هل تَمكينُ النساءِ في الخليجِ حقيقيٌّ؟

أصبح تمكين المرأة في دول الخليج أداةً لصَرف الانتباه وليس مجهودًا حقيقيًا لتعزيز مشاركة المرأة الكاملة والمُتساوية في المجتمع.

المرأة في السعودية تقود السيارة الآن

ميرة الحسين*

تصدّرت احتفالات اليوم العالمي للمرأة افتتاحيات الصحف في أرجاء منطقة الخليج حيث سلطت الأضواء على الدور الذي تلعبه النساء المُتمَكِّنات في مجتمعاتهن، لا سيما بوصفهن نماذج يُحتذى بها. إلّا أن ما يتم الاحتفاء، في ما يتعلق بالمُتمَكِّنات من النساء يتلخّص في أمرٍ واحد: مدى استفادة الدولة منهنَّ اقتصاديًا. في الواقع، تُوظِّف الاحتفالات إنتاجية النساء الاقتصادية بوصفها أداة تعفير تُضبّبُ الرؤية وتُحيِّدها عن العوائق الحقيقية التي تَحول دون التمكين الفعلي للمرأة في المجتمعات الخليجية.

لا شك أن هناك علاقة ترابط بين ظهور خطاب تمكين المرأة في منطقة الخليج العربي وارتفاع معدلات التحصيل العلمي لدى نساء المنطقة، وبالأخص في مجال التعليم العالي، حيث تناقش دراسات أكاديمية عدة التفاوتَ المتزايد في التحصيل العلمي بين الإناث والذكور، مُستشهدةً بالإحصاءات التي تُثبت أن الإناث أعلى تحصيلًا ​​من نظرائهن الذكور. وقد تدفعنا النظرة المُستَبشرة إلى التسرّع في تفسير الدوافع الحقيقية وراء خطابات تمكين المرأة على أنها تقديرٌ من الدولة أو مكافأة رجعية لجهودهن الدؤوبة، إلّا أنه من المهم تفحّص السياقات الاجتماعية التي حفّزت ظهور خطابات التمكين.

بالعودة إلى سبعينات القرن الفائت نجد أن عددًا من نساء الخليج ذهبن لمتابعة تعليمهن العالي في مصر والعراق والمملكة المتحدة والولايات المتحدة. لكن الغالبية العظمى من طلاب الخليج الذين يدرسون في الخارج كانوا من الرجال. عند عودتهن، تم الاحتفاء بهؤلاء النساء بوصفهن رائدات، لكن لم يتم تعيينهن مُطلقًا في مناصب بارزة في السلطة أو في مراكز صنع القرار. ولم يتمّ الترويج لهن آنذاك بوصفهن نماذج يُحتذى بها للأجيال الشابة. وقد طغى على إنجازاتهن المميزة إنجازات الرجال المُتعلّمين بشكلٍ مُساوٍ لهنّ والذين تفوّقوا عليهن عددًا. إلّا أن هذه النسبة تغيرت تدريجًا بمرور الوقت لصالح النساء.

على الرغم من دوافعهن وطموحاتهن الفردية في تحصيل التعليم العالي، فإن إنجازات المرأة الخليجية المُعاصِرة لا تُناقَشُ إلّا بالمقارنة بالرجال الذين “يبقون”. يصف الباحثون الأجانب الذين يدرسون المشهد التعليمي في الخليج النساء على أنهن رائدات طموحات، في حين أن الرجال كثيرًا ما يُوصَفون بالمُتسَرِّبين الذين تركوا التعليم العالي ليلتحقوا سريعًا بسوق العمل. في الواقع، استفاد كثيرٌ من الرجال –وعدد أقل من النساء في الماضي– من المنح الدراسية التي تُموّلها الدولة لمتابعة التعليم العالي في الخارج، وبينما يمكن إثبات ذلك بالإحصاءات الرسمية، فإنه ليس من الممكن، في منطقة تفتقر للمعلومات، معرفة كم عدد الرجال، ممن غادروا بمنح دراسية، قد عادوا بالفعل. تسمح لنا فجوة المعلومات هذه بوضع افتراضات حول غياب الرجال – -لذين تركوا العمل– كعامل رئيس يقود مشروع تمكين المرأة المستمر في جميع أنحاء منطقة الخليج، خصوصًا وأن النساء يشغلن وظائف في سوق العمل أكثر من أي وقت مضى. هل شغلت هؤلاء النساء المناصب التي كانت من المفترض أن تذهب للرجال الذين تخلّفوا عن العودة؟ ربما يمكننا دراسة أوجه التشابه مع وضع النساء في أوروبا اللواتي تم تسهيل دخولهن إلى سوق العمل لملء المناصب التي كان يهيمن عليها الذكور تقليديًا بسبب غياب الرجال الذين لقوا حتفهم في الحربين العالميتين.

لكن خطاب تمكين المرأة هو خطاب أمني كذلك. إذا أخذنا في الاعتبار، على سبيل المثال، ذروة حملة التمكين، والتي يمكن إرجاعها إلى أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، نجد أن دول الخليج قد عيّنت أول وزيرات لها بعد وقت قصير جدًا من شن الولايات المتحدة حربها العالمية على الإرهاب. فبعد أن نقّحت مناهجها من أي شيء يُعتَبر مُثيرًا للجدل لإرضاء الغرب، أصبحت دول الخليج العربي مُدرِكةً تمامًا لكيفية استخدام الغرب لخطاب تحرير المرأة كأساسٍ لتبرير تدخّلاتها العسكرية والسياسية. وهكذا، أصبح تمكين المرأة أداة صرف انتباه –وربما دفاعية– وليس مجهودًا حقيقيًا لتعزيز مشاركة المرأة الكاملة والمتساوية في المجتمع.

نرى باستمرار أن حضور المرأة الخليجية وظهورها يلتبس مع مفهوم التمكين الحقيقي والمؤثر. ومع ذلك، فإن النساء البارزات في الخليج، في أغلب الأحيان، يعملن مجرد مُتحدّثات باسم الدولة. ولأنهن مَدينات بالفضل في بروزهن للدولة، فقد تخلّين عن شخصيتهن المستقلة، وحافظن على وجودٍ عام خالٍ من الحضور المستقل، لا سيما على وسائل التواصل الاجتماعي. تمثل النساء المُمَكَّنات القوة الناعمة والواجهة الأمامية التي تُعبّر بها دول الخليج عن تحضّرها وتقدّمها في خطابات موَجَّهة وبشكل أساس إلى الجماهير الأجنبية. أما على الصعيد المحلي، فإنه يتم تصوير النساء اللواتي يسعين إلى الظهور المستقل على أنهن نسويات مُتمرّدات –النسوية هي التهمة– المفتونات بالغرب، واللواتي يهدفن بشكل تآمري إلى نشر الأفكار الفاسدة والهدّامة بين النساء الفاضلات. فبين التحدث باسم الدولة الذكورية، والتحدّث عن نفسها وأخواتها، تلتزم النساء الخليجيات الصمت في ظهورهن المدعوم من قبل الدولة، ويتم إسكاتهن عندما يخترنَ أن يكنَّ بارزات وحاضرات بشكل مستقل.

  • ميرة الحسين حاصلة على الدكتوراه من جامعة كمبريدج البريطانية، تُركّز أبحاثها على علم اجتماع الثقافة والتعليم العالي والسياسة في الخليج. يمكن متابعتها عبر تويترعلى:@miraalhussein

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى