إيران على مسارٍ مُشتَعلٍ بالإحتجاجات يُنذِرُ بخطَرٍ جسيم

فيما تعيش إيران أياماً إقتصادية عصيبة حيث توقع البنك الدولي أن ينكمش إقتصادها هذا العام بنسبة 10 في المئة، نزل الفقراء مع الطبقة الوسطى إلى الشوارع في كل أنحاء إيران مُندّدين بالسلطة الحاكمة الفاسدة وداعين إلى “سقوط الديكتاتور”.

آية الله علي خامنئي: المتظاهرون يُطالبون بإسقاطه!

 

بقلم وحيد يوسيسوي*

في منتصف ليلة 15 تشرين الثاني (نوفمبر) الفائت، أعلنت الحكومة الإيرانية عن رفع مُتهوّر لأسعار الوقود بلغ نسبة 300 في المئة. مُباشرة تصاعدت بسرعة الصيحات العامة إلى احتجاجات على مستوى البلاد امتدت إلى أكثر من 100 مدينة وسيطرت على البلاد لمدة 6 أيام متتالية، قبل أن تسحقها السلطات بفعالية.

منذ أن سحب الرئيس دونالد ترامب بلاده من الإتفاق النووي الدولي مع إيران في آب (أغسطس) 2018 وأعاد فرض عقوبات على طهران من جانب واحد، والإقتصاد الإيراني يسبح في مياه صعبة ويسير في مسارٍ مأسوي. وقد اعترف الرئيس حسن روحاني في الآونة الأخيرة عندما حثّ المشرّعين على خفض دعم الوقود في مواجهة تراجع عائدات النفط، قائلاً إن “إيران تمرّ بإحدى أصعب سنواتها منذ الثورة الإسلامية في العام 1979”.

وفيما سارع مسؤولو الحكومة الإيرانية وبعض المراقبين في الخارج إلى إلقاء اللوم لإحتجاجات الشهر الفائت على العقوبات الأميركية، إلّا أن الأسباب أعمق وأكثر هيكلية. إن رفع الوقود فقط كان القشّة التي قصمت ظهر البعير. تأمّل في الهتافات الشعبية للمتظاهرين، التي استهدفت المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي – بعبارة “الموت للديكتاتور!” – والنخبة الحاكمة الأوسع في إيران، بدلاً من الولايات المتحدة. في حين أن حملة “الحد الأقصى من الضغط” التي قام بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب تؤدي بالتأكيد إلى تفاقم الضغوط الإقتصادية، فقد شهدت إيران إضطرابات واحتجاجات متقطعة منذ سنوات عدة حتى الآن من قبل العمال والمُدرّسين وشرائح المجتمع الأكثر فقراً – وهي الفئات الشعبية التي تعهّدت “الجمهورية الإسلامية” بتمثيلها عندما وصلت للمرة الأولى إلى السلطة.

في الوقت الحالي، يبدو أن المسؤولين الإيرانيين تمكّنوا من احتواء غالبية الإحتجاجات من خلال اللجوء إلى القمع. وقد شجب تقرير لمنظمة العفو الدولية “الإستخدام القاتل المُتعمَّد للقوة” من قبل قوات الأمن الإيرانية، مما أدى إلى مقتل 143 محتجاً على الأقل. كما تم إغلاق الإنترنت أيضاً في جميع أنحاء البلاد.

لقد استخدمت إيران أسلوبها المعهود – الوحشية المُفرطة وتعتيم الإنترنت – لقمع الإحتجاجات الجماهيرية المختلفة خلال العقد الفائت. في العام 2009، خرج ملايين الإيرانيين من الطبقة الوسطى، في ما أصبح يُعرف ب”الحركة الخضراء”، إلى الشوارع للمطالبة بالمساءلة في مواجهة التزوير الإنتخابي الواسع الذي كفل إعادة انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد في ذلك الوقت. وقد قتلت القوات الموالية للنظام في حينه عشرات المُحتجّين الذين سقطت هتافاتهم للإصلاح على آذان صماء. وبينما استمر المسؤولون الإيرانيون في تجاهل مطالب المُحتجّين، أصبحت الشعارات أكثر راديكالية، ليس فقط من أجل الإصلاح ولكن من أجل إسقاط خامنئي.

في العام 2013، كانت آمال الإيرانيين عالية عندما وصل روحاني إلى السلطة في فوز ساحق في الإنتخابات. كان روحاني، رجل الدين اللطيف الذي تحدث عن حكم القانون، مُعتدلاً سياسياً مقارنة مع أحمدي نجاد المُتشدّد، لكن في سياق السياسة الإيرانية، فهو محافظ أكثر براغماتية. ومع ذلك، فقد نجح في إنعاش الدوائر الإنتخابية الإصلاحية التي كانت مشلولة وعاجزة إلى حد كبير بعد “الحركة الخضراء”. في حين وعدت حكومة روحاني بإنهاء العقوبات الأميركية التي فرضتها إدارة باراك أوباما، فقد تعهّدت أيضاً بصنع السلام مع الإيرانيين من خلال ما أسمته “ميثاق حقوق المواطنين”، مُوضّحةً الحقوق والحريات التي ينبغي أن يتمتع بها الإيرانيون وفقاً للقانون الإيراني. لكن تحت رئاسة روحاني، إستمرت طهران في سجن المواطنين الذين يحملون جنسية مزدوجة، وأعدمت أكبر عدد من الأشخاص في العالم بالنسبة إلى الفرد، وفرضت الرقابة على الإنترنت.

ثم، في كانون الأول (ديسمبر) 2017، هزّت تظاهرات “دي -ما” – التي سميت على اسم الشهر حسب التقويم الفارسي الذي حدثت فيه – بلدات إقليمية عدة في جميع أنحاء إيران. في غضون بضعة أيام، خرج الإيرانيون الفقراء إلى الشوارع وهم يرددون شعارات راديكالية مُناهضة للنظام أمام دهشة المؤسسة الحاكمة: “ليسقط الديكتاتور!”؛ “الموت لخامنئي!”؛ و”رضا شاه، أُرقُد في سلام!”. وكان الشعار الثالث إشارة إلى أول ملوك أسرة بهلوي، الذي أطاحت “الثورة الإسلامية”  ابنه محمد رضا بهلوي.

تضمّن ردّ النظام على هذه التظاهرات القوة الغاشمة المُعتادة، لكن في تطور جديد، إنضمت شخصيات إصلاحية إلى المحافظين والمُتشددين في وصف الإحتجاجات بأنها مؤامرات من قبل أعداء أجانب. إدّعت معصومة ابتكار، نائبة الرئيس روحاني لشؤون المرأة والأسرة والمرأة الأعلى مرتبة في الحكومة الإيرانية، أن المُحتجّين يُوَجَّهون من قبل السعوديين والأميركيين. ووصف عباس عبدي، وهو صحافي وقائد إصلاحي بارز، الإحتجاجات بأنها “مقصودة وغير عقلانية”. ووصفها مصطفى تاج زاده، وهو سياسي إصلاحي كان سُجن في سجن إيفين سيئ السمعة من العام 2009 إلى العام 2016 ، بأنها “تُزعزع الإستقرار”. أما رابطة رجال الدين المقاتلين، وهي جماعة يقودها الرئيس الإصلاحي السابق محمد خاتمي، فقد زعمت أن “الإنتهازيين ومُثيري الشغب قد استغلوا التظاهرات”.

لكن هذا الجهد لتشويه سمعة الإحتجاجات فشل. وإذا كان أي شيء، فقد كان له تأثير معاكس. شعارٌ واحدٌ شاع بين الطلاب في جامعة طهران – “الإصلاحي! المتشدد! لقد انتهت اللعبة! “- يُشير بالضبط إلى كيف أصبح الكثير من الشباب الإيرانيين مُحبَطين من الوضع الراهن، ويرون أن الإختيار بين الإصلاحيين والمتشددين هو خيار زائف. في وقت سابق من هذا العام، أكد خاتمي نفسه ما يردده المراقبون الخارجيون: أن الكثير من الإيرانيين الذين ساندوا روحاني ومعسكره فقدوا ثقتهم في إمكانية الإصلاح البطيء، وأن خيبة أملهم يُمكن أن تشكل تهديداً للجمهورية الإسلامية. وحذّر قائلاً: “إذا شعر الناس بخيبة أمل، فإن أولئك الذين يريدون تغيير النظام قد يجدون فرصة للنجاح”.

لذلك كانت مسألة وقت فقط حتى اندلعت المزيد من الاحتجاجات. لكن المتظاهرين كانوا أكثر غضباً وعزماً على المضي قدماً في مطالبهم في الشهر الفائت وهذا الشهر. كان الغضب الشعبي واضحاً، وليس فقط في مدن المقاطعات أو مناطق الطبقة العاملة، ولكن أيضاً في أحياء الطبقة الوسطى في طهران التي شاركت في الإحتجاجات. وكانت صورة الإصلاحيين أكثر تلطيخاً لأن أياً منهم لم يِدِن وحشية قوات الأمن في الشوارع.

قبل الإنتخابات البرلمانية في شباط (فبراير) 2020، فإن العقد الإجتماعي بين النظام الإيراني والسكان عامة ينهار بسبب فشل المشروع الإصلاحي. بالإضافة إلى الغضب من صمت الإصلاحيين في مواجهة القمع، هناك شعور متزايد بالإحباط تجاههم بسبب علامات الفساد والمحسوبية بين نخبهم السياسية، في وقت يعاني فيه الإيرانيون العاديون بشدة من العقوبات الأميركية.

حكام إيران واثقون من أنهم يستطيعون التغلب على الاضطرابات في المستقبل من خلال قواعد اللعب المعتادة التي تعتمد على القمع. لكن تظاهرات أواخر العام 2017 وأوائل العام 2018، وأحدث التظاهرات في الشهر الفائت وهذا الشهر، هي تذكير بالسرعة التي يمكن بها للإيرانيين حشد الإحتجاجات الجماهيرية. إن القمع المستمر يزيد فقط من احتمال توحيد الإيرانيين المختلفين – أبناء الطبقة العاملة والطبقة الوسطى الذين يتشاركون المظالم – ضد الجمهورية الإسلامية نفسها. إذا تشكلت حركة احتجاج أكثر تماسكاً على هذا المنوال، فمن المحتمل أن تؤدي إلى حدوث انقسام داخل الجيش وقوات الأمن.

مع وجود الكثير من التوقعات غير المُلبّاة، ومزيد من الإيرانيين الذين لا يملكون شيئاً على ما يبدو ليخسروه، فقد تكون البلاد محاصرة بمستقبل مُشتعل مليء بالإحتجاجات. لكن إلى أي مدى ستتمكن ثيوقراطية إيران القديمة من كبح جماح الغضب الشعبي المتزايد، إذا كان القمع لا يفعل إلّا خلق المزيد منه؟

  • وحيد يوسيسوي مرشح دكتوراه في العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة مونتريال بكندا.
  • كُتِب هذا الموضوع بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى