القَمعُ في الجزائر: هل يُنهي الحَراك؟

أدّت حملات القمع الأخيرة التي قامت بها السلطات في الجزائر ضد المتظاهرين والمُحتجّين إلى إثارة التساؤلات حول مستقبل حركة الحَراك.

الإحتجاجات في الجزائر: غابت بسبب القمع غير المسبوق

إلهام رشيدي*

حملة القمع الشديدة التي قامت بها السلطات في الجزائر أخيراً نجحت، مؤقتاً، في إسكات الحَراك بعد ثلاثة أشهر من الاحتجاجات الأسبوعية على مستوى البلاد. إستهدفت موجة الإعتقالات غير المسبوقة نشطاء المجتمع المدني وصحافيين وطلاب جامعات وأساتذة وأعضاء في أحزابٍ سياسية. وقد تصاعد القمع في 30 حزيران (يونيو) الفائت عندما دهم رجال الأمن منزل زعيم المعارضة ومُنسّق حزب “الحركة الديموقراطية والاجتماعية”، فتحي غارس، وفتّشوه ثم اقتادوه إلى السجن.

باعتقال أحد قادة الحزب، يُظهِرُ النظام أن هدفه ليس التخلص من الحَراك فحسب، بل أيضاً منع أي محاولة لبناءِ مُعارضةٍ مُنظَّمة. في السابق، قدمت السلطات الجزائرية شكوى قضائية لحلّ “الإتحاد من أجل التغيير والتقدّم” و”حزب العمّال الاشتراكي”، وهما حزبان سياسيان يدعمان الحَراك وينتميان إلى قوى البديل الديموقراطي المُعارض. بالإضافة إلى ذلك، قدم النظام إطاراً تشريعياً لقمع أيّ مُعارضة ناشئة من خلال تصنيف المُنشَقّين والمُحتجّين على أنهم إرهابيون، كما فعل مع “الحركة من أجل تقرير مصير في منطقة القبائل” و”حركة رشاد”. في 8 حزيران (يونيو)، أصدر الرئيس عبد المجيد تبون بموجب مرسوم تعديلاً غامضَ الصياغة لقانون العقوبات يصف المواطنين أو المنظمات التي تحاول الوصول إلى السلطة أو تغيير نظام الحكم “بطرقٍ غير دستورية” بالإرهابيين.

في أيار (مايو) 2021، في غضون أيام قليلة، إختفت المظاهرات العامة لأن الوجود المُكثّف للشرطة منع المتظاهرين من النزول إلى الشوارع، وخصوصاً في الجزائر العاصمة. لا شك أن استغلال القضاء –وإمكانية تفاقم هذا الأمر مع القوانين الجديدة—قد ردع كثيرين آخرين عن الاحتجاج. إرتفع عدد الاعتقالات ذات الدوافع السياسية فجأة في نهاية نيسان (إبريل) الفائت. حتى ذلك الحين، منذ استئناف الاحتجاجات في شباط (فبراير)، أُلقي القبض على مئات الأشخاص كل أسبوع، لكن ما لبثت السلطات أن أطلقت سراحهم في معظم الحالات. بين شباط (فبراير) وتموز (يوليو)، سُجن 306 أشخاص لتورّطهم في الحَراك أو لانتقادهم الشديد للحكومة.

ومع ذلك، فإن هذا الرقم لا يكشف عن المدى الكامل للقمع وشدّته. أكثر من 6,570 شخصاً، كثيرون منهم تمّ اعتقالهم أو استدعاؤهم مراراً وتكراراً، اعتُقِلوا منذ شباط (فبراير) الفائت. ومن الواضح أن النظام يريد من النشطاء والصحافيين قضاء وقت طويل في المحكمة، بدلاً من القيام بعملهم الفعلي. علاوة على ذلك، وُضِعَ عشرات الأشخاص تحت الإشراف القضائي، مما حدّ من سفرهم وتفاعلاتهم. يمكن أن يكون الترهيب والمضايقات القضائية، والتي من غير المُرجّح أن تنخفض، في بعض الأحيان فعّالة كالسجن في إسكات مُنتقدي الحكومة والمُعارضين السياسيين.

وفي تنازلٍ واضح، أعلنت وزارة العدل عن موجة جديدة من الإفراج عن المعتقلين السياسيين في 14 تموز (يوليو). وبحسب معتقلين جزائريين، فإن 196 شخصاً مع ذلك ما زالوا رهن الاحتجاز. وبينما كان السجناء يغادرون زنازينهم، كانت المحاكمات جارية. يُدرك النشطاء أن هذه الإفراجات وإخلاءات السبيل لا تعني تقليص القمع. يسود بينهم جوّ من الخوف وخيبة الأمل. إنهم مُجبَرون على تكريس معظم اهتمامهم لدعم المعتقلين السياسيين بدلاً من التركيز على العمل السياسي. مع زيادة ضعف الأحزاب السياسية واختفاء المتظاهرين من الشوارع –وبالتالي حرمان الحركة من قوّتها الرئيسة– يبدو هدف الحَراك بالتحوّل إلى قوة مُعارضة قابلة للحياة بعيد المنال. يبقى أن نرى ما إذا كان الحَراك استطاع إثارة وعيٍ سياسيٍّ كافٍ في جميع أنحاء البلاد يسمح له بتحويل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، التي تفاقمت بسبب الوباء، إلى فرصةٍ للاستفادة من السخط والتعافي.

  • إلهام رشيدي هي صحافية مستقلة تُركّز على الحركات الاحتجاجية وقضايا حقوق الإنسان في المغرب والجزائر. يمكن متابعتها عبر تويتر على: @Ilhemrachidi.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى