التعدّدية في الإمارات العربية المتحدة تعود إلى زمن بعيد

بقلم نورة الكعبي*

بمناسبة اليوم الدولي للأخوّة الإنسانية، نستذكر بشغف اللحظة التاريخية التي مرّت قبل عامين عندما تمّت أول زيارة بابوية على الإطلاق لشبه الجزيرة العربية. كما تضمّنت الرحلة التوقيع على وثيقة الأخوّة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك. وبعد حفل التوقيع أعلن البابا فرنسيس والشيخ أحمد الطيّب، إمام جامع الأزهر في مصر، ” تَبنِّي ثقافةِ الحوارِ دَرْباً، والتعاوُنِ المُشتركِ سبيلاً، والتعارُفِ المُتَبادَلِ نَهْجاً وطَرِيقاً”.

وحثّت الوثيقة زعماء العالم على “نَشْرِ ثقافةِ التَّسامُحِ والتعايُشِ والسَّلامِ، والتدخُّلِ فَوْراً لإيقافِ سَيْلِ الدِّماءِ البَرِيئةِ، ووَقْفِ ما يَشهَدُه العالَمُ حاليّاً من حُرُوبٍ وصِراعاتٍ وتَراجُعٍ مناخِيٍّ وانحِدارٍ ثقافيٍّ وأخلاقيٍّ”. كان لهذا الحدث الذي جرى في الإمارات العربية المتحدة أهمية خاصة، نظراً إلى حقيقة أنها واحدة من الدول القليلة على مستوى العالم التي تتعايش فيها حوالي 200 جنسية وجميع الأديان والثقافات واللغات تقريباً في وئام منذ عقود.

إن تاريخ دولة الإمارات في التسامح والتعايش الثقافي يُمكن مقارنته من نواحٍ كثيرة بفترة “التعايش” أو “لا كونفيفنسيا” (La Convivencia) في التاريخ الإسباني. لقد اقترح عالم اللغة الإسباني أميريكو كاسترو لأول مرة “كونفيفنسيا” لكي يُشير إلى فترة من التاريخ الإسباني، من الفتح الأموي المُسلم لإسبانيا في أوائل القرن الثامن حتى طرد اليهود في العام 1492. هذه الفترة في ظلِّ حكّامٍ عرب مُسلمين مُستنيرين، كانت واحدة تتعايش فيها أديانٌ مُتعدّدة بتناغم وسلام، والتي نادراً ما كانت موجودة في أيِّ مكانٍ آخر في أوروبا في ذلك الوقت.

وتستحق الزيارة التي قام بها الأب المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في العام 1951 إلى الفاتيكان – من بين العديد من المراكز الدينية الأخرى في أوروبا – أن نتذكّرها في سياقنا الحالي. إنها توضّح أن احترامنا وقبولنا للآخرين لهما جذور تاريخية عميقة. كما انعكس التزامنا المُبكر بالحرية الدينية عندما تبرّع الشيخ شخبوط بن سلطان آل نهيان، حاكم أبوظبي آنذاك، بـ11 فداناً من الأرض لبناء أول كنيسة في الإمارة. وحضر حفل الإفتتاح التاريخي الشيخ شخبوط وأخوه الشيخ زايد عند تكريسها في العام 1965. ويوجد في الإمارات حالياً أكثر من 50 مكاناً للعبادة تنتمي إلى أديان مختلفة غير الإسلام. إن تعدّديتنا تُعتَبر مُميّزة بمعنى أن الهويات المتنوّعة تعيش معاً هنا من دون أي ضغوط من أجل الاستيعاب أو محو الذات.

وقد أشار الشيخ محمد بن راشد، رئيس مجلس الوزراء وحاكم دبي، ذات مرة إلى أنه “عندما كان العالم العربي مُتسامحاً ويقبل الآخرين، كان يقود العالم”. وأوضح أن “العرب، من حضارات دمشق إلى الأندلس، قدموا مناراتٍ للعلم والمعرفة والحضارة، لأن القِيَم الإنسانية كانت أساس علاقاتنا مع جميع الحضارات والثقافات والأديان”. إن تفضيل القِيَم الإنسانية، على الرؤى الضيّقة للذات، هو الذي حدّد ثقافة هذه الأرض قبل تشكيل الإتحاد في العام 1971 وبعده.

إنه الإرث نفسه الذي ألهمنا للدخول في شراكة مع منظمة “اليونيسكو” في شباط (فبراير) 2018 من أجل المبادرة الرئيسة المعروفة ب”إحياء روح الموصل”، التي تهدف إلى إعادة بناء المدينة العراقية من حطام التخريب الإرهابي. سيعمل المشروع على استعادة النسيج الحضري والاجتماعي والثقافي للمدينة القديمة، ويسعى إلى تعزيز المصالحة والتماسك الإجتماعي. ويتضمّن إعادة إعمار المعالم التاريخية في المدينة القديمة، بما فيها مسجد النوري، مع مئذنة الحدباء وكنيستَي “الساعة” و”الطاهرة”.

الرسالة التي نُريد نقلها من خلال شراكتنا في المشروع هي أننا نُقاوم المُتعصّبين الذين يُدمّرون رموز تراثنا المُتناغم وقِيَمنا الثقافية. كما أنها جزء من التزامنا بمحاربة قوى التطرف في جميع أنحاء العالم. ومثلما لا ندّخر جهداً في الحفاظ على دولة الإمارات العربية المتحدة ملاذاً آمناً تعدّدياً، فإننا نُساهم أيضاً في المبادرات العالمية ضد التطرّف والإرهاب. إن رؤيتنا للتسامح والقبول هي أيضاً جانبٌ أساس من عملياتنا الإنسانية حول العالم. نحن نُقدّم المساعدة والدعم للأشخاص الذين يُعانون في أي مكان، بغض النظر عن عقيدتهم أو لونهم أو عرقهم.

بينما نحتفل باليوم الدولي للأخوّة البشرية، علينا أن نتذكّر أننا في منتصف جائحة عالمية جعلت البشرية رهينة لما يقرب من عام كامل. إذا كان هناك درسٌ واحد نتعلّمه من تجربتنا مع الفيروس، فهو هذا: لا يُمكن ضمان سلامتنا وأمننا كبشر إلّا إذا وضعنا جانباً التعنّت الضيّق المهووس بالهوية واحتضان كل البشرية بتواضعٍ وحبّ. وكأُمّة، فإننا نظل مُلتزمين بتعزيز التسامح والتعدّدية، سواء من حيث المبادئ الأخلاقية أو الاعتبارات العملية.

  • نورة الكعبي هي وزيرة الثقافة والشباب في دولة الإمارات العربية المتحدة، ورئيسة جامعة زايد. يمكن متابعتها عبر تويتر على: @NouraAlKaabi

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى