تونس إلى أين؟

بقلم عبد اللطيف الفراتي*

قبل ثلاثة أشهر إلتقينا مجموعة مِمَن نُسمّي أنفسنا من المثقفين يتوسّطنا الزميل والصديق صالح الحاجة، الصحافي والكاتب الكبير، تساءَلت في عفوية: “تونس فين ماشية؟ إلى أين هي سائرة؟”. أجاب صالح الحاجة في لهجة استنكارية “مشات ووفات”، أي أنها انتهت … كان اعتقادي أن الصديقَ الزميل مُتشائمٌ جداً، ورُغمَ أني أُكرّر وأُعيد التكرار منذ 9 سنوات، إن لا شيء يسير على الطريق الصحيح عبر عشرات المقالات التي نشرتها في “أسواق العرب” وفي صحف ورقية أو إلكترونية أخرى في الداخل والخارج، فقد بقي لي بصيص أمل في أن تونس بما فيها من خبرات عالية، يمكنها أن تعود إلى الطريق القويم، وتخرج من المتاهات التي قادتها إليها 5 أو 6 انتخابات لم تتوفّق  فيها إلى العثور على الكفاءات القادرة على إخراجها من المأزق، وفتح  المسار الصحيح أمامها. في الواقع ليس لنا أن نلوم إلّا أنفسنا، فنحنُ لم نُحسن اختبار قياداتنا التي يُمكنها أن تُخرجنا من عنق الزجاجة، بل كانت اختياراتنا عاطفية “هووية” إيديولوجية وبالتالي كارثية.

فقط رقم واحد أسوقه اليوم ولن أعود، لقد كان معدل الدخل الفردي في تونس سنة 2010 خمسة ألاف دولار، وهو اليوم في مستوى 3400 دولار؟

في كل البلدان التي شهدت ثورات حقيقية في أوروبا الغربية وأوروبا الشرقية وأميركا اللاتينية وإفريقيا، تجد، بعد سنتين أو ثلاث من التذبذب، طريقها نحو التنمية ولا أقول النمو، بمعدلات أعلى مما كانت عليه في زمن الإستبداد، إلّا عندنا حيث استبدلنا نسبة نمو 5 في المئة سنوياً لم نكن لنرضى بها، بنسبة نمو صفر في المئة طيلة العشر سنين المُنقَضية.

بعد هذا لماذا نستغرب مما يحدث حالياً من اضطرابات مُجتمعية، ولا نقول اجتماعية، تتهدّد وحدة الوطن وسلامته، خصوصاً إزاء تفكّك الدولة، وعجز الحكومة الحالية عن استقراء الأحداث وما يمكن أن يتمخّض عنها، في غياب الحس السياسي الذي لا يُمكن أن يُدركه التكنوقراطيون ممن ليست لديهم تجربة في العمل السياسي، من رئيس الجمهورية إلى رئيس الحكومة والوزراء، إلى رئيس البرلمان، الذي يقبع في أواخر الترتيب في كل عمليات استطلاع الرأي، وفي غياب شعور طاغ بتآكل الإحساس بالإنتماء إلى وطن نتقاسم فيه وفي كل الأحوال الحلو والمر.

مَن لم يُدرك حتى الآن، فليعلم أن وطننا يشهد خطراَ مُحدقاً، وأن هذا الخطر يتهدّد بلادنا بأن نتحوّل من وطن مُوَحَّد، إلى أشتات لا يجمعها جامع، وعندها لا تنمية ولا هم يحزنون. أشتاتٌ تتكالب على فريسة باتت سهلة المنال لفرقتها وتشتت كلمتها وغياب الدولة وهيبتها.

 في تصريحٍ صحافي، نَبَّهَنا الأميرال كمال العكروت، مستشار الأمن القومي في زمن الباجي قائد السبسي، وهو مَن هو علماً بتاريخ هذه البلاد وصاحب نظر استشرافي وبصيرة نافذة، إلى ما ينتاب وطننا من أنواء خطيرة، وإلى ما ينتظر وطننا ولا أقول بلادنا، من اهتزازات لا يعلم أحد مداها. ولنتذكر معاً أن كانون الثاني (يناير) هو شهر الإنتفاضات في بلادنا وفي غيرها من البلدان، قد ينتهي إلى مآسٍ ربما تكون اعظم وأخطر أثراً من كل ما عرفناه من قبل. خطرٌ يتهدّدنا بمصير مخيف.

  • عبد اللطيف الفراتي هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي تونسي. كان سابقاً رئيس تحرير صحيفة “الصباح” التونسية ومراسلاً لصحفٍ ومجلات عربية عدة. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني التالي: fouratiab@gmail.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى