًا آخر، سليمان فرنجية، رئيسًا للجمهورية، لكن لكي يحدث ذلك، فهو بحاجة إلى دعم كتلة برلمانية مسيحية رئيسة (البرلمان ينتخب رؤساء الجمهورية في لبنان) لتأمين شرعيةٍ مُجتَمَعية. لكن “التيار الوطني الحر” الذي يقوده صهر عون، جبران باسيل، يرفض تأييده، لأنه هو الآخر لديه طموحات رئاسية.
سعى باسيل منذ فترة طويلة لخلافة عون، ولسنواتٍ كان القوّة الكامنة وراء الرئاسة، حتى أنه أنشأ مكتبًا في القصر الرئاسي. ومع ذلك، مع تضاؤل احتمالية انتخابه، ربما يُفكّرُ في خطة بديلة: إيصال شخصٍ ضعيفٍ إلى سدة الرئاسة يمكنه فَرضَ شروطٍ عليه مقابل دعمه، ما يسمح لباسيل الاحتفاظ بنفوذه على الرئاسة.
من المحتمل أيضًا أن يكون باسيل قلقًا من أنه بدون والد زوجته لحمايته، سوف تجرفه الطبقة السياسية القائمة بعد العام 1990 التي تُسيطر على معظم أنحاء البلاد، والتي كانت دائمًا تعتبره وعون شخصين مُتَطَفّلَين. فرنجية هو أحد المُمثّلين الرئيسيين لهذه المجموعة، إلى جانب رئيس مجلس النواب نبيه بري، والزعيم الدرزي وليد جنبلاط، وبدرجة أقل رئيس الوزراء السابق سعد الحريري، المُقيم خارج لبنان، وكذلك المُعَيَّنين من قبلهم في النظام السياسي.
في هذا السياق كان التحالف مع “حزب الله” مُهمًّا للغاية، حيث تم إضفاء الطابع الرسمي عليه من خلال ما يُعرف باتفاق مار مخايل لعام 2006، الذي ظلّ لفترة طويلة يخدم كلا الجانبين بشكلٍ جيد. فقد أوصلَ عون، بدعمٍ من “حزب الله”، إلى رئاسة الجمهورية في العام 2016؛ وسمح ل”حزب الله” بفك عزلته بعد الانسحاب السوري من لبنان في العام 2005 الذي تلاه انتصار انتخابي لقوى 14 آذار المُعارِضة لسوريا.
لكن بالنسبة إلى عون، مثل باسيل، كانت العلاقات مع “حزب الله” دائمًا في المقام الأول تتعلّق برئاسة الجمهورية. لقد اعتقد عون، بشكلٍ صحيح، كما اتضح في ما بعد، بأنه لن يتمَّ انتخابه إلّا إذا دعمه الحزب، وباسيل كان يأملُ في الشيء نفسه. ومع ذلك، عندما فشل “حزب الله” في دعم ترشيحه هذا العام، تدهورت العلاقة.
حتى اليوم، لم يُسَمِّ “حزب الله” رسميًا فرنجية، لأنه لا يريد أن تتدهور علاقاته مع “التيار الوطني الحر”. لكن في مرحلةٍ ما سيَتَعيَّن على الحزب اتخاذ قرار. ويَجِدُ فرنجية نفسه في وضعٍ مُحرِج وغير مستقر بشكل متزايد لأن “حزب الله” لم يُعلن نواياه بشكلٍ رسمي، بينما لن تدعم أيٌّ من الكتلتين المسيحيتين الرئيسيتين، “العونيين” أو “القوات اللبنانية”، فرنجية.
أعلن باسيل و”حزب الله” مرات عديدة إنهما يريدان الحفاظ على علاقتهما. لكن هذا لن يعني الكثير إذا استمرَّ باسيل في ممانعته دعم فرنجية و”حزب الله” يرى أن باسيل يعتمد بشكل كبير على الحزب ليقبل بشروطه.
في الواقع، كانت السنوات الست من ولاية عون بمثابة كارثة ل”حزب الله”، ما يوَضِّحُ سبب عدم رغبته في تكرار الأمر عينه مع باسيل. لقد اعتُبِرَ الحزب أنه المدافع الرئيس عن رئيسٍ فاقدٍ للمصداقية وسط انهيار اقتصادي. علاوة على ذلك، كان باسيل يهاجم بشكل روتيني حلفاء “حزب الله”، وخصوصًا رئيس مجلس النواب نبيه بري. أصبح باسيل مصدر إزعاج، حيث اصطدم بانتظامٍ مع الحريري ورئيس الوزراء الحالي، نجيب ميقاتي، من أجل تمهيد طريقه إلى الرئاسة، وعمل على وضع العصي في دواليب عمل الحكومة بشكلٍ دائم.
كانت لذلك تداعيات سلبية على “حزب الله”، لكن الحزب اليوم يرى الأمور بشكلٍ مختلف. لم يَعُد بحاجة إلى حليفٍ مسيحي رئيسي بشكلٍ حيوي كما كان الأمر في العام 2006، لأنه طوَّرَ علاقاته مع الطائفتين السنّية والدرزية. إذا كان باسيل يريد أن يسير في طريقه الخاص، فلن يدفع “حزب الله” ثمنًا باهظًا لهذا، حتى لو كان يُفضّلُ تجنّب ذلك.
يُدركُ باسيل جيدًا أنه في وضع غير مؤات. حدوده في الانفصال عن “حزب الله” محدودة إذا كان يريد الحفاظ على نفوذه السياسي. لقد نفّرَ وأغضب الجميع، وداخل مجتمعه، حتى داخل “التيار الوطني الحر”، لقد فَقَدَ أرضيته بثبات، بحيث أن الانفصال عن الحزب قد يؤدي إلى عدم أهمّيته السياسية.
لكن لا يستطيع باسيل تقديم مرشح رئاسي يُسَيِّره كما يشاء. أعداؤه السياسيون لن يقبلوا أبدًا أن يسيطر على الرئاسة خلسةً ولن يصوّتوا لمرشّحه. لذا، يحتاج باسيل إلى تغيير استراتيجيته تمامًا والبدء في تكوين حلفاء جدد، وإلّا فإنه سيحفر حفرةً أعمق تُهدّد مستقبله السياسي. ربما قد يُغيّر مساره، لكن فات الأوان عليه لإحداثِ فَرقٍ في الرئاسة هذا العام.
- مايكل يونغ هو رئيس تحرير “ديوان”، مُدوّنة برنامج كارنيغي الشرق الأوسط، بيروت، وكاتب رأي في صحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @BeirutCalling
- كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.