تَمجِيدُ القَتَلة وتَجرِيمُ الضحايا

عرفان نظام الدين*

كأنه لم يَكفِنا ما تَعَرَّضت له أُمّتُنا من الحروبِ والقَمعِ والقَتلِ وتدميرِ البلاد والعباد ليواجه العرب اليوم أقذر أشكالِ الإجرامِ الوحشي من قتلٍ وذبحٍ من الوريد إلى الوريد على مرأى العالم كلّه، وتعذيبٍ ودفنِ أحياءٍ وصبِّ الأسيدِ الحارقِ على الضحايا بلا رحمة ولا خوف من الله ولا احترام لقِيَمِ الدينِ والأخلاق والقوانين.
لا أُبالغُ في هذا الوصف لمُسلسَلِ موجات الجرائم الوحشية وكأنَّ شريعةَ الغاب هي السائدة اليوم، أو كأنَّ الوحوشَ قد استعمرت الضمائر وتمكّنت الشياطين من إشاعة الفساد والتحريض والإغواء. وآخر ما وصلني اليوم وأنا أعُدُّ هذا المقال جرائمٌ عدة يَندى لها الجبين وتزيد من الأسى والأسف والقلق والخوف من الآتي الأعظم من بينها رجلٌ عراقي يعترفُ باغتصابِ ابنته، وأخٌ في طرابلس قتل شقيقيه وآخر في ضاحية بيروت الجنوبية قتل شقيقه السعودي، وثالث قتل ابنتيه و… الكثير من الجرائم المُشينة وردّات الفعل الأشدّ سوءًا.
هذه الجرائم وما سبق ما شهدناها خلال أشهرٍ قليلة تُثيرُ في قلوبنا الرُعبَ، وتدفعنا للدعوة للتفكير والسؤال عن الأسباب والدوافع ووسائل الحلّ وقمع المجرمين، وتشديد العقوبات، وتوحيد الجهود لوقف هذا المسلسل الدامي الأسود، فالوضع خطير والخطر داهم.
والمهم في هذا المسلس أنه أسقطَ كلّ المُسلّمات السائدة وأوّلها الإعجاب بوسائل التواصل الاجتماعي بكافة أشكالها، أوّلًا بنشر الرذيلة والعنف و تشويه الحقائق والتدخّل في الأمور القانونية من “هبّ ودَبّ”، ومَن يُفتي ويقوم بتمجيد القتلة وتبرير جرائمهم ونشر معلومات وصور مُسيئة للضحايا في محاولة تجريمهم وتحميلهم مسؤولية ما جرى، كما حدث للضحية المظلومة نيرة أشرف التي ذبحها المجرم محمد عادل بطعناتٍ قاتلة أكملها بنحرها من الوريد الى الوريد على مرأى من المارة وطلاب جامعة المنصورة التي ينتمي إليها القاتل والضحية. والأسوأ من ذلك بثّ أخبارٍ كاذبة وتبرير الجرائم بأن الضحية استفزّت القاتل! أو أنها رفضت الارتباط به. ووَصَلَ الأمرُ إلى حدِّ جمعِ أموالٍ وتبرّعاتٍ للدفاع عن القاتل، واستخدمها البعض ل”البَهوَرة” وطلب الشهرة، حتى أن أشهر محامي في مصر قد تطوّع للدفاع عن القاتل، مع أن الحكم قد صدر بالإدانة، وأفتى مفتي مصر بإعدام القاتل الذي ارتكب جريمة موصوفة عن سابق إصرارٍ وترصّد.
ومع سقوط وسائل التواصل الاجتماعي وتحوّلها إلى وسائل فوضى وتباعد وفتن، سقطت معها نظرياتٌ كثيرة من بينها أن الجرائم تنتشر بسبب الفقر، إذ تبيَّنَ أن كلَّ الاطراف من غير الفقراء … أو من غير الجَهَلة، فجميع المجرمين من المتعلّمين والمتفوّقين، مثل القاضي المسؤول في أهم مركز هو مجلس الدولة ومعه المقاول الثري المُشارِكَين في قتل المذيعة … كما سقطت نظريات ربط جرائم الإرهاب والذبح وحصرها بالجماعات الإسلامية، فالإجرامُ صار عامًّا ومُنتَشرًا، ولا بدّ من الاستماعِ لصفّاراتِ الإنذار لإيجادِ حلولٍ عاجلةٍ لهذه الآفة المُستشرية في مجتمعاتنا.

  • عرفان نظام الدين هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي مُقيم في لندن. كان سابقًا رئيس تحرير صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى