بالنسبة إلى مسقط، التنميةُ والتُراث يسيران جنبًا إلى جنب

محمد العارضي*

شهدنا في العقود القليلة الماضية تحضُّرًا سريعًا وظهورَ مُدُنٍ حديثة في جميع أنحاء العالم. وغالبًا ما تكونُ هذه المُدُن مُزَيَّنةً بناطحاتِ السحاب، وتَدعَمها تكنولوجيا سريعة التطوُّر وبُنية تحتية مُتزايدة الكفاءة.

في السنوات الأخيرة، وبحق، نظرًا للسباق للوصول إلى انبعاثاتٍ صفرية صافية، أصبحت المناطق الحضرية أكثر استباقية في تنفيذ عناصر مُستدامة في مراكزها. ومع ذلك، تبنّت مسقط نهجًا مُتمَيِّزًا.

لقد ساهمت الاستراتيجية االوطنية للتنمية العمرانية لسلطنة عُمان وأجندة رؤيتها 2040 الأوسع نطاقًا في دَعمِ خطط النمو لدعم النمو السكاني في العاصمة من خلال التنمية الحضرية المُستدامة والفعّالة التي تُحافظُ على مناظرها الطبيعية الخلّابة وتُكَرِّمُ تقاليدَ المدينة وتراثها.

كما يعالج هذا أيضًا هدف التنمية المستدامة للأمم المتحدة لجعلِ المدن أكثر شمولًا وأمانًا ومرونة واستدامة. ويتماشى ذلك أيضًا مع استراتيجية عُمان الوطنية لإزالة الكربون، والابتعاد من الاعتماد على الوقود الأحفوري وإنتاج كميات كبيرة من الهيدروجين منخفض الانبعاثات، وهي صناعةٌ متنامية.

إنَّ الهدفَ هو الحفاظُ على جوهر وطاقة الترحيب التي تشتهر بها مسقط مع جعلها أكثر شمولًا للمواطنين والمقيمين والزوّار. ويُمكِنُ القيام بذلك من خلال إضافةِ ميزاتٍ وبُنيةٍ أساسية تدعمُ إمكانية الوصول والإنتاجية في جميع المناطق، وخلق وفرة من المساحات الخضراء التي يمكن استخدامها لأغراضٍ لا حصرَ لها، فضلًا عن تسهيل التكامل والتفاعُل بين مجتمعات المدينة.

إنَّ خطط النمو في مسقط تُعالجُ بشكلٍ مباشر الأهداف الاقتصادية للسلطنة أيضًا، من تعزيز صناعة السياحة، وتمكين المواطنين من خلال ضمان الوصول إلى التعليم الجيد، وزيادة الإنتاجية وتعزيز فُرَص العمل، والاستفادة من الطاقة المتجدِّدة وتوفير السكن للسكان المتزايدين.

كما يجري العمل على نظام النقل بالسكك الحديدية الخفيفة، ومن المقرر أن يُسَهّلَ الوصول بين المناطق السكنية والتجارية، وأماكن الترفيه وجميع الخدمات الأساسية التي قد يحتاج المواطنون والسياح إلى الوصول إليها. إنَّ هذا النهج للتنمية الحضرية، الذي يُكّرِّمُ التراث الثقافي للمدينة مع التخطيط المُتَعَمَّدِ للنمو حول المناظر الطبيعية ومن خلالها، هو أفضل طريق للمضي قدمًا ويمكنه إنشاء نموذج يمكن للعديد من المدن الأخرى في جميع أنحاء العالم استخدامه.

ولا ينطوي هذا النهج على الاستفادة القصوى من الموارد المتاحة فحسب، بل يسمح للمدن أيضًا بالحفاظ على هَويّاتها الحصرية مع توفير الاستقرار للمواطنين في شكل وظائف وتوظيف وتعليم وبنية أساسية ومجتمع وإسكان.

هناك عددٌ من التفويضات التي يُمكِنُ للمدن تطبيقها من أجل الحفاظ على الثقافة والطبيعة، مع عناصر مُصَمَّمة بوَعيٍ لتعزيز الاستدامة. ويشملُ بعضُ هذه العناصر نموذج ال15 دقيقة. ويعتمد هذا على تصميم مدينة حيث يمكن تلبية جميع احتياجات الفرد اليومية -من أماكن العمل والمدارس والإسكان والرعاية الطبية والمتاجر ومحلات السوبر ماركت إلى مراكز اللياقة البدنية والمجتمع والترفيه – على مسافة لا تزيد عن 15 دقيقة سيرًا على الأقدام.

إنَّ تكريمَ جذورنا والابتعاد عن الإفراط في الاستهلاك في العقود الأخيرة وخلق اقتصاد دائري، كما فعل البشر في معظم تاريخهم، هي أيضًا مكوّنات أساسية لمنطقةٍ حضرية مستدامة. إن التكنولوجيا الذكية، والآلات والنقل منخفض أو عديم الانبعاثات، والمباني والمنازل الخضراء، ومصادر الطاقة المتجددة بما فيها الألواح الشمسية، وإدارة النفايات الفعالة، وأنظمة النقل العام الفعّالة والمتاحة، والمزارع الحضرية، والقدرة على الوصول إلى الغذاء النظيف والمياه، كلها عوامل حاسمة يمكن أن تدعم التنمية طويلة الأجل للمُدن المُستدامة.

إنَّ البلديات قادرةٌ على سنِّ القوانين للحفاظ على، وحماية، المساحات الثقافية والتاريخية، وأن تكون استباقية في إعادة التفكير في كيفية إدراجها بشكل أفضل في النظام البيئي المتطوِّر للمدينة. وتُشَكِّلُ المشاركة المجتمعية عنصرًا أساسيًا في المشهد الثقافي المزدهر، لذا يجب بذل الجهود لتعزيز المشاركة والتعاون الوثيقَين مع جميع طبقات المجتمع لإثراء التراث المحلي ودفعه إلى الأمام.

يجب أن يَشعُرَ الشباب في أيِّ منطقةٍ حضرية بالتمكين والارتباط بالرؤى المحلّية والوطنية. إنَّ الطلّابَ ورجالَ الأعمال والمُبدعين والمحترفين الشباب هم المستقبل، وبالتالي يجب على الحكومات وقادة المجتمع والقطاع الخاص ضمان وجودهم في المقدّمة وفي قلب خطط التحضُّر الحديثة.

في العالم الرقمي الحالي، حيث لدينا ثروة من الحلول التكنولوجية، بالإضافة إلى الأفكار المُتعلِّقة بتغيُّرِ المناخ والاستراتيجيات العديدة نحو تحقيق المزيد من الاستدامة، يجب أن يأخُذَ النهج الأكثر فعالية للتنمية الحضرية كل هذه العناصر في الاعتبار. في أعقابِ التحضُّر المتزايد الذي شهده العديد من البلدان حول العالم، يمكننا أن نُقدِّرَ قيمةَ التمسُّك بالتقاليد والتراث والثقافة، والحفاظ عليها في مرتبة عالية في ما يتعلق بهويةِ أيِّ مدينة أو أمّة.

تتميّزُ استراتيجية النمو في مسقط بأنها تُحقّقُ التوازن بين أفضل ما في الماضي والحاضر. كما إنّها ترمزُ إلى نهجٍ قائمٍ على المعرفة في التنمية البشرية، حيث تأخذ الحكمة والقيم من الماضي وتحملها إلى المستقبل جنبًا إلى جنب مع الأدوات والتقنيات الحديثة. وقد حظي هذا الإطار بإشادة واسعة النطاق، ولا أشك في أنه سيتم استخدامه كمعيارٍ للتنمية الحضرية في أماكن أخرى في المستقبل.

  • محمد العارضي هو الرئيس التنفيذي لشركة إنفَستكورب ورئيس مجلس إدارة بنك صحار الدولي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى