“مركز التراث اللبناني” يستذكر وجيه نحلة

الحضور

في بادرةٍ يواصل بها مركز التراث اللبناني في الجامعة اللبنانية الأميركية دوره في الحفاظ على تراث لبنان وأعلامه ومعالـمه، دعا إلى أمسية خاصة عن الفنان التشكيلي وجيه نحلة في الذكرى الثانية لغيابه، بحضور جمع غفير من زملاء الفنان وقادري فنه، بين 30 لوحة نسقها الناقد الفني سيزار نمور ووزَّعها حول الجمهور وسط قاعة مكتبة رياض نصار في الجامعة.
إفتتح الأُمسية رئيسُ الجامعة الدكتور جوزف جبرا بكلمة جاء فيها: “للعام الثاني على التوالي، تستَمرُّ الريشةُ على حِدادها. اسودَّت أَلوان الفرح في مثل هذا الشهر قبل عامين، لبِسَ الإبداعُ رداءَ الحزن وراح يتقبَّل العزاء ولا يزال! فوجيه نحلة مَلَأَ الكونَ “شَرقَطةً لونيّة” وَوَزَّع “نورانية” هذا الشرقِ على العالم كله. راحَ على مدى سنواتِ تفوُّقِهِ المديدة، يُؤَلِّهُ الجمالَ والحبّ والمرأة، ويَرسَمُ الشَغَفَ المجنون باقَةَ وَرَعٍ تشتعل فيها مشاعرُ الوَلَهِ مع دفء الايمانِ، فإذا بعالَمِهِ كونٌ عاصِفٌ، فيه الأزهارُ المتلألئةُ والأَحصنةُ الجامحةُ والنسوةُ الموجعات”.
وأضاف: “وجيه نحلة: بِبُعْدِهِ الفَرُّوخي، و”شَعْطَتِهِ” التجريدية، وجنونِهِ التشكيليّ، راحَ أبعد من حدود العطاء، وَوَضَعَ للفنِ إطاراً جديداً مَيَّز مدرَسَتهُ، فَجَعَلَ من الحرفِ جِسْرَ تواصُلٍ مع بُعدٍ جديدٍ للعالم. رَفَعَ الزخرفةَ الحروفيةَ العربيةَ إلى حيث جَعَلَ منها عُنْصُرَ تمايُلٍ قادرٍ على الحركةِ والرقْصِ والإنسياب والعَزفِ والغِناءِ والرسمِ والحب”.
وختم: “في ذكرى رحيله الثانية، لا نعزّي عارفيه بغيابه، وإِنما نعزّي أنفسَنا بأنَّ القديرَ اختار إلى جنّاتِهِ مَن يعرفُ كيفَ يعمِّمُ الحبَ والذوقَ الرفيع ليزيِّنَ به ومعه الفردوس. وجيه نحلة: هنيئاً لكَ حيث أنتَ، وهنيئاً لنا بما تركتَ لنا”.
وقال الفنان التشكيلي حسن جوني مخاطباً زميله الغائب: “تعارفْنا على موّدةٍ ما انقطعَتْ يومًا: أَنا في بداياتِ دراستي الرسم، وأَنت في بداياتِ شهرتكَ وذيوعِ صيتكَ، فنانًا انطلقَتْ لوحتُه محتشدةً باجتهادٍ بصريٍ تراثيٍ للحرفِ العربي مزداناً بزخارفِه اللامتناهية، وكلُّ ذلك نابعٌ من حسٍّ اختباريٍّ لكيفياتِ استعمالِ تقنياتٍ أَظهرتْكَ فناناً محترفًا عارفًا مكتشِفًا معجونَ كيميائها اللونـيّ”.
وأضاف: “كنتَ مطلقَ الإِيمان بالفن رغمَ تعدّدِ الرُؤَى والمظاهر، وتلك فضيلتُكَ الأَخلاقيةُ المثلى بالتعامل مع زملائِك. عرفْتُ بهجتَكَ حين قابلتَ فنانينَ على اختلافِ أَهوائهِم ومَناحي تعبيرِهم بابتسامةٍ شعّتْ بها عيناكَ قبل وصولِها إِلى شفتيكَ. تلك هي قناعتُك الدالّةُ على فهمٍ حضاريٍّ لتَقبُّلِ كلِّ عطاءٍ إِبداعيّ”.
وختم: “مقْدامٌ أَنتَ، وسخيٌّ على كرَمٍ و عطاء، وجُلُّ ما رجوتَ، تحفيزُ الفنانِ على المتابعة بدونَ أَمرٍ يُــثـنيه.أَجسامُنا التي شكَّلَها الله من تراب، إِليه ستعود، غيرَ أَن أَرواحَنا ستظلُّ في ديمومتِها كما هي من قبل، وأَثناءَ حلولِها فينا، وحتى بعد ارتحالها عنا”.
كلمة الختام كانت لمدير مركز التراث اللبناني الشاعر هنري زغيب الذي قال: “إِخالُه داخلًا علينا، كعادتِه، ببسمتِه الوديعة وقبَّعتِه القرمزية، في يده دفترٌ طَموحُ الصفحاتِ البيض لاسمٍ لِرسمٍ لِوَسمٍ، وفي جيبه قلمٌ عريضٌ يُـحبُّ قُبلتَه الخطُّ العربي. أتذكره كيف منذ سبعَ عشْرةَ سنة عند تأسيس مركز التراث، كيف كان مندفعًا له، كأَنه شريكٌ في التأْسيس. فأَقلعَت أَشرعةُ “المركز” في 7 كانون الثاني 2002، ووجيه حاضر. لم يطلب مرة أَمرًا له بل طالب كثيرًا لسواه، مندفعًا إِلى استذكار أَساتذته وزملائه الكبار فكانت ندواتٌ عن مصطفى فروخ، عمر الأُنسي، جان خليفة، ووجيه حاضر”.
وأضاف: “حين أَزفَت ثمانونُه، أَعاد له “المركز” زهرةَ وفاءٍ فنظَّمَ معرضًا موسَّعًا رَحُبَت له قاعات قصر الأُونسكو، في شباط 2013. وظلَّت الجامعة على وفائها له فَمَنَحَتْه الدكتوراه الفخرية في حزيران 2015، وزَها الوجيه الطيّبُ منحنيًا بتواضع الكبار أَمام هالة الجامعة التي مـدَّ لها كفَّه بـحبوب قمحٍ فملأَتها له الجامعةُ ضُمَّة من سنابل”.
وختم معلنًا أن مركز التراث اللبناني سيخصص لوجيه نحلة “مساحةً كثيرةً لأَعماله الكثيرة، في صدارة المتحف الافتراضي الذي يعمل “المركز” حاليًّا على تأْسيسه، مُـخصِّصًا لأَجمل لوحات وجيه نحلة قاعةً كبرى باسمه، رحبةً وسْع الفضاء الإِلكتروني، يزورها الآلاف من كل العالم، في متحفٍ يبقى معرضًا متواصلًا واصلًا لوحةً بلوحة، في أَناقةِ شكْلٍ وَزَوغة لون”.
وتخلل الأمسية عرضُ لقطات من مَنْح وجيه نحلة الدكتوراه الفخرية، وفقرات من أمسية فنية جمعت هنري زغيب يلقي من شعره والياس الرحباني يعزف على البيانو مقطوعات من تآليفه، فيما وجيه نحلة يؤلف لوحة بدأها وأنهاها أمام جمهور غفير تابع تلك الأمسية الثلاثية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى