نظامُ الإغاثة الإنساني الأُمَمي على مُفتَرَق طُرُق

بقلم كابي طبراني*

يُعتَبَرُ فيروس “كوفيد-19” خطراً عالمياً، لكن تداعياته كانت أشدّ على الفئات الأكثر ضُعفاً. في أفقر دول العالم، يُهدد الركود الناجم عن الوباء بعَكسِ عقودٍ من التنمية ووضعِ مئات الملايين من البشر في ظروفٍ بائسة. في الأسبوع الفائت، أصدَرت الأمم المتحدة “اللمحة العامة عن العمل الإنساني العالمي لسنة 2020” حيث حدّدت فيها الدمار الإضافي المُنتَظَر إذا فشل النظام مُتعدِّد الأطراف في سدِّ الفجوة المُتَّسعة بين الإحتياجات الإنسانية العاجلة والأموال المُتاحة لمواجهتها. بعبارةٍ أخرى، أصبحت قائمة التحدّيات العالمية التي ستُواجهها إدارة جو بايدن المُقبلة أطول.

بالنسبة إلى أفقر دول العالم، فإن التهديد الرئيس ليس فقط فيروس كورونا نفسه، ولكن الآثار المُعاقِبة لعمليات الإغلاق والتدابير الوقائية الأخرى المُتَّخذة لمكافحته. في جميع أنحاء العالم، أدى الركود الحاد إلى ارتفاع معدلات البطالة، وانخفضت التحويلات بنسبة 14 في المئة، ما أدى إلى انخفاض دخل الأُسَر. كما ارتفعت أسعار المواد الغذائية، ما أثار شبح المزيد من المجاعات التي كان يُعتقد، حتى سنوات قليلة مضت، أنها أصبحت جزءاً من التاريخ. تمّ إغلاق المدارس، وقد لا يعود العديد من الطلاب إليها أبداً. والأطفال بدورهم لم يَعُد يتمّ تحصينهم وتلقيحهم، الأمر الذي يتركهم تحت رحمة تفشّي الأمراض. وتواجه النساء والفتيات نكسات وانعكاسات في الإتجاهات نحو المساواة، بل والأكثر إثارةً للقلق، الوقوع ضحيةً للعنف الأُسَري والإجتماعي.

إرتفعَ معدل الفقر المُدقع لأول مرة منذ 22 عاماً، وقد يقع 150 مليون شخص آخرين ضمن هذه الفئة في العام المُقبل. إن متوسّط ​​العمر المُتَوَقَّع آخذٌ في الإنخفاض. حوالي 270 مليون شخص مُعرَّضون لخطر المجاعة، ومئات الملايين فقدوا وظائفهم، وانخفض دخل العمل العالمي بنسبة 10٪.  حصيلة الوفيات الناجمة عن الإيدز والسل والملاريا في طريقها إلى الإرتفاع إلى الضعف، والصحة العقلية في خطر في كل مكان. إن هذه الإتجاهات تُهدّد التقدّم في جميع تدابير التنمية المُستدامة تقريباً. كما أنها تؤدي إلى تفاقم حالة الطوارئ الإنسانية في جميع أنحاء العالم.

حتى قبل انتشار الوباء، كان النظام الإغاثي الإنساني على حافة الإنهيار، حيث سعت وكالات الأمم المتحدة وشركاؤها إلى تلبية احتياجات أعدادٍ غير مسبوقة من اللاجئين والمُشرَّدين داخلياً، الفارين من العنف والإضطهاد وعدم الإستقرار والتدهور البيئي. لقد جعل الوياء الجديد الأمور أسوأ بكثير. أعلن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في الأسبوع الفائت أن “الصراعات وتغيّر المناخ وجائحة “كوفيد-19″ قد خلقت أكبر تحدٍّ إنساني منذ الحرب العالمية الثانية”.

قامت الوكالات الإنسانية وعمّال الإغاثة بأشياء تشبه المُعجزة في العام 2020. للتغلّب على العقبات اللوجستية الهائلة لتفشّي وباءٍ شامل وفي ظل أعمق ركود منذ ثلاثينات القرن الفائت، قدّمت الأمم المتحدة وشركاؤها مساعدات طارئة إلى ما يقرب من 98 مليون شخص. وقد ساعدت الدول الغنية في العالم على ضمان هذا الإنجاز من خلال مساهمتها بمبلغ 17 مليار دولار في خطة الأمم المتحدة للإستجابة الإنسانية العالمية ل”كوفيد-19″.

لسوء الحظ، هذا ليس كافياً. قبل انتشار الوباء بفترة طويلة، حذّرت وكالات الأمم المتحدة من اتساع الهوة بين مطالب الإغاثة الإنسانية حول العالم والموارد المُتاحة لمعالجتها وتلبيتها. لقد زاد فيروس كورونا المُستَجِدّ من حدّة تلك المعضلة، حيث قدّرت “اللمحة العامة عن العمل الإنساني العالمي” الأممية الفجوة بين الأموال المطلوبة والمُتاحة بنحو 22 مليار دولار. وقال مارك لوكوك، الذي يرأس مكتب مُنَسّق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، في إيجاز في الأسبوع الفائت: “يجب أن نواجه الحقائق كما هي. إن التوقّعات قاتمة”. سيحتاج حوالي 235 مليون فرد إلى المساعدة الإنسانية في العام المقبل – واحدٌ من كل 33 شخصاً في جميع أنحاء العالم. وهذه قفزة كبيرة من العام 2019، عندما كانت النسبة المُماثلة 1 من كل 45 شخصاً، وهي فعلياً حالياً في أعلى مستوياتها التاريخية.

تطلب الأمم المتحدة من المانحين الدوليين الإلتزام بمبلغ 35 مليار دولار في شكل أموالٍ للإستجابة لحالات الطوارئ لعام 2021، لمساعدة حوالي 160 مليوناً من الأشخاص الأكثر ضعفاً في 56 دولة ذات أولوية. الغالبية العظمى من هذه الدول هي دولٌ هشّة ومتأثّرة بالصراعات، وتتصدّر كلٌّ من أفغانستان واليمن وإثيوبيا وجمهورية الكونغو الديموقراطية والسودان و…سوريا ولبنان القائمة من حيث الإحتياجات.

وحذّر “لوكوك” من أن وضع البشرية على المحك. وقال أن أمام العالم خيارٌ يتّخذه: “يُمكننا أن نَدَع العام 2021 أن يكون عام الإنعكاس الكبير – خسارة 40 عاماً من التقدّم – أو يُمكننا العمل معاً للتأكد من أننا سننجح جميعاً في إيجاد طريقة للخروج من هذا الوباء”.

إن الولايات المتحدة في وضع جيّد لحشد الجهود العالمية كجزءٍ من خطة شاملة للتعافي من فيروس كورونا. والرئيس المُنتَخَب جو بايدن كان أشاد بالعودة إلى التعدّدية كموضوعٍ أساس لإدارته، كما أن الأجندة الإنسانية هي أيضاً قضية سياسية نادرة تتطلّب دعماً قوياً من الحزبين الديموقراطي والجمهوري. في الواقع، رُغم أن إدارة دونالد ترامب قد قلّلت اهتمامها بالعمل الإنساني الأممي، فقد قدمت حوالي 10.5 مليارات دولار من مساعدات الإغاثة العالمية خلال السنة المالية الماضية، بل وأنشأت مكتباً مُوَحَّداً للمساعدة الإنسانية في الوكالة الأميركية للتنمية الدولية.

لا تستطيع الولايات المتحدة القيام بذلك بمفردها. وهي بحاجة إلى حشدِ جهودٍ مُتضافرة لا تشمل فقط مانحي الأمم المتحدة التقليديين مثل الإتحاد الأوروبي واليابان، ولكن أيضاً الجهات المانحة الناشئة مثل الصين ودول الخليج العربي، والتي غالباً ما تُفضّل العمل بمفردها.

لا يزال نظام الإغاثة الإنساني العالمي قوياً. وكالات الإغاثة، بما فيها وكالة الأمم المتحدة للاجئين، وبرنامج الغذاء العالمي، واليونيسيف، هي من بين أكثر المُكوّنات فعالية في نظام الأمم المتحدة، التي تعمل معها المئات من شركائها غير الحكوميين ومُوَفِّري الخدمات التي تَضمُّ أفراداً مُتفانين يعرفون ما يفعلونه. لقد تعلّموا أيضاً وضع نظرائهم الوطنيين والمنظمات غير الحكومية المحلية في طليعة تقديم الخدمات المُنقذة للحياة.

كل هذا يُكلّف المال بالطبع. لحسن الحظ أن العالم لديه الكثير منه. إنفاقه على الاحتياجات الإنسانية الماسة هو خيار. بالنسبة إلى الولايات المتحدة والدول الغنية الأخرى، فإن تكثيف المساعدات الإنسانية ليس فقط هو الشيء الصحيح ولكن أيضاً الشيء الحكيم الذي يجب القيام به. في كوكب مُتقلّص ومترابط، تتزايد التزاماتنا الأخلاقية تجاه بعضنا البعض. وكذلك مصالحنا العملية في المساعدة على تقليل المعاناة واليأس في الأراضي التي ربما كانت في يوم من الأيام بعيدة ولكنها صارت أقرب اليوم. إذا كان العقدان الماضيان، اللذان بدأا مع 11 أيلول (سبتمبر) وانتهيا بكوفيد -19، قد علمّانا أي شيء، فهو عدم جدوى محاولة عزل أنفسنا عن عالم ستنحلّ مشاكله حتماُ على شواطئنا.

  • كابي طبراني هو ناشر ورئيس تحرير “أسواق العرب”. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @GabyTabarani

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى