هل تصبح “بيتكوين” عملة المستقبل؟

بقلم كابي طبراني

منذ ما يقرب من 400 عام، عرفت هولندا شكلاً غريباً من حمى الإستثمار. وفي ذروة الطفرة، التي كانت تنطوي على تجارة الزنبق (التوليب)، تم بيع منزل مركزي مهم في وسط أمستردام بعشر باقات من زهور الزنبق، حبث كانت تساوي ثروة صغيرة في ذلك الوقت. لكن الفقاعة إنفجرت في العام 1637، ولم يعرف أحدٌ لماذا توقّف المشترون فجأة عن الذهاب إلى السوق، إلّا أن هذا النمط من العمل في القرن السابع عشر في هولندا قد تكرر في الأسواق المالية العالمية مراراً وتكراراً منذ ذلك الحين – مثل فقاعة ال”دوتكوم” (التجارة على الإنترنت) وأزمة “الرهن العقاري” في هذا القرن وحده.
منذ أيام، وصف جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لمصرف “جي بي مورغان تشيس”، العملة الإفتراضية “بيتكوين” بأنها “أسوأ من باقات التوليب”. ومن المعلوم أن “بيتكوين” قد وفّرت عوائد مُذهلة للمستثمرين، حيث إرتفعت قيمتها من أقل من 400 دولار في العام 2015 إلى حوالي 5000 دولار في بداية هذا الشهر. وقال ديمون: “هذه العملة لن، ولا يمكنها أن، تعمل. ذلك أنه لا يمكن أن يكون لديك عمل (بيزنس) حيث يُمكن لأصحابه أن يخترعوا عملة من لا شيء ويعتقدون أن الناس الذين يشترونها هم أذكياء”.
وتكشف تعليقات ديمون مرة أخرى الفجوة القائمة بين أولئك الذين يعتقدون أن العملات الخفية (وتكنولوجيا “بلوك تشين” التي تدعمها) تمثل المستقبل وأولئك الذين لا يعتقدون ذلك.
ويقول دعاة معاملات “بيتكوين” أنهم يضفون الديموقراطية على النظام المالي، ويأخذون السلطة بعيداً من “حراس البوابة” المعدودين ويضعونها في أيدي الكثيرين.
الواقع أن الكثير من الشكوك التي تُحيط ب”بيتكوين” يُغذّيها الخوف من أن إزدهار هذه العملة اللامركزية يُمكن أن يقلب النظام المالي الذي يسيطر عليه عدد قليل جداً من “الحراس”. بالنسبة إلى إثبات القوة الحالية لصناع السوق التقليدية، فقد أدّت تعليقات ديمون إلى تراجع قيمة “بيتكوين” إلى أقل من 4000 دولار.
لا شك أن العالم العربي لديه مصلحة كبرى في الدخول في هذا النقاش وإجراء الدراسات المُعمَّقة في هذا المجال. ففيما أعلن البنك المركزي المصري في 17 آب (أغسطس) الفائت بأنه لم يسمح بإستخدام العملة الإفتراضية “بيتكوين”، وحظر البنك المركزي اللبناني إستعمالها منذ إنطلاقتها، فقد إختتم البنك المركزي في دولة الإمارات العربية المتحدة منذ أيام مراجعة العملات الخفية والإفتراضية التي قد تتطلب قوانين جديدة. بيد أن “بيتكوين” تُعتَبَر قانونيةً في دولة الإمارات وقد شهدت إستعمالاً ملحوظاً أخيراً في سوق العقارات. في الوقت عينه، تسعى دبي إلى أن تكون أول حكومة “ذكية” في العالم تعتمد على تكنولوجيا “بلوك تشين”. وتعتقد بأن ذلك سيفتح الباب أمام مليارات الدراهم من المدخرات لإستخدامها في هذه التكنولوجيا التي باتت منتشرة عالمياً. فمثلاً تستخدم سوق “ناسداك” للأوراق المالية تكنولوجيا “بلوك تشين” لتسهيل صفقات الأسهم للشركات الخاصة، فيما تقوم بورصة لندن والبورصة الألمانية بدراسة تقييمية لإستخدامها.
إن العملات الخفية والإفتراضية هي “تخريبية” ومُعقّدة من حيث الطبيعة والتصميم. ومن الصعب أن تُفسَّر بشكل صحيح، تماماً كما هو الحال مع فَهم الهَوَس الهولندي بالنسبة إلى “التوليب” في القرن ال17. أولئك الذين يسعون إلى إيجاد إجابات عن “بيتكوين” قد ينظرون إلى مثال تاريخي آخر، وهذا المثال هو من صناعة التكنولوجيا. بدأ سهم شركة “أبل” التداول بسعر 22 دولاراً في العام 1980. اليوم، تساوي الشركة أكثر بمئات المرات.
لكن، على مدى 30 عاماً، تراجع سعر سهم “أبل”، في بعض الأحيان، بشكل كبير، حيث إنخفض إلى 14 دولاراً في العام 2002. لذا سوف نحتاج إلى بعض الوقت للحكم على “بيتكوين” في المدى الطويل لكي نفهم تماماً إذا كانت هي عملة المستقبل أو، كما يعتقد ديمون، هي آلية تتمتع بلحظة وجيزة من الإزدهار، مثل زهور التوليب في القرن ال17.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى