لماذا لدى نتنياهو والسنوار مَصلحةٌ مُماثِلة في إطالةِ أَمَدِ الحَرب؟
مايكل يونغ*
إحدى المُفارقات الكُبرى في الحرب المُستَمرّة في غزة هي أنَّ رئيسَ الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وعدوَّهُ اللدود، زعيم “حماس” في القطاع، يحيى السنوار، لديهما مصلحةٌ باستمرارِ القتال، لأنَّهما يخشيان الحسابَ السياسي الذي سيأتي بمُجَرّدِ انتهاءِ العُنف.
بالنسبة إلى نتنياهو، التحدّياتُ واضحة. لم تكُن حكومته، والجيش وأجهزة المخابرات الخاضعة لسلطتها، مُستَعدّةً بشكلٍ جيد لعمليةِ “حماس” في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، على الرُغم من الإشارات التحذيرية، وإصرارِ المسؤولين العسكريين على أنَّ الخلافَ الوطني حولَ تعديلٍ دستوري مُثيرٍ للجدل سعى إليه رئيس الوزراء جَعَلَ إسرائيل غير آمنة.
منذُ ذلك الحين، كانت أولوِيّةُ نتنياهو هي ضمانَ بقائه السياسي. ولهذا السبب أذعَنَ لمطالب الوزراء المُتطرِّفين في حكومته، في حين قاوَمَ أيَّ اتفاقٍ طويلِ الأمد لوَقفِ إطلاقِ النار قد يَنتَقِصُ من تأمين ما يعتبرهُ نصرًا كاملًا في غزة. قد يكون مثل هذا النصر هو الشيء الوحيد الذي يُنقِذهُ.
ولكن ماذا عن السنوار؟ مع مرورِ الوقت، أصبحَ من المعقولِ على نحوٍ مُتزايدٍ الافتراض بأنَّ ما حدثَ في 7 تشرين الأول (أكتوبر) قد يكونُ لعبةَ قوّة من قبل قائد قطاع غزة، بالتعاون مع محمد ضيف، قائد كتائب عز الدين القسّام، الجناح العسكري ل”حماس”، لفَرضِ نفسه كقائدٍ عام للمنظمة.
ولعلَّ ما حفَّزَ هذا الأمر هو صياغة إيران و”حزب الله” لما يُسمّى استراتيجية “وحدة الساحات”، والتي سعت إلى تنسيقِ رُدودِ أفعالِ حلفاءِ إيران في جميع أنحاء الشرق الأوسط على التصرّفات الإسرائيلية والأميركية. ربما تكونُ مثل هذه الإستراتيجية، من خلالِ تحويلِ غزة إلى الجُزء المركزي الفلسطيني لرؤيةِ إيران الإقليمية، قد شجّعت السنوار على الدَفعِ بنفسه إلى الأمام كزعيمٍ طبيعي لـ”حماس”.
.يُشيرُ العديدُ من العلاماتِ المُنذِرة إلى أنَّ هذا التفسيرَ قد يكونُ صحيحًا. في حين أنَّ إيران و”حزب الله” ساعدا “حماس” بالتأكيد على التدريب استعدادًا لعملية 7 تشرين الأول (أكتوبر)، فمن غيرِ الواضحِ ما إذا كانا على علمٍ بتوقيتِ العملية أو وافقا عليها. ذكرت قصة نشرتها رويترز في تشرين الثاني (نوفمبر)، نقلًا عن ثلاثةِ مسؤولين إيرانيين، أن المُرشدَ الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي قال لزعيم “حماس” إسماعيل هنية في أوائل تشرين الثاني (نوفمبر): “أنتم لم تعطونا أيَّ تحذيرٍ بشأنِ هجوم 7 تشرين الأول (أكتوبر) على إسرائيل، ونحن لن نَدخُلَ الحربَ ضدّ إسرائيل نيابةً عنكم”.
لكن حتى ديناميكيات المفاوضات، وسط تقارير تُفيدُ بأنَّ السنوار يَتَّخذُ قراراتٍ بدون استشارةِ قيادة “حماس” في المنفى، تُشيرُ إلى أنه يتبعُ أجندةً مستقلّة. علاوةً على ذلك، تجنَّبَ “حزب الله” بعنايةٍ أيَّ تصعيدٍ كبير مع إسرائيل، والذي من المُفتَرَضِ أنه لم يكن ليحدث لو كانَ هجومُ 7 تشرين الأول (أكتوبر) بدايةَ هجومٍ مُنَسَّقٍ من قِبَلِ الجهات الفاعلة غير الحكومية المُوالية لإيران.
ومن غيرِ المُحتملِ أيضًا أن يكونَ السنوار قد تَوَقَّعَ النجاحَ العملياتي لهجوم 7 تشرين الأول (أكتوبر)، حيثُ أنَّ الفوضى في الجيش الإسرائيلي كانت غير مُتَوَقَّعة على الإطلاق. ولعلَّ زعيمَ “حماس” في غزة تصوَّرَ أن تكون هناك مواجهة، والتي تنتصر فيها إسرائيل في نهايةِ المطاف، ولكنها ستُكسِبهُ نصرًا أخلاقيًا ومعنويًا ومَزيدًا من النفوذِ لتحديدِ أهداف “حماس”، وفي نهاية المطاف المزيد من الحرية للتأثير في الاتجاهاتِ والتوجّهاتِ الفلسطينية بشكلٍ عام.
إذا كانَ الأمرُ كذلك، فإنَّ دَفعَ السنوار للمطالب القصوى في مفاوضاته مع الإسرائيليين -وهي مطالب يعرف جيدًا أنَّ نتنياهو لن يقبلها- يُشيرُ إلى أنه إمّا يُريدُ أن ينتهي الصراع في غزّة بشروطه، أو أنه على استعدادٍ للسماح باستمرار القتال، على أملِ أن يتمكّنَ من إنقاذِ شيءٍ ما من “نهاية العالم” التي أثارَها.
إن نتيجةَ الصراعِ حول تفسيرِ الحرب ستُحدِّدُ متى تنتهي. وعلى الأرجح لن يتوقّفَ نتنياهو حتى يتمكّن من الإشارة إلى مكاسب ملموسة ــ موت السنوار أو أسره، أو تجريد غزة من السلاح، أو ظهور إشارة واضحة إلى هزيمة “حماس” العسكرية. إنَّ أولويات السنوار و”حماس” هي الصمود والبقاء نشطَين عسكريًا، حتى يتمكّنا من البقاءِ قَوِيَين في اليوم التالي في غزة.
ولهذا السبب من المرجح أن نشهدَ المزيد من الأسابيع، إن لم يكن الأشهر، من القتال. إنَّ أهدافَ الجانبين غير مُتوافِقة إلى حَدٍّ كبير، ويبدو أنَّ النهايةَ الأنيقة التي يرغبُ نتنياهو في فرضِها تبدو أكثر تعقيدًا بكثير مما يرغب في قبوله علنًا. ويأتي هذا الافتراض من الواقع في شمال غزة، وهي مناطق واسعة سيطرت عليها إسرائيل لأشهرٍ عدة، لكنها لم تتمكّن من سحق “حماس”.
سيكونُ لهذا الوضعِ تأثيره أيضًا على ما يحدث في لبنان. قد يفترضُ البعضُ أنَّ تحقيقَ نصرٍ لا لبسَ فيه في غزة سيُشَجِّعُ نتنياهو على محاولةِ تكرارِ ذلك في لبنان. ربما، ولكن الأرجح أنه لن يرغب في تهديدِ نجاحه بالشروع في حربٍ لبنانية كبرى ليست نتيجتها مؤكّدة على الإطلاق. وبدلًا من ذلك، قد يُفضّلُ إعادةَ انتشارِ قواته في الشمال لتعزيز جهود الوساطة الأميركية، حتى لو كان من شبه المؤكد حدوثُ تصعيدٍ في لبنان.
يشتركُ نتنياهو والسنوار في حقيقةٍ أنَّهما مُنخرطان في ما يُسمّيهِ الفرنسيون رحلةً إلى الأمام – فهما يهربان مما يخشانه أكثر من غيره، البقاء في الهجوم. وقد يستمرُّ هذا لبعض الوقت، ما لم تضع دولةٌ واحدة، الولايات المتحدة، حدًّا له. لكن إدارة جو بايدن أبدت رغبةً قليلة في الدخول في مواجهةٍ مع إسرائيل، ولا يبدو أنَّ هذا على وشكِ التغيير.
- مايكل يونغ هو رئيس تحرير “ديوان”، مُدوّنة برنامج كارنيغي الشرق الأوسط، بيروت، وكاتب رأي في صحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @BeirutCalling
- كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وترجمه إلى العربية قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.