ميشال عون يتحرّك لإنقاذ رئاسته

في لقائه مع أعضاء نادي الصحافة في 23 أيار ( مايو) الجاري، فاجأ الرئيس اللبناني ميشال عون الحاضرين، كما اللبنانيين، بأنه في حال عدم التوصّل إلى قانون إنتخابي جديد قبل إنتهاء فترة ولاية البرلمان الحالي في 30 حزيران (يونيو) المقبل، فإن الإنتخابات ستجري بموجب القانون الساري المفعول، أي قانون الستين، ولن يذهب إلى الفراغ. لماذا كان هذا الموقف المتغيّر للرئيس اللبناني الذي كان صرّح سابقاً أنه لو خُيِّر بين قانون الستين والفراغ فسيُفضّل الفراغ؟

السيد حسن نصرالله: هل يريد حقاً دولة قوية؟

بيروت – رئيف عمرو

يقترب مجلس النواب في لبنان من إنتهاء فترة ولايته في 30 حزيران (يونيو) المقبل من دون التوصل الى إتفاقٍ حول قانون إنتخابي جديد. ويحوم فوق المأزق الحالي واقعاً أكثر إثارة للقلق. إن “حزب الله”، أقوى حزب في البلاد، إستخدم الخلاف حول القانون لتقويض أي فرصة للدولة اللبنانية لتعزيز سلطتها على حسابه.
هناك منطق بسيط بالنسبة إلى وضعية “حزب الله”: كمجموعة مُسلّحة غير خاضعة للمساءلة وتتمتع بسلطة خارجية (إيران)، فإنها لن تزدهر أو يتعزز نفوذها إلّا عندما تكون الدولة مُختلّة. لذلك، بقدر ما تُقوَّض المؤسسات اللبنانية، وقبل كل شيء الإنتخابات، يكون ذلك لصالح الحزب، إذ أن إستقلاليته تُصبح أسهل عندما تكون الدولة غير فعّالة.
بعد إنتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان في العام 2014، ساعد “حزب الله” على إطالة الفراغ الرئاسي من خلال دعم ترشيح العماد ميشال عون، مع علمه بأن موقفه هذا سُيقسّم الطبقة السياسية. إن إنتخاب عون في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي لم يحدث إلّا لأن منافسيه عكسوا موقفهم وأيّدوا ترشيحه لإنهاء الفراغ الذي دام عامين.
ومن المفارقات أنه على الرغم من أن عون هو حليف، فإن “حزب الله” يعتبر رئاسته تهديداً مُحتمَلاً. فإذا قام رئيس الجمهورية بتعزيز سلطة الدولة، فإن ذلك قد يضرّ بمصالح الحزب. ولهذا السبب قرّر في الأشهر الأخيرة تأييد قانون جديد للإنتخابات يستند إلى التمثيل النسبي. وكانت حسابات “حزب الله” ترتكز على أنه إذا قبل منافسوه مثل هذا القانون، فإنهم سوف يضعفون سياسياً. وإذا إستمرّوا في رفضه، فإن الفراغ اللبناني سيطول، مما يتيح له حرية واسعة لمتابعة جدول أعماله.
وقد أدّى النقاش حول القانون النسبي إلى تقسيم سياسيي لبنان، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى أن الكثيرين منهم سينخفض تمثيلهم السياسي في البرلمان إذا ما أُدخل هذا النظام. ومن شأن القانون النسبي إذا حلّ محل القانون الأكثري الذي صدر في العام 1960، أن يسمح للممثلين الأقل تأثيراً بالدخول إلى مجلس النواب.
ومن المتوقع في هذه الحالة أن يفقد إثنان من السياسيين البارزين سعد الحريري ووليد جنبلاط بعض المقاعد. ويرحّب “حزب الله” بهذا، لأنه يعتبر كلا الرجلين من بين خصومه اللبنانيين الرئيسيين.
في الوقت عينه، لا يتوقع “حزب الله” أن يفقد الكثير من الدعم الشيعي بسبب النسبية. إن الحزب وحليفته حركة “أمل” يسيطران معاً على الغالبية العُظمى من الأصوات الشيعية. وبالتالي، فإن نتيجة القانون النسبي ستكون على الأرجح كتلة برلمانية شيعية مُوحَّدة تواجه زعماءً سياسيين منافسين. وعلى الرغم من أنهما قد يكونان مُهيمِنين في مجتمعاتهما المحلية، فإنهما لن يستطيعان ضمان الحيازة نفسها بالنسبة إلى جميع المرشحين في دوائرهما الإنتخابية كما هو الواقع بموجب قانون العام 1960.
في البداية، سهّل عون وحليفه الماروني سمير جعجع جهود “حزب الله” من خلال معارضتهما الصارمة لقانون 1960 حتى قبل العثور على بديل. وبفعلهما ذلك، فقد سمحا للحزب بأن يصعّد موقفه بالنسبة إلى القانون النسبي ويعرقل طريق أولئك الذين جادلوا بأنه في غياب توافق في الآراء حول القانون النسبي، يجب على لبنان العودة إلى قانون 1960 النافذ والمعمول به.
من جهتهما لم يفعل عون وجعجع إلّا تسهيل عرقلة “حزب الله” وعدم الوقوف في وجهها. لقد كان كلا الرجلين يعلنان المواقف ويلعبان لقواعدهما المسيحية، التي تعارض قانون 1960 لأنها تشعر بأنه يعطي الكثير من الحرية للسياسيين المسلمين لإختيار المُرشّحين المسيحيين على قوائمهم الإنتخابية. وفي ضوء ذلك رفض كلاهما التصويت لصالح تمديد برلماني جديد، قائلين بأن الوقت قد حان للتوصل إلى حلّ توفيقي.
وعندما بدا ذلك مستحيلاً، أقدم عون على تحوّل كبير من تلقاء نفسه. في لقائه مع أعضاءٍ من نادي الصحافة في 23 أيار (مايو) الجاري، ذكر أنه ما لم يتم الإتفاق على قانون جديد للإنتخابات، فإن العودة إلى قانون العام 1960 أمرٌ لا مفرّ منه. وتهدف تصريحاته الى تجنب الفراغ الذي قد يقوّض رئاسته. لقد بدا أخيراً أن عون أدرك الأخطار الحقيقية التي قد تصاحب المزيد من الخلاف.
أحدها هو أن لبنان في حالة إقتصادية سيئة وضائقة مالية كبيرة. إن إحتمال حدوث المزيد من الجمود المؤسسي يُثير قلق المستثمرين وشبح الانهيار الإقتصادي بدأ يمدّ رأسه. لقد دمّرت ست سنوات من الصراع في سوريا الإقتصاد اللبناني، حيث صدّر إليه ثقل نحو 1.5 مليون لاجئ سوري. إن المناورات الفارغة للطبقة السياسية تزيد الأمور سوءاً، مما يؤدي إلى تآكل أي إلتزام دولي تجاه لبنان.
وعلى الرغم من أن عون حافظ على علاقاته مع “حزب الله”، فإنه ليس على إستعداد للقيام بذلك على حساب ولايته الرئاسية. وعلاوة على ذلك، قد يذكر الرئيس اللبناني أنه في إنتخابات عامي 2005 و2009، فقد فاز بكتلة برلمانية كبيرة تاريخياً بموجب قانون 1960.
إذا كانت تصريحاته الأخيرة تمهّد الطريق لإجراء إنتخابات في غضون ثلاثة أشهر بعد إنتهاء فترة ولاية البرلمان، فإن عون سوف يتغلب على الإنهيار الذي يبدو أن “حزب الله” حريص جداً على السماح به.
ربما أدرك عون أن الحزب، في رغبته بدولة ضعيفة، ربما جعل لبنان قريباً جداً من أن لا تكون فيه دولة لإضعافها. إن إحياء قانون العام 1960 لم يكن سوى محاولة لإنقاذ رئاسته، وربما أدّت إلى مفاجأة وقانون ربع الساعة الأخير. وسنرى قريباً ما إذا كان يمكنه أن ينجح.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى