صدى الإشتباكات الإسرائيلية – الفلسطينية يتردّد في أنحاء الشرق الأوسط

وسط اندلاع الغارات الجوية والصاروخية وعدم الاستقرار السياسي الداخلي في إسرائيل والأراضي الفلسطينية، فضلاً عن مناخ عدم اليقين في جميع أنحاء الشرق الأوسط، قد تُطارد أحداث هذا الأسبوع المنطقة لأشهرٍ عدة مقبلة.

بنيامين نتنياهو و بيني غانتس: تهديدات خطيرة ولكن…

سمير حنضل*

إنخرطت القوات الإسرائيلية والفصائل الفلسطينية المسلحة في قطاع غزة في أعنف تبادل لإطلاق النار هذا الأسبوع منذ حرب غزة 2014. أدّى وابلٌ كثيف من الغارات الجوية الإسرائيلية إلى مقتل ما لا يقل عن 83 شخصاً (حتى كتابة هذه السطور) في غزة، من بينهم 17 طفلاً، بينما أبلغت السلطات في إسرائيل عن مقتل سبعة أشخاص بسبب الهجمات الصاروخية الفلسطينية. كان من بينهم طفل يبلغ من العمر 6 سنوات. تعمل كلٌّ من قطر ومصر والأمم المتحدة على التوسّط من أجل وقف إطلاق النار، لكن لا يوجد مؤشّرٌ حتى الآن إلى إنهاء العنف، مع تداعياتٍ مُحتَملة بعيدة المدى في جميع أنحاء المنطقة.

يأتي الصراع بعد أسابيع من التوترات المتصاعدة تحسّباً لقرار المحكمة العليا الإسرائيلية الذي تأخّر الآن بشأن ما إذا كان يمكن طرد ست عائلات فلسطينية من منازلها في حي الشيخ جرّاح التاريخي في القدس الشرقية لإفساح المجال للمستوطنين الإسرائيليين.

أثارت القضية احتجاجات يومية جماهيرية، غالباً ما تحوّلت إلى أعمالِ عنفٍ عندما كانت الشرطة الإسرائيلية تُفرّق بالقوة الحشود. يوم الجمعة الفائت (7/5/2021)، أُصيب أكثر من 170 فلسطينياً عندما فرّقت قوات الأمن مظاهرة في مجمع المسجد الأقصى في القدس، ثالث أقدس الأماكن في الإسلام. داهمت الشرطة الإسرائيلية المسجد مرة أخرى في ساعات الصباح الباكر من يوم الاثنين، أحد الأيام الأخيرة من شهر رمضان، ما أدّى إلى إصابة مئات المتظاهرين الآخرين، الذين قاوم العديد منهم بإلقاء الحجارة وأشياء أخرى. وردّت “حماس”، الجماعة الإسلامية المسلحة التي تسيطر على غزة، بإطلاق صواريخ على مدن إسرائيلية.

كانت فيروز شرقاوي، رئيسة جماعة الدعوة الفلسطينية، “الجذور الشعبية المقدسية”، في الأقصى عندما تم اقتحامها يوم الإثنين. في اتصال هاتفي من مكان الحادث، أخبرتني أن ضباط الشرطة استخدموا القنابل الصوتية والغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي، بالإضافة إلى ضرب المتظاهرين. قالت: “لقد كان هجوماً عنيفاً حقاً. لم نشهد مثل هذا العنف داخل المسجد الأقصى منذ سنوات عديدة”.

أفاد الهلال الأحمر الفلسطيني، الذي قال إن السلطات الإسرائيلية منعته في البداية من الوصول إلى مجمع الأقصى، أن أكثر من 500 فلسطيني أصيبوا في ذلك اليوم، أكثر من 200 منهم احتاجوا إلى العلاج في المستشفى.

مثل الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني الأوسع، فإن النزاع الذي أدّى إلى تصاعد العنف في الآونة الأخيرة له جذور تاريخية عميقة. حي الشيخ جرّاح، مثله مثل الأحياء الأخرى في القدس الشرقية، كان محل نزاع بين الفلسطينيين واليهود منذ قرون. في العام 1956، قام الأردن، الذي كان يحكم الضفة الغربية والقدس الشرقية، ببناء منازل في الشيخ جراح لإعادة توطين 28 عائلة طردتها الميليشيات الصهيونية من منازلها خلال حرب العام 1948 التي تُوِّجت بإقامة دولة إسرائيل. ويُشير الفلسطينيون إلى التهجير الجماعي لشعوبهم على أنه النكبة.

في الستينات الفائتة، وافق الأردنيون على منح صكوك ملكية الأراضي الرسمية لسكان الشيخ جراح الفلسطينيين بعد فترة ثلاث سنوات، لكن الصفقة توقّفت بسبب حرب الأيام الستة في العام 1967، والتي شهدت احتلال إسرائيل للضفة الغربية والقدس الشرقية.

منذ ذلك الحين، طُرِدَ عددٌ من السكان الفلسطينيين من منازلهم في القدس الشرقية. صدرت أوامر للعائلات الفلسطينية بمغادرة الشيخ جرّاح في الأعوام 2002 و2009 و2017. وفي تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، قضت المحكمة العليا بضرورة إبعاد 87 فلسطينياً عن حي سلوان خارج المدينة القديمة. ورفعت القضية مجموعة من المستوطنين الإسرائيليين التي أقامت دعوى قضائية ضد السكان الفلسطينيين، بدعوى أنهم يعيشون على أرضٍ يهودية.

في بيان يوم الجمعة الفائت، أدان مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة عمليات الإجلاء المُخطَّط لها للعائلات في الشيخ جرّاح. وقال المتحدث باسم الوكالة روبرت كولفيل: “إن نقل أقسام من السكان المدنيين التابعين لسلطة احتلال إلى الأراضي التي تحتلها محظور بموجب القانون الإنساني الدولي وقد يرقى إلى مستوى جريمة حرب”.

ويذهب إيلان بابي (Ilan Pappe)، المؤرخ الإسرائيلي المُقيم في المملكة المتحدة والذي كتب كتباً عدة عن الصراع، إلى أبعد من ذلك. وقال ل”أسواق العرب” أن الطرد المُخطَّط له في الشيخ جرّاح ينسجم مع نمط “التطهير العرقي” للفلسطينيين الذي “لم يتوقّف أبداً منذ العام 1948”.

إن الجماعات اليهودية المؤيدة للمستوطنين قد تعزّزت من قبل الحكومة التي تدعم مطالبها. في كانون الثاني (يناير)، أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أنه سيتم بناء 800 منزل جديد للمستوطنين في الضفة الغربية المحتلة. في الواقع، وقف نتنياهو يوم الأحد الفائت بحزم ضد الاحتجاج الدولي المتزايد، قائلاً إن إسرائيل “ترفض بشدة الضغط على عدم البناء في القدس”.

قال جيف هالبر، الناشط الإسرائيلي الذي يُناضل ضد الاحتلال: “هذا الأمر برمّته مُستمرٌّ منذ ما يقرب من 50 عاماً. لكنه وصل إلى مستوى مرتفع الآن. هذه بعضٌ من آخر العائلات في المنطقة التي يتوقّع أفرادها ترحيلهم”.

وأضاف: “لا يوجد استئناف قانوني. هذه هي المحكمة العليا، بعد كل شيء … الملاذ الوحيد للسكان والفلسطينيين الآن هو الاحتجاج والمقاومة ورفع الثمن السياسي الذي يتعيّن على إسرائيل دفعه”.

قد تكون الاحتجاجات، رُغم أنها كانت مُكلفة، قد نجحت من خلال إجبار المحكمة على تأخير عمليات الإخلاء لمدة 30 يوماً. وسط اندلاع أعمال العنف، من الممكن أن يتم تعليق الإخلاء لتجنّب المزيد من التصعيد. لكن لا يتّفق الجميع مع هذا التقييم. وقال متحدث باسم منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية “بتسيلم” إنه يعتبر التأخير القضائي مُجرّد “خطوة تكتيكية”، وأن “جهود التطهير ستُستأنف”.

يوم الأربعاء، قال وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس إن “إسرائيل لا تستعد لوقف إطلاق النار”، وتعهّد بمواصلة العمليات العسكرية في غزة حتى يكون هناك “هدوءٌ تام”. وتم حشد الآلاف من القوات البرية، وعرضت شبكات التلفزيون المحلية دبابات تحتشد عند حدود غزة. على الرغم من إصرار إسرائيل على قصفها لأهداف عسكرية، إلّا أن التقارير عن سقوط ضحايا مدنيين استمرت في الظهور. قالت امرأة في غزة إنها لم تتمكن من التحدث عبر الهاتف بسبب ضجيج القصف، وأفادت في رسالة نصّية إلى “أسواق العرب” إن حملة القصف “تستهدف منازل المواطنين العزّل والأحياء السكنية المُزدحمة”.

تأتي الأزمة الحالية في وقت يتعرّض فيه نتنياهو ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لضغوط سياسية هائلة. نتنياهو يُحاكَم حالياً بتهمة الفساد بينما يقود حكومة تصريف أعمال. وتحاول أحزاب المعارضة تشكيل ائتلاف يحل محله بعد الانتخابات الإسرائيلية الرابعة خلال عامين التي جرت في آذار (مارس). ربما يراهن نتنياهو على أن الردّ القوي على “حماس” يمكن أن يزيد معدلات مؤيديه ويعزز دعمه بين الإسرائيليين اليمينيين، وكذلك المعتدلين القلقين من العنف. ويمكن أن يؤدي الصراع المطوّل أيضاً إلى إحداث شرخٍ بين خصومه المتنوّعين إيديولوجياً.

في غضون ذلك، أثار الرئيس محمود عباس ضجة في أواخر نيسان (أبريل) عندما علّق خطط إجراء أول انتخابات فلسطينية منذ 15 عاماً. فقد كان يخشى أن تُطيح به لصالح “حماس”، بسبب مزاعم الفساد وسوء الإدارة.

لا يزال من الممكن أن يعود الوضع الحالي إلى مصلحته السياسية: مع استمرار سقوط القنابل على غزة، قد يبتعد الفلسطينيون من “حماس” وموقفها العدواني تجاه إسرائيل. بدلاً من ذلك، يمكن أن تؤدي النهاية السريعة لاندلاع العنف إلى تعزيز صورة “حماس” وتصوير عباس على أنه غير راغب في مواجهة العدوان الإسرائيلي. في كلتا الحالتين، يجعل القتال إمكانات حكومة الوحدة الفلسطينية بعيدة أكثر من أي وقت مضى.

يُمكن أن يؤثر التصعيد العنيف أيضاً في الجغرافيا السياسية للمنطقة الأوسع. بينما أصدرت جامعة الدول العربية بياناً يُدين قصف غزة، يبقى أن نرى كيف سيؤثر ذلك في علاقة إسرائيل بالدول العربية التي وقّعت معها أخيراً اتفاقات تطبيع، خصوصاً الإمارات العربية المتحدة والبحرين. إذا استمر القتال واستمر عدد القتلى في الارتفاع، فقد يتعرّض قادة تلك الدول لضغوطٍ لتقليص بعض جوانب الإلتزامات المخطط لها مع الدولة العبرية.

دعا المرشد الأعلى لإيران، آية الله علي خامنئي، الفلسطينيين إلى الردّ على “وحشية” إسرائيل، قائلاً إن الإسرائيليين “يفهمون لغة القوة فقط”. يمكن لهذه اللغة التحريضية أن تُلهم وكلاء إيران في لبنان وسوريا للتحرّك، ما يُضيف بُعداً آخر للصراع. وقد يُصبح ذلك أيضاً نقطة شائكة في محادثات إيران مع السعودية، والتي تهدف إلى خفض التوترات بين الخصمين لكنها في مرحلة أوّلية للغاية. كانت المملكة العربية السعودية نفسها تتجه نحو توثيق العلاقات مع إسرائيل منذ شهور، لكنها قد تواجه الآن رد فعل محلياً عنيفاً لهذه الجهود.

لم يتّضح بعد إلى متى سيستمر اندلاع العنف الحالي. لكن وسط عدم الاستقرار السياسي الداخلي في إسرائيل والأراضي الفلسطينية، فضلاً عن مناخ عدم اليقين في جميع أنحاء الشرق الأوسط، قد تُطارد أحداث هذا الأسبوع المنطقة لأشهرٍ عدة مقبلة.

  • سمير حنضل هو مراسل “أسواق العرب” في رام الله.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى