المرأةُ في الإمارات يُمكنُ أن تُلهِمَ بَقيّةَ العالم

حصّة بوحميد*

قبل ثمانية عشر عامًا، التزمت الإمارات العربية المتحدة تجاه النساء والفتيات والعالم. في ذلك العام (2004)، أصبحت البلاد من الدول المُوَقِّعة على “اتفاقية الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة” (سيداو).

مع تصديقها على هذه الاتفاقية، قامت الإمارات بتدوين العديد من تدابير الحماية القائمة للمرأة في الدولة، مع مضاعفة هدفها في سدِّ الفجوة بين الجنسين.

إن اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، التي تُعتَبَرُ على نطاقٍ واسعٍ أهمّ معاهدة عالمية لتعزيز حقوق المرأة، قد تبنّتها ووقّعت عليها حتى الآن 189 دولة. من جهتها، رأت دولة الإمارات في اتفاقية “سيداو” فرصةً لتوحيد الجهود مع العديد من شركائها الدوليين لإرسالِ رسالةِ تضامنٍ إلى جميع نساء العالم، ووعدًا بأن حرِّياتهنّ وحقوقهن – السياسية والاقتصادية والمدنية والاجتماعية – هي أولوية في صنع السياسات.

هذا الأسبوع، تشرّفَت دولة الإمارات بتقديم هذه الإنجازات إلى لجنة الأمم المتحدة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة في جنيف. وقد أَطلَعَ وفدُنا، المؤلف من حوالي 30 من كبار المسؤولين الإماراتيين، اللجنة المؤلَّفة من 23 خبيرًا مستقلًا على التقدّم الملموس الذي تمَّ إحرازه خلال فترة الأربع سنوات الأخيرة.

كانت تلك الفترة رائعة حقًا. بين العامين 2019 و2021 فقط، أصدرت دولة الإمارات 11 قانونًا وتعديلًا تشريعيًا، ركّزت جميعها على تعزيز حقوق المرأة وتمكينها في جميع المجالات وإشراكها في استراتيجية الإمارات الممتدة على 50 عامًا.

من بين الإنجازات التي ناقشناها كانت الإصلاحات القانونية التي تمَّ الإعلان عنها في العام 2021، حيث صادقت الحكومة على قانونٍ اتحادي جديد ومُحَدَّث للجريمة والعقاب لتعزيز حماية النساء والعاملات في الخدمة المنزلية مع تعزيز الأمن والسلامة العامة.

والواقع أن الإمارات العربية المتحدة تتصدّر فعليًا التصنيفات الدولية لسلامة المرأة. في مؤشر جامعة جورج تاون (واشنطن) للمرأة والسلام والأمن لعام 2021، احتلّت البلاد المرتبة الأعلى في فئة “تصوّر سلامة المجتمع”، حيث سجّلت 98.5 في المئة.

الآن، تنصّ القوانين في دولة الإمارات على عقوبة السجن مدى الحياة لجريمة الاغتصاب وتُعالج الاعتداء غير اللائق بالسجن أو غرامة لا تقل عن 10,000 درهم (حوالي 2,700 دولار) بغض النظر عن جنس الضحية. في العام 2019، أصدرت الحكومة قانونًا بشأن الحماية من العنف الأُسَري، وأعادت التأكيد على أن المرأة يجب أن تشعر أوّلًا بالأمان في المنزل من أجل المشاركة بنشاطٍ في المجتمع.

في العام 2015، أدرجت السلطات أسس الجنس والنوع في تعريفها للتمييز في قانون مكافحة التمييز، وأُنشِئ مجلس الإمارات للتوازن بين الجنسين في ذلك العام بهدف تقليص الفجوة بين الجنسين في جميع القطاعات. ومع ذلك، كان هذا بالنسبة إلى معظم الناس مجرد إجراءٍ شكلي، إذ أنه بموجب دستور الإمارات، تتمتّع المرأة بالوضع القانوني نفسه، والمطالبة بالألقاب، والوصول إلى التعليم، والحق في ممارسة المهن، والحق في وراثة الممتلكات مثل الرجل.

كانت نتائج هذه القوانين على مرِّ السنين عميقة: من مجالس الإدارة إلى المناصب الحكومية والمختبرات إلى منصات الإطلاق، كانت النساء في طليعة العديد من الإنجازات التي حققتها الدولة. الآن، تُشكّل تسع نساء – بمن فيهن أنا – ما يقرب من ثلث المناصب الوزارية، وهي واحدة من أعلى النسب في الشرق الأوسط. وما يُثلجُ الصدر أن 50 في المئة من أعضاء المجلس الوطني الاتحادي، الهيئة البرلمانية الاستشارية في الإمارات، هم من النساء.

هذا التمثيل ليس من قبيل المصادفة: بل إنه يُمثّلُ الاستثمار الكبير للحكومة في نساء البلاد، بما في ذلك من خلال مبادرات التعليم والتوظيف المستهدفة. ليس من المفاجئ أن 77 في المئة من الإماراتيات يلتحقن بالتعليم العالي بعد المدرسة الثانوية، وأن 56 في المئة من خريجي الجامعات الإماراتية في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات هم من النساء. لقد كانت لحظة فخر حقيقية وعلامة تاريخية عندما أصبحت الإمارات أول دولة عربية تُرسِلُ مسبارًا إلى المريخ في العام 2021، حيث شكلت 80٪ من النساء فريق عمل الإمارات لاستكشاف المريخ.

في جنيف، استمع أعضاء اللجنة أيضًا إلى وفدنا يناقش التمكين الاقتصادي للمرأة. كنا فخورين بأن نعلن أن عدد الشركات المُرَخَّصة التي تملكها سيدات بلغ 80,025، مع أكثر من 32,000 سيدة أعمال تدير مشاريع تُقَدَّر قيمتها بأكثر من 10 مليارات دولار. وتشهد المؤشرات الدولية على ذلك، حيث احتلت الإمارات المرتبة الأولى في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في تقرير “المرأة والأعمال والقانون 2021” الصادر عن البنك الدولي.

هذه كلّها إنجازات لا تزال تُلهِمُ شعبنا للوصول إلى المزيد. ومع ذلك، فإن الإمارات لم تكن أبدًا مكتفية وقانعة بالنهوض بحقوق أولئك اللواتي يعشن داخل حدودنا فقط، إذ أن النساء والفتيات المحتاجات في جميع أنحاء العالم هنّ أيضًا من أولوياتنا.

لقد ركّزت الحكومة قضايا المرأة في سياستها الخاصة بالمساعدات الخارجية، كما عملت بلا كلل لتحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المُستدامة من خلال الدفاع عن المساواة بين الجنسين، والتمكين، وحماية النساء والفتيات في مشاريع المساعدة والإغاثة التي تمنحها.

في العام 2019 وحده، بلغت مساعداتنا الخارجية لتمكين النساء والفتيات ما يقرب من 851 مليون دولار (10.7 في المئة من إجمالي المساعدات الخارجية لدولة الإمارات). لقد أدركت بلادنا منذ فترة طويلة أن المرأة لا يمكن أن تزدهر ما لم تكن تتمتّع بالأمن والسلامة والاستقرار، ولذلك تستثمر الحكومة باستمرار في أجندة المرأة والسلام والأمن على الصعيدَين الوطني والعالمي. تلعب المرأة دورًا محوريًا في برامج حفظ السلام وحلّ النزاعات، ولهذا تشرّفت دولة الإمارات بإطلاق مبادرة الشيخة فاطمة بنت مبارك لتمكين المرأة في مجال السلام والأمن. بالتوازي مع ذلك، تدعو الدولة إلى التمويل المهم لأجندة المرأة والسلام والأمن، وقد التزمت بمساهمة لمدة ثلاث سنوات بقيمة 15 مليون دولار لهيئة الأمم المتحدة للمرأة في العام 2019. وفي وقت التعهّد، شجّعت الإمارات هيئة الأمم المتحدة للمرأة على تخصيصِ جُزءٍ من هذه الأموال لأجندة المرأة والسلام والأمن العالمية.

حيث تنمو المرأة وتتطوّر وتنجح، كذلك تنمو وتتطور مجتمعاتنا. لا يمكننا كمجتمعٍ أن نتقدّم بدون إنجازات النساء الرائعات اللواتي يواصلن خدمة بلدنا على المسرح العالمي في جميع المجالات. إنهنّ صانعات سياسات ورائدات فضاء طموحات وعاملات في المجال الإنساني وفنانات وغير ذلك. وفوق كل هذا، فإنهن مُهتَمّات بضمانِ تمتّعِ أخواتهن في جميع أنحاء العالم بفُرَصِ الازدهار والنمو عينها.

ويحدونا وطيد الأمل أن تكون لجنة الخبراء التي التقينا بأعضائها في جنيف قد تشجّعت بسماع التقدّم الهائل الذي حققته دولة الإمارات في السنوات الأخيرة. بصفتنا مؤمنين كثيرًا بالتعاون الدولي والتعدّدية، تُقدِّرُ بلادنا بشكلٍ كبير مشاوراتها مع الشركاء الدوليين في تحديد المجالات التي تحتاجُ إلى مزيدٍ من التقدّم. سوف نأخذ هذه الدروس معنا إلى القلب والوطن، حيث تكون النساء هي المستفيد النهائي من السياسات التي تستمر في الارتقاء بهنّ إلى أقصى إمكاناتهن.

  • حصة بنت عيسى بوحميد هي وزيرة تنمية المجتمع في دولة الإمارات العربية المتحدة. يمكن متابعتها عبر تويتر على: @HessaBuhumaid

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى