“الوباء الشافي”: جائحة كورونا تَخلِقُ فرصاً جديدة لنظام بشار الأسد

فيما يحاول نظام بشار الأسد مواجهة جائحة كورونا على رغم ادعائه بأن هناك فقط 45 إصابة، فقد خلق له هذا الوباء فرصة لإنعاش نظامه وإعادة الحياة إليه.

 

الشيخ محمد بن زايد: تواصل مع الأسد داعماً له في مواجهة كورونا

بقلم ساندي القطامي وخلود فهيم

سعى نظام الرئيس السوري بشار الأسد بشكل حثيث إلى الإفادة من أزمة كورونا المتواصلة. وقد أظهرت تطوراتٌ عدة توالت منذ اندلاع وباء “كوفيد-19” أن تفاؤلية النظام في هذا المجال كانت فعلياً في محلّها.

ففي أوائل آذار (مارس) الماضي، فرض النظام إجراءات للحدّ من تفشّي الفيروس، شملت حظر التجوّل وتعليق السفر الخارحي والتنقّل ببن المدن السورية. وفي الوقت نفسه، كانت السلطات تنفي أن يكون الوباء وصل إلى سوريا، على الرغم من أوجه التفاعل الكثيرة بين سوريا وإيران، التي كانت البؤرة الإقليمية الرئيسة للوباء، وأيضاً على الرغم من ادّعاء بعض البلدان بأن الأشخاص الآتين إليها من سوريا مصابون بالداء.

صحيحٌ أن النظام قيّد حركة المواطنين مِن وإلى منطقة السيدة زينب، وهي ضاحية دمشقية ومعقل الآلاف من عناصر الميليشيات الموالية لإيران، بيد أن ثمة تقارير أشارت إلى أن المقاتلين الإيرانيين واصلوا التدفّق إلى سوريا التي تعتمد بشكل كثيف على طهران في مجال المساعدة العسكرية، لذا، لم تستطع دمشق فرض إجراءات لعزل الإيرانيين. أما بالنسبة إلى عدد الإصابات، فلم يُعلن النظام السوري حتى الآن سوى عن 45 إصابة، مع أن مصادر مستقلة تعتقد أن العدد الحقيقي أكبر بكثير.

في الداخل، يبدو أن النظام يستغل الإجراءات الوقائية لتعزيز قبضته. وقد كشف موقع أمني إلكتروني مقره في الولايات المتحدة أن السلطات السورية زرعت برنامج تجسّس في الهواتف الخلوية لمواطنيها بواسطة تطبيق للوقاية من كورونا. هذا التطبيق، الذي يُدعى “كوفيد-19” هو “ثيرمومتر” رقمي يعمل كخدعة، فيما تتجسس البرمجية الخبيثة المُشفَّرة (AndoServer) على المُستَخدِم. ويُعتَقَد أن هذا التطبيق هو من إنتاج الجيش الإلكتروني السوري الذي ترعاه الدولة، والذي يقوم بعمليات قرصنة إلكترونية بدعمٍ منها.

علاوةً على ذلك، قامت أجهزة أمن النظام بفرضِ رقابةٍ مُشدّدة على المستشفيات ومراكز الفحص الطبي، وانتشرت عناصر المخابرات في مؤسسات في كل أنحاء البلاد لمراقبة الموظفين والمرضى وأي ملمح عن وجود حالات كورونا جديدة، سواء جاءت من المستشفيات أو عبر تبليغات شخصية. وعلى الرغم من مخاوف منظمة الصحة العالمية من تفشي الوباء في مختلف أرجاء البلاد، إلّا أن الحكومة ليس لديها سوى مختبر واحد لإجراء الفحوصات مقرّه في دمشق. ومع أن سبب ذلك يُعزى إلى النقص في موارد الأدوات الطبية، إلّا أنه قد يكون في الوقت عينه خطوةً مُتعمّدة من السلطات لمَركَزة نشاطات الفيروس والروايات عنه.

إستخدمت روسيا بدورها تفشّي الوباء لتدعيم مواقعها في سوريا. فقد أرسلت أخيراً معدات طبية إلى دمشق، وأصرّ الرئيس فلاديمير بوتين في الأمم المتحدة على أن تُدير دمشق وحدها إجراءات مواجهة كورونا. وهكذا، وعبر ترقية مساعداتها على هذا النحو، كانت موسكو تُعزّز مواقعها الإقليمية. إضافةً إلى ذلك، لطالما ضغط بوتين كي يكون الوجود الإيراني في سوريا أقل حجماً، وفي هذا الإطار عمل القادة العسكريون الروس على استخدام أزمة كورونا لفصل القوات السورية، خصوصاً منها تلك المدعومة روسياً، عن الميليشيات الإيرانية. مثل هذا الفصل يجعل اليد العليا لروسيا على الأرض، ما يعزّز هدف بوتين الخاص بفرض سيطرة عسكرية روسية أكبر في سوريا على حساب إيران.

على المستوى الإقليمي، يبدو أن فيروس كورونا بدأ يسهم بتوطيد العلاقات بين سوريا وعدد من الدول العربية. وعلى الرغم من قرار الجامعة العربية تعليق عضوية دمشق فيها في تشرين الثاني (نوفمبر) 2011، ليّنت دولٌ عدة مواقفها منذ ذلك الحين، ومن ضمنها الأردن والإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر. فقد اتّخذت بعض الدول العربية خطوات تدريجية ترمي إلى إعادة بناء العلاقات مع سوريا، على ضوء عوامل عدة، مثل صعود المجموعات المتطرفة، وازدياد النفوذ الإيراني بشكل مطّرد، وانخراط روسيا في الحرب السورية، ومؤشرات إلى “انتصار” نظام الأسد الوشيك على المعارضة السورية.

في 27  آذار (مارس) الفائت، أجرى ولي عهد الإمارات الشيخ محمد بن زايد إتصالاً هاتفياً بالأسد للنقاش حول وباء كورونا، مؤكّداً على دعم بلاده لسوريا، ومتحدّثاً عن الطبيعة الإنسانية للأزمة ونطاقها العالمي، ومُشدّداً على أنها مناسبة لتخطي أي “خلافات سياسية” كانت قائمة بين الإمارات وسوريا. وبالتالي، شكّل فيروس كورونا لبعض القادة العرب ذريعة لإعادة العلاقات مع سوريا إلى مجاريها. قد تكون هذه المبادرة التي اتّخذتها الإمارات، التي تتمتع بنفوذ كبير إقليمياً، أساسية لسوريا وهي تحاول العودة إلى كنف الجامعة العربية.

قد تُفيد أزمة كورونا أيضاً سوريا على الصعيد الدولي. فقد دعت منظمة الأمم المتحدة إلى رفع العقوبات المفروضة على كلٍّ من سوريا وفنزويلا وإيران وكوبا وزيمبابوي للسماح بإيصال المساعدات الإنسانية وتسهيل استجابة فعّالة لفيروس كورونا. لكن هذا الإجراء هو بمثابة رفع للإجراءات العقابية ضد نظام الأسد، ما سيسمح له بترسيخ حكمه أكثر، مع أن ثمة بعض العوائق التي تعترض عملية توطيد العلاقات بشكلٍ أوسع. فمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية التابعة للأمم المتحدة إتّهمت النظام السوري بتنفيذ هجماتٍ بالأسلحة النووية بحق مدنيين، فيما عقدت محكمة ألمانية الجلسة الأولى لمحاكمة ضابط سوري مُتّهم بتعذيب السجناء.

قد لا يحدث بالضرورة التطبيع الكامل للعلاقات بين سوريا والمجتمع الدولي في المستقبل القريب، ولا سيما أن بشار الأسد حالياً تحت مجهر التدقيق العام بشكلٍ متزايد. لكن وباء “كوفيد-19” فتح أبواباً عدة أمام كلٍّ من النظام السوري وروسيا لتعزيز نفوذهما على الأرض في سوريا، ما يشي على الأرجح بأن تحقيق قبولٍ أوسع لاستمرار حكم نظام الأسد لم يعد بعيد المنال كما كان في السابق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى