حَميرٌ أم مُستَحمِرون؟

عرفان نظام الدين*

لي صديقٌ ظريف يظل صامتاً حتى يلقي بقنبلة صوتية عبر سؤال واحد مُفاجئ وغريب لا تجد له مُبرّراً في البداية، ثم تكتشف أنه يختصر بكلمة واحدة اوضاعنا العربية المُفجِعة، ومسيرتنا الخائبة عبر التاريخ، والأخطاء والخطايا التي يرتكبها العرب ويُكرّرونها ولا يتعلّمون من عِبَرِها ودروسها رُغم اعترافهم بتاثيراتها المُدَمِّرة.

بالأمس سألني بكلّ برودة وسط حالة هدوء مؤقت ومن دون سابق إنذار: تُرى هل نحن حمير؟ ضحكتُ في البداية، ثم سألته عن سبب هذا السؤال المُضحك. وأجاب باختصار شديد المعنى في قلب السؤال فابحث عن معانيه. قلتُ للصديق: لا نحن لا ننتمي إلى فصيلة الحمير، فالله عزّ وجلّ خلقنا في أحسن حال، ومنحنا عقلاً لنُفكّر به ونتعلم ونُجابه مصاعب الحياة، ومنحنا عيوناً لنُبصر ونتبصّر ونقرأ ونفهم، ومنحنا آذاناً لنسمع ونُتابع ونتّعظ.

أجابني الصديق ساخراً: ما الفائدة من كلّ هذا إن كنّا لا نستخدم كل هذه النعم التي وهبنا الله عزّ وجلّ؟ فعقولنا ما زالت نظيفة وغير مُستعملة، وعيوننا لا نقرأ فيها وإن قرأنا لا نفهم، وإن فهمنا لا نتّعظ، وآذاننا صمّاء عن سماع الأحداث ودروس التاريخ.

فكّرتُ مليّاً وبحثتُ عن الحقيقة في الظلم بتشبيه الإنسان بالحمار وليس العكس، فالحمار رُغم كل ما يُعانيه من معاملة سيّئة يسير على خطٍ مُستقيم، وإذا أخذناه إلى مكانٍ ما يتعلّم ويذهب إليه ويعود لوحده، وإذا وقع في حفرة مرّةً يتجنّب سلوكها في مرّات تالية، وهو يُميِّز بين الصديق والعدو ومَن يريد له الخير ومَن يُسيء معاملته ويكنّ له الشر.

والحمارُ مشهورٌ بصبره على الضَيم، ولكنه يُردّد مع أم كلثوم إنّما للصبر حدود إذا جاوز الظالم المدى، فيتحيّن الفرصة ليوجه “لبطة” مُحكَمة له.

وللحمار صفاتٌ أخرى غير مُتوَفّرة للعرب الذين يقعون في حفرة مرّة ثم يعودون إلوقوع فيها مرات ومرات، ويتجهون في الطرقات رُغم أنهم سلكوها عشرات المرات وهم يسكتون على الضَيم رُغم كل ما لحق ويلحق بهم منذ قرن من الزمن، ويتنازلون عن حقوقهم وأراضيهم لإسرائيل ولكلّ طامع.

نعم إن العرب ليسوا حميراً بل “مُستَحمِرين”، أي أنّ الآخرين استحمروهم ورَكِبوا على أكتافهم، ونهبوا ثرواتهم، وإلّا كيف نُفسّر التنازلات وتكرار الأخطاء والخطايا، وقبول الصفقات المشبوهة، مثل صفقة القرن وغيرها، وجرّ الشعوب إلى مشاكل وحروب وأزمات لا أوّل لها ولا آخر، وقبول الحماية الأجنبية، واختراع أعداء وهميين للاستمرار في استحمارِهم رُغم التجارب المريرة من سايكس بيكو حتى جاريد كوشنر وزبانيته .

إنها الحقيقة المؤسفة التي تُثير ضحكاً كالبكاء.

  • عرفان نظام الدين هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي عربي. كان رئيساً لتحرير صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى