مَن سيَشتَري حقوقَ السحبِ الخاصة بلبنان من صندوق النقد الدولي؟

رئيف عمرو*

صَوَّتَ مجلس أمناء صندوق النقد الدولي على أن يمنحِ في 23 آب (أغسطس) دوله الأعضاء حقوق السحب الخاصة بقيمة تساوي حوالي ٦٥٠ مليار دولار، وهي تقريباً ضعف القيمة التراكمية التي منحها في الأزمات السابقة على أربعِ دفعاتٍ بين ١٩٧٢ و٢٠٠٩.

تأتي هذه الخطوة نتيجة للأزمات المالية والاقتصادية التي طالت كافة الدول جرّاء جائحة كوفيد-19، وهي غير مشروطة.

هذه الحقوق هي بمثابةِ عُملةٍ خاصة تُحفَظُ كاحتياطٍ لحسابِ الدول الأعضاء في صندوق النقد الدولي للجوء إليه في وقت الأزمات. وعند موافقة مجلس الأمناء على اقتراح إدارة صندوق النقد بسحبها لصالح هذه الدول، تُصبح قابلة للبيع في سوق التداول في ما بين الدول الأعضاء، ولها سعرٌ يُحدّده صندوق النقد بشكل يومي. فإذا لم تتمكّن الدولة من تحويلها إلى عُملةٍ قابلة للتداول، لا يُمكنها استخدامها لتغطية العجز في الميزان التجاري أو لأيِّ غرضٍ آخر، وتبقى احتياطات.

تأتي خطوة صندوق النقد كمُنقذٍ لدولٍ عديدة إذا استُعملت بالشكل الصحيح. لكن ماذا عن دولة مثل لبنان، الذي سيحصل على ما يُعادل ٨٦٠ مليون دولار، وحيث تم استخدام احتياطات المصرف المركزي سابقاً لدعم استيرادِ السلع من دون ان تقوم الدولة بأيِّ خطوةٍ اصلاحية او وضعِ خطّةٍ للخروجِ من الأزمة، إضافةً الى استخدام “حزب الله” الأراضي اللبنانية كمنصّة إقليمية للأنشطة غير القانونية واستباحة الحدود وتهريب البضائع المدعومة إلى النظام السوري الذي يخضع لعقوبات دولية، مُعتَبراً على لسان قيادييه أن التهريبَ هو ضروري لعمل “المقاومة”.

تختلف التقديرات حول حجم الخسائر التي تكبّدها الشعب اللبناني والمُودِعين في لبنان جرّاء فقدان قيمة ودائعهم واستخدامِ الاحتياطات بالعملات الأجنبية في مصرف لبنان في دعمِ السلع التي يتمُّ تهريبُ جزءٍ كبيرٍ منها عبر الحدود المُشَرَّعة وغير المضبوطة، من محروقات وأدوية ومواد غذائية.

فعندما يحصل لبنان على حقوق السحب الخاصة من صندوق النقد، وإذا استطاع تحويلها الى دولارات من خلال بيعها لإحدى الدول الأعضاء بالصندوق، على الأرجح سيكون مصيرها كاحتياطات المصرف المركزي سابقاً، ويتسرّب جزءٌ كبيرٌ منها لتمويل البضائع المُهَرَّبة إلى النظام السوري التي يستفيد منها بالدرجة الأولى “حزب الله”.

ثمّة مُطالبات لاستخدام هذه الأموال لدعم المواطنين بدل السلع من خلال توزيعها مباشرة على العائلات الأكثر حاجة، وهذه فكرة جيدة إذا نُفِّذت تحت رقابةٍ مُستَقلّة ومعايير شفّافة. لكن آلية تحديد هذه العائلات من قبل السلطات المختصة ليست واضحة ولا قدرة لها على مراقبتها بشكل كامل، ما سيجعل من هذا التوزيع توزيعاً غير عادلٍ مع احتمالٍ كبيرٍ لتوجيه هذه الأموال لبيئة “حزب الله” ولأغراضٍ انتخابية، وهذا هو السبب الذي جعل فريق رئيس الجمهورية، ميشال عون، يُطالب بوزارة الشؤون الاجتماعية من ضمن حصّته في الحكومة الجديدة، بحسب مُطّلعين على الملف.

في كافة الأحوال، مبلغٌ كهذا سيُساهم في تعويم السلطة المدعومة من “حزب الله”، إضافةً الى الحزب مباشرة، وسيكون صندوق النقد قد تسبّب بإطالة الأزمة وهدرِ وسيلةٍ كان يُمكن استخدامها كجزءٍ من الحلّ المُتكامل للأزمة اللبنانية. لكن إجراءات صندوق النقد تمنعه من وضع شروط على استعمال هذه السحوبات لانها حقٌّ ومُلكٌ للدول الأعضاء وليست هبة منه لهم أو قرضاً. لكن صندوق النقد أعلن عن تجميد حقوق السحب لأفغانستان التي تساوي نحو ٤٥٠ مليون دولار بضغطٍ من الخزانة الأميركية كما فعل مع فنزويلا في العام ٢٠١٩ بعد رفض اكثر من ٥٠ بلداً أعضاء الاعتراف بحكومة الرئيس مادورو. فهل حكومة لبنان المُسَيطر عليها من “حزب الله” مقبولة لهذه الدول؟ وهل تؤدّي الباخرة الإيرانية التي تحمل الوقود إلى لبنان متجاوزةً العقوبات الأميركية على الجمهورية الإسلامية إلى تدخّل الخزانة الأميركية لوقف منح لبنان سحوباته الخاصة؟

أما الدولة التي تُقرّر شراء هذه الحقوق من الدولة اللبنانية، ستفعل ذلك طوعاً، مما سيُرتّب عليها مسؤولية تعويم النظام الحاكم القائم على أنشطة “حزب الله” وتأثيراته عن سابق تصوّرٍ وتصميم. فأيُّ دولة سترتكب هذا الخطأ المُتعَمَّد، ولماذا؟ وهل ستكون دولة عربية (خليجية) كما أُشيع في بعض الأوساط اللبنانية؟

  • صحافي لبناني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى