ما زال الرئيس اللبناني يتمتّع ببعض النفوذ مع “حزب الله” ولكن…

مايكل يونغ*

في خطابٍ ألقاه بعد يومين من عيد الميلاد، اتخذ الرئيس اللبناني ميشال عون موقفًا جديدًا من “حزب الله” يتناقض بشدّة مع مواقفه الإسترضائية الدائمة للحزب. في حين أن الخطاب تلقّى آراءً مُتباينة، فقد خلق عون فرصةً يجب على منتقدي ومُعارضي “حزب الله” استغلالها لمحاولة إيجادِ حلٍّ لأسلحته.

دعا الرئيس في خطابه إلى حوارٍ وطني عاجل حول استراتيجية دفاعية وطنية للبنان إلى جانب أهدافٍ أخرى. الإتفاق على استراتيجية دفاعية له صدى خاص عند “حزب الله”، وهي مصطلحٌ آخر لإيجاد صيغة لدمج ترسانة أسلحة الحزب في الدولة. وقال عون: “الدفاع عن الوطن يتطلب تعاون الجيش والشعب والمقاومة والمسؤولية الأساسية هي للدولة التي تضع وحدها الاستراتيجية الدفاعية وتسهر على تنفيذها”.

وفي هجوم موجه إلى “حزب الله” وحليفته “حركة أمل”، تابع عون: ”  قبل الوصول الى هذه النقطة، يجب ان يتوقّف التعطيل المتعمّد والمُمَنهَج وغير المُبرَّر، الذي يؤدّي الى تفكيك المؤسّسات وانحلال الدولة”.

يقاطع “حزب الله” و”حركة أمل” جلسات مجلس الوزراء حتى يتم التوصل إلى قرارٍ للتحقيق في انفجار مرفإ بيروت. ويريد “حزب الله” إبعاد قاضي التحقيق طارق البيطار عن القضية لأنه يحاول استجوابِ وزراءٍ سابقين محسوبين على حلفاء الحزب.

ورفض خصوم عون تصريحاته ووصفوها بأنها قليلة جدًا ومتأخّرة جدًا. وأشاروا إلى أن هدف الرئيس من إبراز خلافاته مع “حزب الله” هو دفع الحزب لدعم الطموحات الرئاسية لصهره جبران باسيل. وألمح عون إلى أن تحالفه مع “حزب الله” مفتوحٌ لإعادة النظر، ما لم يفعل ذلك.

هناك حقيقة كبيرة في هذا الاستنتاج. لكن تجاهل تصريحات الرئيس وترك الأمور على هذا النحو سيكون خطأ. بعد العام 2005، عندما أُجبِرَ الجيش السوري على الانسحاب من لبنان، أُصيبَ أولئك الذين يسعون إلى التفاوض على نزع سلاح “حزب الله” بالإحباط لأن الحزب تحالف مع “التيار الوطني الحر” بقيادة عون وباسيل. وقد أدّى ذلك إلى حالةٍ من الجمود السياسي في لبنان حالت دون إحراز تقدّمٍ في دفع الحزب إلى تسليم أسلحته.

من السابق لأوانه اليوم الافتراض بأن تحالف عون و”حزب الله” قد انتهى. إذا كان هناك أي شيء، فإن عون يُوقِفُ بشكلٍ انتهازي إمكانية الطلاق لتجنّب مثل هذه النتيجة من خلال ضمان خلافة باسيل له.

ومع ذلك، وللمرة الأولى، وضع الرئيس صيغة استراتيجية دفاعية على الطاولة – أساسها أن “حزب الله” يجب أن يكون خاضعًا للدولة، وبالتالي يجب دمج أسلحته، ضمنيًا، في كيانٍ أكبر يحتفظ بمسؤولية قصوى للدفاع عن الوطن. والحزب، الحريص على الحفاظ على قدرة عسكرية مستقلة خارج حدود الدولة، لخدمة إيران بالدرجة الأولى، غير راغبٍ في الدخول في نقاشٍ وطني جاد حول هذا الموضوع.

ولكن، يتمتّع عون ببعض النفوذ، إذ أن “حزب الله” يعتبر تأييده لوضعه كقوة مقاومة يمنحه شرعية رسمية قيّمة. لو سحب عون ذلك، فسيكون الحزب معزولًا أمام غالبية اللبنانيين الذين يعتقدون أن المشكلة الرئيسة في بلادهم هي وجود مجموعة مسلحة تعمل كوكيل لقوة أجنبية، التي تفرض دائمًا الوضع الراهن المُنهِك لحماية مصالحها.

إذا كان على منتقدي ومعارضي “حزب الله” أن يفعلوا أي شيء، فهو أن يدعموا بشكلٍ جماعي دعوات عون للحوار حول استراتيجية دفاعية وطنية، والإصرار على البدء في أقرب وقت ممكن. وأوضح “حزب الله” بعد خطاب الرئيس أن الوقت لم يحن الآن لمناقشة هذا الأمر. وهذا بالضبط هو السبب الذي يجب على خصوم “حزب الله” أن يستغلّوه ويحاولوا الاستفادة من الحيّز الفاصل والتباعد الحاصل بين الرئيس والحزب والعمل على تحقيق الإنفصال بينهما إلى أبعد مدى.

إذا كان “حزب الله” سيلتزم برئاسة باسيل الآن، فمن المُحتمل أن يبتعد الرئيس عن دعوته للحوار حول استراتيجية دفاعية. ومع ذلك، فمن المستبعد للغاية أن يفعل الحزب ذلك. يفضل “حزب الله” ترك خياراته مفتوحة وقد يتعرّض لضغوطٍ من سوريا لدعم رئيسٍ أكثر تأييدًا لها.

في هذه الحالة، قد يفكر عون في شيء آخر. وهو يدرك أن غالبية أتباعه من المسيحيين لا تتعاطف مع دولة “حزب الله” داخل الدولة. وسط أزمة لبنان الاقتصادية الشديدة، تسبّب الحزب في نفور العديد من الدول العربية، وترك اللبنانيين معزولين ويواجهون الفقر، مع القليل من المساعدة الخارجية. كما أن احتمال نشوب حرب مع إسرائيل نيابة عن إيران لا يروق للمسيحيين أو لأي فئة أخرى. المسيحيون أيضًا حريصون بشكل خاص على رؤية القاضي البيطار يتابع تحقيقه.

إذا تمكّن عون من إحراز تقدّمٍ في ما يتعلق بالاستراتيجية الدفاعية، فإنه سيشعر بأنه قد يدعم حسن نيته المسيحية ويساعد حزبه في الانتخابات في أيار (مايو) – وربما حتى فُرَص باسيل. لن يتخلّى الحزب عن أسلحته، لكن إذا تمكّن خصومه، إلى جانب عون، من الحد من هامش مناورته إلى حدٍّ ما، فقد يكون هذا شيئًا يمكن البناء عليه في المستقبل. قد يشعر عون أن هذه معركة تستحق الشروع فيها، سواء نجحت أم لا، لأن حزبه وباسيل بحاجة ماسة إلى إحياء جاذبيتهما السياسية.

  • مايكل يونغ هو رئيس تحرير “ديوان”، مُدوّنة برنامج كارنيغي الشرق الأوسط، بيروت، وكاتب رأي في صحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية. يُمكن متابعته عبر تويتر على:  @BeirutCalling
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى