الطريق الإسرائيلي المسدود

بار ستينباك*

و… اندلعت مرةً أخرى. أعمالُ شغب في القدس. إطلاقُ صواريخ عشوائي وقصف دقيق، وكلاهما أسفر عن سقوط ضحايا من المدنيين. الأطراف المتحاربة مُتوَرِّطة في دوامة انتقامٍ تهدف إلى إرهاقِ الخصم. يتكرر هذا النمط سنة بعد سنة. العالم الخارجي يُطالب بوقف إطلاق النار. ويتدخّل الوسطاء. كان هذا هو الحال طوال حياتي البالغة. لا سلامَ دائماً لإسرائيل، ولا حلّ للفلسطينيين عديمي الجنسية. لا شكّ أن وقف إطلاق النار أمر ٌجيدٌ، لكن إلى متى؟

عندما أعطى الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، كل ما يحلم فيه ويرغب (باستثناء الضم النهائي للضفة الغربية)، أراد كلاهما بالتأكيد كسر إرادة الفلسطينيين في القتال. لكن عدداً قليلاً فقط من المصادرة الجديدة للمنازل في القدس الشرقية كان كافياً لبدء انتفاضة ثالثة مُحتَمَلة. هذه المرة، نزل المواطنون العرب في إسرائيل إلى الشوارع للإحتجاج أيضاً.

الرأي السائد في إسرائيل هو أن الدولة لا تحتاج إلى اتفاقٍ مع الفلسطينيين. حركة “حماس” في غزة منظمة إرهابية وحركة “فتح” في الضفة الغربية ليست شريكاً موثوقاً به. إذا لم يعجبهم الوضع، فسنخلع القفازات ونقمعهم، هذا هو الموقف الإسرائيلي العام. قال وزير الدفاع بيني غانتس: “يجب أن نُلقّن “حماس” درساً لن تنساه”. المشكلة هي أن هذا بالضبط ما لم ولا يحدث. بعد عام أو نحو ذلك، تُنسى الخسائر وتتكرر الدوامة الوحشية.

اليوم، إسرائيل أقوى عسكرياً وسياسياً واقتصادياً من أي وقت مضى. يمكنك القضاء على كل مظاهرة والانتقام من كل هجوم صاروخي. لكن مع ذلك فأنت خاسرٌ لأنك لا تستطيع أن تضمن لمواطنيك الأمن الذي ينبغي أن يتمتعوا به. طالما أن مليوني فلسطيني مُحاصَرون في غزة، وطالما يتم طرد السكان القدامى في القدس الشرقية من مساكنهم تدريجاً، وطالما لم يتم منح الثلاثة ملايين فلسطيني في الضفة الغربية حلاً صادقاً، فإن الإسرائيليين سيعيشون مع عدم الأمان وعدم اليقين. إذا انقلب المواطنون العرب في إسرائيل المُتضامنون الآن ضد المواطنين اليهود، فإن انعدام الأمن سيزداد أكثر.

لقد قبلت دولٌ عربية عدة الأمر الواقع وغسلت أيديها من القضية الفلسطينية. سوريا في حالة خراب، وروسيا والصين صامتتان، والاتحاد الأوروبي مُنقسم. الرئيس جو بايدن لا يريد استفزاز نتنياهو في الوقت الذي يقوم بتجديد الاتفاق مع إيران. الكونغرس الأميركي مؤيد في غالبيته لإسرائيل، على الرغم من أن الديموقراطيين التقدميين يتحدّون بايدن الآن.

بناءً على القوة التي يعتمد عليها موقفها، تستطيع إسرائيل تحمّل معالجة مشكلتها الأساسية الوجودية: كيف تؤمّن وتضمن مستقبل الدولة اليهودية للسنوات الخمسين المقبلة وما بعدها؟ هل سيحدث ذلك مع تكرار المناوشات وسفك الدماء؟ يجب أن يكون شعبٌ مُبدع مثل الشعب الإسرائيلي قادراً على إيجاد حلول أكثر استدامة. الآن يلقي السياسيون باللوم على الطرف الآخر، ويضعون شروطاً مُسبَقة ويؤجّلون الحل لإتاحة الوقت لضم المزيد من الأراضي. في المدى الطويل، لا يمكن لإسرائيل أن تطرد وتُهجّر خمسة ملايين إنسان تشترك معهم في الأراضي.

حتى لو ملَّ العالم الخارجي وتعب من القضية الفلسطينية، فلا يمكن لإسرائيل أن تتجاهلها. إن البلاد تتعرّض لخطر أن تصبح سجينة في سياساتها الداخلية المستقطبة وفي غياب بدائل بناءة للمستقبل. ومن هذا المنظور، فإن دور الضحية التاريخي، وعدم عقلانية الطرف الآخر، وحق الدفاع عن النفس ليست دوافع مستدامة لعدم الاهتمام بالاحتياجات الأمنية للأجيال المقبلة.

  • بار ستينباك هو وزير خارجية فنلندا (1982-1983)، شغل أيضاً منصب الأمين العام للاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر في جنيف من العام 1988 إلى العام 1992.
  • يصدر هذا المقال بالعربية في “أسواق العرب” توازياً مع صدوره بالإنكليزية في صحيفة “هلسنكي تايمز” الفنلندية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى