“الخطة ب” الأممية لليبيا تحتاج إلى حلٍّ أمني أيضاً

يعمل المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا، غسان سلامة، منذ فترة على خارطة طريق لإعادة السلام والإستقرار إلى الجماهيرية السابقة ولكنها إصطدمت بحائط مسدود. الآن يطرح من طريق نائبته ستيفاني وليامز خطة بديلة … الخطة ب”.

صالح بادي: إما أن يسير في الخطة الأممية أو سيوضع إسمه على لائحة العقوبات الدولية!

بقلم جوناثان وينر*

في صيف العام 2014، خسرت ليبيا معظم الديبلوماسيين الأجانب المُعتَمَدين لديها الذين غادروا بعد أسابيع من القتال بين المليشيات التي كانت تتصارع للسيطرة على البنية التحتية الرئيسية في طرابلس. ووضع القتال لواء الزنتان، الذي كان يسعى للسيطرة على مطار طرابلس الدولي وعائداته، ضد مقاتلي مصراتة برئاسة زعيم الميليشيا صالح بادي، الذي رأى أن دور الزنتان هناك يشكّل إهانة لطهارة الثورة.
في آب (أغسطس) من هذا العام، وبعد مرور أكثر من أربع سنوات، دخل بادي وميليشياته المدعوة “لواء الصمود” مرة أخرى إلى طرابلس، هذه المرة مع اللواء السابع من ترهونة، لإطلاق مجموعة جديدة من الأهداف التي فُهِم على نطاق واسع أنها كانت لجني حصاد كبير من حكومة الوفاق الوطني الليبية في مقابل توفير الأمن في المناطق الرئيسية في طرابلس، بما في ذلك مطار معيتيقة الدولي. في هذه العملية، قُتل أكثر من 120 ليبياً قبل أن تتمكن الأمم المتحدة من التوسط لوقف إطلاق النار في أوائل أيلول (سبتمبر).
ومنذ ذلك الحين، قام الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، غسان سلامة، باتخاذ سلسلة من الخطوات لدفع ليبيا إلى ما وراء الإستقرار الإصطناعي غير المستقر الذي تفرضه الميليشيات الذي مكّنها من العمل كما يحلو لها في المناطق التي تسيطر عليها والإفلات من العقاب. وقد تضمّنت خطواته تسمية بادي (ضمنياً كمرشح للعقوبات الدولية)، مُحذراً الساسة الليبيين من أن الأمم المتحدة والمجتمع الدولي قد سئما من هذا الوضع، وقام بتعويم بالون إختبار من خلال نائبته، ستيفاني وليامز، للخطة “ب” بدل خارطة الطريق المتوقفة التي كان وضعها. وإذا استمر مجلس النواب، ورئيسه عقيلة صالح، في رفض سنّ تشريع يسمح لخارطة الطريق التي وضعها سلامة لليبيا للمضي قدماً في إجراء إستفتاء على الدستور وإنتخابات، يُمكن للأمم المتحدة أن تدعم بديلاً يُنهي سلطة عقيلة بالكامل. وبموجب الخطة “ب”، ستدعو الأمم المتحدة إلى إجتماعٍ لليبيين على مستوى الوطن، لتشكيل “المؤتمر الوطني”. وستطلب هذه الهيئة من مجلس الأمن الدولي سحب الإعتراف بجميع المؤسسات السياسية في ليبيا وإصدار قرار يُلزم البلاد بتنظيم إنتخابات عامة في غضون ستة أشهر.
تبقى الخطة “ب” بديلاً حقيقياً من إستمرار الفوضى والركود قبيل إنعقاد القمة الليبية التي أعلن عنها رئيس الوزراء الإيطالي جيوسيبي كونتي في باليرمو في 12-13 تشرين الثاني (نوفمبر).
لكن ماذا عن الميليشيات؟ لماذا يجب أن يهتم زعماؤها بما تتفق عليه القوى الخارجية، طالما أنهم يسيطرون على استخدام القوة على المستوى المحلي؟ الإجابة الواضحة هي أنه في ليبيا، تعتمد الميليشيات، مثل أي فريق آخر، على عائدات النفط في البلاد لدفع الرواتب. لذا يظل قطع التمويل عن أولئك الذين لا يدعمون الحكومة أداة قوية وغير مُستخدَمة بعد.
كما تحصل الميليشيات على إيرادات من خلال خطوط الإعتماد، ومكافآت التهريب، ورسوم الإبتزاز، فضلاً عن استخدام الدينارات المزيفة التي تنتجها وتزودها روسيا إلى وكلائها في شرق ليبيا مثل الجنرال خليفة حفتر ورئيس مجلس النواب عقيلة، و “قروض” من البنوك المحلية. لكن هذه الأموال هي إضافية. منذ أواخر العام 2011، حصل كل مقاتل من الميليشيات مُدرَج على أنه خاض المعارك لهزيمة معمر القذافي على راتب، بغض النظر عمّن يقاتل من أجله. ونتيجة لذلك، كان البنك المركزي الليبي يدفع إلى جميع الأطراف عندما تتقاتل الميليشيات، من دون أي عواقب للسلوك السيئ.
ومع ذلك، هناك حزمة إقتصادية – عسكرية – سياسية لمعالجة كل هذه القضايا التي من شأنها أن تعمل على النحو التالي: سيرفع البنك المركزي سعر الصرف الرسمي البالغ 1.3 دينار للدولار إلى سعر السوق السوداء الحالي الذي يبلغ حوالي 5.5 دينارات للدولار. وسوف ينهي الدعم على السلع مثل الوقود الذي يشكل تهريبه جزءاً مهماً من إقتصاد ليبيا الإجرامي. وستقوم حكومة الوفاق الوطني التي يترأسها فايز سراج بإصدار تعليمات إلى البنك المركزي بتقديم راتب أساسي لكل فرد ليبي مع بطاقة هوية فريدة، وتكريس بعض الإيرادات من النفط بما يتجاوز تلك المبالغ اللازمة لتحقيق التوازن في الموازنة على أساس نصيب الفرد إلى بلديات ليبيا. إن تخفيض قيمة العملة من شأنه أن يقلل من قيمة رواتب الميليشيات الموجودة، وأن أولئك الذين ينضمون إلى قوة وطنية جديدة سيحصلون على أجور أعلى. كما سيتم دفع حوافز إنتقالية لأولئك الذين يختارون ترك الميليشيات والعمل في مجالات أخرى مفيدة.
ستقوم القوات الوطنية الجديدة أولاً بدمج أولئك الذين خدموا في الجيش الليبي في عهد القذافي، مع آخرين يوافقون على قبول السيطرة المدنية واحترام نتائج الإنتخابات، والبناء من هناك. معاً، هؤلاء القادة سيشكلون مجلساً عسكرياً، تحت سلطة الحكومة المدنية. وبالنسبة إلى قادة الميليشيات المحلية فإما أن يقبلوا الحكومة، أو يجدون أنفسهم يخسرون الرجال بسبب الإستنزاف المرتبط بالراتب.
إن مثل هذا الحل من شأنه أن يوفر فوائد للعديد من المصالح، ويربط بين الجنرال حفتر وزعماء عسكريين آخرين من الغرب، بمن فيهم فتحي باشاغا، الشخصية السياسية والعسكرية المصراتية المحترمة، الذي عينه أخيراً رئيس الوزراء سراج وزيراً للداخلية. كما أنه سيوفر مساراً للإيرادات المشتركة للمجتمعات المحلية والأفراد الليبيين على حد سواء، مما يمنح البلاد كلها حصة في الحلّ، مع توفير وسيلة لتجاوز الميليشيات التي يتعارض وجودها الطويل الأمد كقوى مستقلة مع أمن واستقرار ليبيا. .
إن الإجماع على ضرورة معالجة مشكلة الميليشيات الليبية يجب أن يؤدي إلى توافق في الآراء حول الحل. جنباً إلى جنب مع الخطة “ب”، فإن هذا الاقتراح، أو واحد مثله، من شأنه أن يوفر طريقاً للوصول إلى السلام والإستقرار في ليبيا.

• جوناثان وينر هو مبعوث خاص سابق للولايات المتحدة، وكان نائباً مساعداً لوزير الخارجية الأميركية لشؤون إنفاذ القانون الدولي. وقد كتب وحاضر على نطاق واسع حول سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ومكافحة الإرهاب، وغسل الأموال الدولي، والشبكات غير المشروعة، والفساد، والشؤون الأميركية – الروسية. وهو خبير باحث في معهد الشرق الأوسط في واشنطن.
• كُتِب هذا الموضوع بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى