عندما يتناقض الواقع مع فصول الكتاب

صدر بالإنكليزية أخيراً عن “كامبريدج يونيفيرسيتي برس” في بريطانيا كتابٌ بعنوان “التحوّلات الديموقراطية في العالم العربي” (Democratic Transitions in the Arab World) جمع دراساته إبراهيم البدوي وسمير مقدسي. وهذا الكتاب جاء نتيجة لمشروع بحثي دام أربع سنوات، حيث يقدم تحليلاً شاملاً لديناميات التحوّل الديموقراطي وحالة الديموقراطية والاستبداد من تونس والسودان ومصر إلى سوريا والكويت ولبنان.

راجعه هيكل مهدي

في محاولتهما لفهم لماذا تبدو الديموقراطية غير قادرة على إيجاد أرضية لها في الدول العربية، فإن مُحرِّرَي وجامعَي هذه المجموعة من المقالات، الدكتور إبراهيم البدوي من مركز التنمية العالمية والدكتور سمير مقدسي من الجامعة الأميركية في بيروت، يرفضان إعتبار تأثير الفرص التعليمية، والدخل، وإدماج المرأة في الاقتصاد كمعايير لنجاح (أو عدم وجود) التحوّل الديموقراطي. وبدلاً من ذلك، فإنهما يدفعان بفكرة أن الديموقراطية يعوّقها أو يُعيقها ريع الهيدروكربونات، وخصوصاً “عندما يتم إستخدامه لخلق فرص العمل”. وكفرضية، قد تكون وجهة النظر هذه جديرة بالدراسة، ولكن من المستغرب بأنه من بين كل الدراسات الواردة في المجلد التي تشمل حالات ستة بلدان، هناك واحدة فقط تركّز على دولة مُنتجة للنفط: الكويت.
على الرغم من أن المُحررَين يحاولان ظاهرياً وضع إطار مفاهيمي لتحليل حالة المساهمين في الدراسات، فإنهما كانا غير قادرَين على تقديم حالة مقنعة لنظريتهما. وتوصلا إلى إستنتاجات تتناقض مع أطروحة الهيدروكربونات وبديهياتها: “الصراعات هي عقبات أمام إرساء الديموقراطية في حد ذاتها بغض النظر عما إذا كانت الموارد الطبيعية موجودة”. في فصل لعبد الوهاب الإفندي من معهد الدوحة للدراسات العليا، يحتفل المؤلف “بمعجزة الربيع العربي” وبإعتقاده بأن “المجتمع المدني العربي كان حياً وعلى ما يرام”. وبالنظر إلى فشل الحركة في إحداث تغيير دائم وديموقراطي في أي دولة من الدول المتضررة ما عدا واحدة (أي تونس)، فإن ذلك لا يبدو أنه مثال يستحق الثناء وإعتباره “تحوّلاً ديموقراطياً”.
في مناقشة عن تحوّل مصر الذي طال إنتظاره – والذي لم يتحقق بعد- إلى الديموقراطية، تجنّب كلٌّ من نهى المكاوي ومحمد محي الدين وسارة العشماوي إنتقاد نظام عبد الفتاح السيسي وإختيارهم بدلاً من ذلك قائمة من تحوّلات ثورية مُتصَوَّرة في 1919، 1952، 2011، و2013، حيث أن واحدة فقط منها أنتجت فترة عابرة شبه ديموقراطية. ويُلقي الكتّاب اللوم لفشل الديموقراطية في مصر على تأثير الجيران، ولا سيما الحروب الأهلية في ليبيا وسوريا واليمن، متجاهلين الفوضى التي سببتها أعمال جماعة “الإخوان المسلمين” الحاكمة آنذاك غير الديموقراطية والمصلحة الذاتية للطبقة العسكرية في مصر.
كما أن دراسات حالات أخرى تُقدم إستنتاجات مشكوكاً فيها مماثلة. وتعليقاً على المأزق الديموقراطي في الكويت، يلجأ البدوي وعاطف قبرصي إلى إلقاء اللوم على العجز الديموقراطي في المنطقة العربية بسبب عدم التوصل إلى “حل عادل وشامل للصراع العربي – الإسرائيلي” .
من ناحية أخرى يعتقد مقدسي ويوسف الخليل في إحتمال تحوّل الديموقراطية التوافقية في لبنان إلى ديموقراطية كاملة. ويبدو أن المؤلفين يخلطان بين التسوية والتوافق. لبنان لا يفي بالمتطلبات الأساسية للديموقراطية التوافقية لأن سكانه المنقسمين لا يتحركون سياسياً. ومن السذاجة مناقشة تحوّل لبنان إلى ديموقراطية كاملة ما دامت الهوية الطائفية شرعية ومؤسسية. وسرعان ما يرفض المؤلفان النتيجة غير المؤكدة لتورط “حزب الله” في النزاع السوري، حيث يستنتجان بأن ظهور الجماعات الأصولية في سوريا قد خلق توافقاً وطنياً لبنانياً للتعامل مع التهديد الناشئ.
ويتجنب الكِتاب الإنتقاد الجدي للأنظمة العربية مع مساهمين يربطون بين الموضوعية العلمية والعلمانية، ويُغرقون القراء بكل مصطلح إقتصادي يستطيعون التفكير فيه ويحيِّروهم بجداول إحصائية طويلة بدلاً من تقديم حجج مُقنعة. وهذا النقص في التركيز يثير مشكلة للتحوّل الديموقراطي. ويلخّص المحرران الكتاب بالتنبؤ بإنتصار الديموقراطية العربية لأنه “منطق التاريخ”. إذا كان هذا هو منطق التاريخ، فإن هذا الكتاب عندها لا طائل منه. وإذا لم يكن كذلك، فهذا الكتاب هو أيضاً لا طائل منه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى