استراتيجية “أوبك +” تواجه تحدّيات جديدة لموازنة السوق في العام 2022

يعقد تكتل “أوبك +” إجتماعًا في الثاني من كانون الأول (ديسمبر) لبحث خيارات متعددة ولوضع استراتيجية جديدة لموازنة السوق للعام 2022 مع وصول المُتغيّر “أوميكرون”.

متغير “كوفيد-19” الجديد أوميكرون: قد يكون عبئاً على أسعار النفط

كولبي كونيلي*

عندما أعلن البيت الأبيض أنه قد نجح في تجنيد العديد من الدول الرئيسة المستهلكة للنفط في محاولة لتنسيق عمليات الإفراج عن بعض احتياطات النفط الاستراتيجية حول العالم، بدا أن هذا الأمر سيكون العامل الرئيس الوحيد في أسواق النفط الذي سوف تحتاج مجموعة “أوبك +” إلى النظر فيه في اجتماعها المقبل في 2 كانون الأول (ديسمبر). ثم جاء المُتغيِّر “أوميكرون” (Omicron).

أدّى النوع المُكتشَف حديثًا من فيروس كوفيد-19 إلى انخفاض أسعار النفط القياسية في 26 تشرين الثاني (نوفمبر)، حيث أدّت حالة عدم اليقين بشأن تأثيره إلى اضطراب الأسواق العالمية. أثارت الإعلانات المتزايدة عن عمليات الإغلاق الأوروبية الجديدة بالفعل بعض القلق بشأن آفاق الطلب على النفط بحلول العام 2022، لكن قيود السفر الدولية الجديدة التي فُرضت ردًا على انتشار “أوميكرون” المُبكر يبدو من المرجح أن تزيد من إعاقة تعافي الطلب على وقود الطائرات. من المتوقع أن تراقب الدول المنتجة للنفط التي يتألف منها التكتل المؤلف من 23 عضوًا الأسعار بعين عصبية حيث واجه الكارتل الآن مجموعة جديدة من المتغيّرات لعام 2022، وهو العام الأخير الذي وُضِعت فيه قيود الإنتاج المفروضة استجابة لـكوفيد-19.

كيف وصلنا إلى هنا؟

تمرّ أسواق النفط بمأزقٍ لم يكن من الممكن تصوّره أبدًا قبل أسابيع. كانت الأسعار المعيارية في حالةِ انتعاشٍ لا يمكن إيقافها على ما بدا واستمرت لأشهر عدة، حيث وصل مؤشر برنت القياسي الدولي إلى أعلى مستوى له منذ سنوات عند أكثر من 86 دولارًا للبرميل في أواخر تشرين الأول (أكتوبر)، قبل أن يبدأ الحديث عن إستخدام احتياطي البترول الاستراتيجي لفرض ضغطٍ هبوطي على الأسعار. ثم بعد يومٍ واحدٍ فقط من عطلة عيد الشكر في الولايات المتحدة، انخفضت الأسعار بما يقرب من 10 دولارات للبرميل عن اليوم السابق، مع استقرار خام برنت عند 72.72 دولارًا للبرميل مع ورود أنباء عن بدء انتشار مُتغيّر جديد لـكوفيد-19.

ومع ذلك، حتى في يوم إعلان الرئيس جو بايدن عن إستخدام احتياطي البترول الاستراتيجي، بقيت الأسعار تُسجّل مكاسب. غالبية المحللين توافق على أن خطوة إدارة بايدن كانت سياسية؛ تُعتبر أسعار البنزين والديزل في الولايات المتحدة من الناحية التاريخية موضوعًا حساسًا من الناحية السياسية، ولا شكّ في أن الحزب الديموقراطي والرئيس بايدن يشعران بالقلق إزاء تأثير التضخم في انتخابات العام المقبل المثيرة للجدل والتي تفصلنا عن موعدها الآن أقل من 12 شهرًا. أدى ارتفاع أسعار الوقود في جميع أنحاء أميركا إلى دعواتٍ من الجمهور والعديد من المسؤولين المُنتَخَبين لاتخاذ إجراءات، مع حرص خصوم بايدن السياسيين على إلقاء اللوم على الزيادة في الأسعار على البيت الأبيض، رُغم أن الخيارات السياسية المتاحة للرئيس والتي يمكن أن يكون لها تأثير مباشر ودائم في أسعار النفط الخام قليلة.

من المُحتَمل أن يكون مراقبو استطلاعات الرأي الديموقراطيون قد حفّزوا على اتخاذِ إجراءٍ من خلال العديد من التقارير التي تُفيد بأن أسعار النفط كانت في حالة تمزّقٍ تصاعدي من شأنه أن ينتج عنه 100 دولار لكل برميل من النفط الخام قبل نهاية العام 2021، على الرغم من أن الاحتمالات الفعلية لهذه النتيجة كانت دائمًا موضع جدل كبير، كما هو الحال مع قدرة استخدام الإحتياطي النفط الاسترتيجي نفسه على إحداث التأثير المطلوب في الأسعار. مع بقاء دعوات البيت الأبيض المتكررة لأوبك + لزيادة إنتاج النفط بدون إجابة، يبدو أن إدارة بايدن تضع وزناً أكبر على خيار الإفراج عن النفط الخام من احتياطي البترول الاستراتيجي الأميركي، ما أدى في النهاية إلى الإعلان عن أن الولايات المتحدة ستُنظِّم إفراجَين بإجمالي 50 مليون برميل من النفط الخام. بعد ذلك بوقت قصير، أعلنت الهند أنها ستُطلق 5 ملايين برميل من مخزونها الخاص، مع إضافة المملكة المتحدة 1.5 مليون برميل أخرى. كان من المتوقع أيضًا أن تُفرِجَ الصين واليابان وكوريا الجنوبية، التي شكّلت مُجتمعة 60 ٪ من استهلاك النفط في آسيا والمحيط الهادئ في العام 2020، عن كميات من المخزونات الاستراتيجية، على الرغم من عدم توضيح التزاماتها بعد.

في حين أن الإفراج عن احتياطي البترول الاستراتيجي من المرجح أن يثير الجدل بين مندوبي أوبك + بغض النظر عن القرار النهائي للمجموعة، إلّا أنه كان مشكلة لا تزال واضحة نسبيًا نظرًا إلى حقيقة أنها تمثل مستوى ثابتًا من زيادة العرض التي يتم إتاحتها للسوق على مدى إطار زمني محدد؛ إن خطط المجموعة لمواصلة ضخ 400 ألف برميل يوميًا في إمداداتٍ إضافية على أساسٍ شهري لمدة شهرين من أجل تعويض تأثير أحجام احتياطي البترول الاستراتيجي قد تُعلَّق. الآن، تستعد المجموعة للتعامل مع السؤال الأكثر صعوبة حول كيف سيُشكّل مُتغَيِّر كوفيد-19 الجديد الطلب على النفط في العام 2022.

إلى أين تتجه “أوبك +” من هنا؟

قبل ظهور أوميكرون، كان من المُحتَمَل أن تناقش “أوبك +” مزايا الإيقاف المؤقت لزيادة الإنتاج الشهري لشهر كانون الثاني (يناير)، اعتمادًا على بيئة السعر. خارج الإفراجات عن احتياطي البترول الاستراتيجي، بدا أن الطلب سيستمر في التحسّن، حيث تشير معظم التوقعات إلى أنه سيكون هاك فائض في سوق النفط في وقت ما في النصف الأول من العام المقبل. الآن، ومع ذلك، من المرجح أن يُفضّل التكتّل نهجًا أكثر حذرًا مع اقتراب فصل الشتاء. في الوقت الحالي، من المحتمل أن يتّخذ هذا الأمر شكلَ توقّفٍ مؤقت عند إضافة أيّ معروض في كانون الثاني (يناير) مع إبقاء إمكانية تكرار هذا القرار مفتوحًا في شباط (فبراير). مع أوميكرون كمُتغيِّر رئيس، من المتوقع أن تزيد الإفراجات عن الإحتياطي المستمرة العرض المُتاح حتى ذلك الحين.

إذا بدا أن المتغيِّر الجديد أقل احتمالًا لتعطيل السفر والتعافي الاقتصادي مما كانت الأسواق تخشاه في البداية، فقد تُواصل “أوبك +” زيادات إنتاجها البالغة 400 ألف برميل يوميًا في شباط (فبراير). قد يعكس هذا اتجاهًا صعوديًا بشكلٍ خاص يبدو من الصعب تخيّله في الوقت الحالي، ولكن ظهور متغيّرات جديدة لـكوفيد-19 يُعَدّ بمثابة بطاقةٍ بديلةٍ للأسواق بحيث لا يمكن استبعاد مثل هذه النتيجة تمامًا حتى تتوفر المزيد من البيانات حول أوميكرون، والتي يمكن أن تستغرق أسابيع عدة.

إذا كان الأسوأ صحيحًا، وأدّى متغيّر أوميكرون إلى نظرة مستقبلية رهيبة في جميع أنحاء العالم مع انخفاض درجات الحرارة لفصل الشتاء، فقد يفكر التكتل حتى في خفض إنتاجٍ جديد بالإضافة إلى وقف الزيادات. على الرغم من أن هذا من شأنه أن يساعد على وضع حدٍّ أدنى للأسعار ويمنعها من العودة إلى المستويات المنخفضة التي من شأنها أن تبدأ في توسيع عجز الموازنة للبلدان المنتجة، إلّا أنه سيعكس أيضًا احتمالات غير مؤكدة بشكل لا يُصدَّق لاستمرار تعافي الطلب على النفط في العام 2022، والذي كان متوقعًا له على نطاق واسع العودة إلى مستويات ما قبل الجائحة.

ومع ذلك، فإن أيّ مسار عمل بدءًا من هذه النقطة فصاعدًا سيكون صعبًا. يتوق معظم المنتجين داخل “أوبك +” إلى مواصلة زيادة الإنتاج بعد الألم الاقتصادي الناجم عن تدمير الطلب المرتبط بالوباء في العام 2020. بالنسبة إلى آخرين، مثل نيجيريا وأنغولا، وبشكلٍ متزايد العراق والكويت، بدأت مشكلات الإنتاج والبنية التحتية المتدنية في تعقيد عملية رفع الإنتاج فوق المستويات الحالية. ومن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى خلق احتكاك بين أعضاء المجموعة حيث يستمر التراجع عن تخفيضات الإنتاج في العام 2022، خصوصاً إذا كان المنتجون الكبار، مثل المملكة العربية السعودية وروسيا والإمارات العربية المتحدة، سيحتاجون إلى زيادة إنتاجهم للتعويض عن الأداء الضعيف المزمن.

الآفاق

سيحتاج التكتل أيضًا إلى مراقبة تطورَين جيوسياسيين رئيسيين سيؤثّران في أعضائه في العام المقبل. الأول هو استئناف المحادثات لإحياء خطة العمل الشاملة المشتركة، ما قد يؤدي إلى قيام الولايات المتحدة بالتراجع التدريجي عن العقوبات المفروضة على إيران وإضافة ما يصل إلى 1.5 مليون برميل من النفط الخام إلى السوق. تمامًا مثل أوميكرون، لا تبدو احتمالات هذه النتيجة واضحة جدًا في الوقت الحالي. وربما يكون الأمر غير مؤكد الآخر بالقدر عينه وهو الانقطاع المحتمل لصادرات النفط الليبي إذا أسفرت الانتخابات المقررة في البلاد في أواخر كانون الأول (ديسمبر) عن حرب أهلية. حافظت ليبيا على صادراتها لأكثر من مليون برميل في اليوم منذ رفع الحصار المفروض محليًا والذي أدى إلى وصول مستوى إنتاجها إلى ما يقرب من الصفر في أواخر العام 2020، وقد يؤدي فقدان هذه البراميل بسهولة إلى ارتفاع الأسعار مرة أخرى. من الأمور الحاسمة بالنسبة إلى “أوبك +” أن كلا البلدين، إيران وليبيا، معفيان حاليًا من حصص الإنتاج، ومن المرجح أن تؤدي إعادة تخصيص الحصص لتشمل أحدهما أو كليهما في استراتيجية موازنة السوق المعدلة إلى انشقاقٍ في صفوف المجموعة.

يبدو أن ما تُظهره هذه المتغيّرات قبل كل شيء هو أن إدارة السوق من “أوبك +” تبدو أنها ستظل أحد مكوّنات أسواق النفط في المستقبل المنظور. نظرًا إلى أن التحديات التي يواجهها أعضاؤها في التحضير لانتقال وتحويل الطاقة تتباعد بشكل متزايد، فإن جهود التكتل لإدارة الأسواق وتحقيق التوازن بين أولويات السياسة لأعضائه ستنمو لتصبح مهمة أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى.

  • كولبي كونيلي هو باحث غير مقيم في برنامج معهد الشرق الأوسط للاقتصاد والطاقة، ومحلل أبحاث في “Energy Intelligence. الآراء الواردة في هذا المقال هي آراؤه الخاصة.
  • كُتب هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى