هل يستطيع حزب الأصالة والمعاصرة المغربي مواجهة الضغوط التي تعصف به؟

بعدما قدم أمينه العام إلياس العَماري إستقالته من منصبه في الشهر الفائت، يحاول حزب الأصالة والمعاصرة المغربي استعادة جدارته السياسية عبر تحميل حزب العدالة والتنمية مسؤولية أزمة الحسيمة التي أشعلت إحتجاجات كبيرة في الريف.

إلياس العَمَاري: إستقالته جاءت إختيارية أم أُجبر عليها؟

الرباط – عبد الفتاح نعوم*

قدّم إلياس العَمَاري، الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة المغربي، المُقرَّب من القصر الملَكي، إستقالته من منصبه في الثامن من آب (أغسطس) الفائت، على وقع إستمرار الإحتجاجات الشعبية حول مدينة الحسيمة في منطقة الريف. وقبل أسبوع على ذلك، كان العاهل المغربي، الملك محمد السادس، ألقى خطاباً قاسي اللهجة، إنتقد فيه بشدة السياسيين والمسؤولين المُنتخَبين، رابِطاً بين الإحتجاجات الجارية وواقع فساد الإدارة والأحزاب، ومُطالباً بإستقالة كل مسؤولٍ لا يعتبر نفسه قادراً على القيام بواجباته وتحمّل مسؤولياته. وفيما تتراكم الضغوط على حزب الأصالة والمعاصرة الذي يخوض منافسة حادة مع حزب العدالة والتنمية، فإن الأول يريد أن يؤكد مجدداً جدارته السياسية بمواجهته للأخير وتحميله في الوقت نفسه مسؤولية أزمة الحسيمة.
وإلياس العَمَاري سياسي مُحنَّك مثيرٌ للجدل أمضى أقل من عامين في منصبه كأمينٍ عام لحزب الأصالة والمعاصرة. ويُرجِّح خصومه بأنه “أُجبر على الإستقالة” بعدما فشل في تحقيق أهداف الحزب التي تأسس من أجلها، والتي أعلنها مؤسسه فؤاد عالي الهمة – كاتب الدولة السابق في الداخلية والسياسي المقرب من الملك محمد السادس. وكان الهمة ترأس لائحة مستقلة وقادها إلى إنتصار كاسح في إنتخابات العام 2007، التي أعلن على أثرها أنه عاد إلى الشأن الإنتخابي والعمل السياسي لتحدّي صعود الإسلام السياسي والوقوف في وجهه، وبعدها تتابعت الأحداث في هذا الإتجاه وصولاً إلى تأسيس وإطلاق حزب الأصالة والمعاصرة، الذي إحتلّ صدارة الإنتخابات البلدية في العام 2009.
الواقع أن إستقالة إلياس العَمَاري هي الثانية منذ تأسيس الحزب، حيث كانت الأولى إستقالة الهمة نفسه في كانون الأول (ديسمبر) 2011 بعد تعيينه مستشاراً ملكياً. وجاء ذلك بعدما إستهدفته شخصياً بالنقد شعارات حركة 20 فبراير (شباط)، وكانت النتيجة أن تصدّر حزب العدالة والتنمية نتائج إنتخابات تشرين الثاني (نوفمبر) 2011، وتراجع حزب الأصالة والمعاصرة إلى المرتبة الرابعة. وفي الإنتخابات الجماعية والجهوية في أيلول (سبتمبر) 2015، تمكن حزب العدالة والتنمية من إحتلال المرتبة الأولى في عدد المقاعد المخصصة للمجالس الجهوية، في حين تمكن حزب الأصالة والمعاصرة من الفوز بغالبية المقاعد البلدية، وهكذا إستطاع العماري (الذي كان آنذاك نائب الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة) الفوز بمنصب رئاسة جهة طنجة – الحسيمة – تطوان. وتعززت صورة العَمَاري كقائد للحزب قد يكون قادراً على تنشيطه وإخراجه من حالة الضعف والترهل التي لحقت به جراء أدائه المخيّب للآمال منذ العام 2011.
لكن في الإنتخابات البرلمانية التي جرت في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2016، حلَّ حزب العدالة والتنمية مجدداً في المركز الأول، في حين جاء الأصالة والمعاصرة في المركز الثاني. وقام الملك مجدداً بتعيين عبد الإله بنكيران رئيساً للحكومة. بعد ثلاثة أسابيع، شهدت مدينة الحسيمة مقتل بائع السمك محسن فكري، وتبع ذلك تنامٍ مطرد في الإحتجاجات الشعبية المطالبة بتأهيل البنى التحتية للمدينة. وكان الملك محمد السادس أطلق بالفعل برنامجاً تنموياً للمنطقة في تشرين الأول (أكتوبر) 2015 بعنوان “الحسيمة: منارة المتوسط”، والذي كان من المفروض أن يتم تنفيذه تحت إشراف العَمَاري، الذي أصبح رئيساً لمجلس جهة طنجة – تطوان – الحسيمة، وذلك تنفيذاً للتوجيهات حول التنمية البعيدة المدى في المنطقة عقب الزلزال الذي ضربها في العام 2004. لكن المشروع لم يتم تنفيذه منذ ذلك التاريخ إلى أن إنطلقت الإحتجاجات.
كشف العَمَاري، في مقابلة عبر قناة “الأولى” في 15 حزيران (يونيو) الماضي، أنه حذّر بنكيران، في 26 تشرين الأول (أكتوبر) 2016، بعد يوم واحد على مقتل فكري، من تداعيات الحادثة على المنطقة، لكنه أردف أن إهتمام بنكيران وسواه من الأفرقاء كان منصبّاً بالكامل على تشكيل الحكومة طيلة فترة الأزمة، مضيفاً أنه قد راسله بشكل رسمي يطلب المعطيات والمعلومات من حكومته في ما يتعلق بالحادثة وحيثياتها كي يتمكن كمسؤول عن رئاسة الجهة من تقديم التوضيحات اللازمة للسكان. وذكر العَمَاري في السياق ذاته، أن بنكيران أجابه يوم 4 تشرين الثاني (نوفمبر)، رافضاً إمداده بأي معلومات، بسبب عدم وجود أي سند قانوني يخوّل لرئيس الجهة أن يطالب رئيس الحكومة بمعلومات مماثلة.
ومنذ ذلك الوقت، دأب المحتجون على تحميل المسؤوليات لجميع الأطراف، أي لرئاسة جهة طنجة – تطوان – الحسيمة، وللحكومة، ولوزير الفلاحة والصيد البحري عزيز أخنوش، في حين أصر جميع هؤلاء على تقاذف المسؤوليات بينهم. وهكذا أصبحت أحداث الحسيمة ساحة جديدة من ساحات التنافس بين حزبَي الأصالة والمعاصرة والعدالة والتنمية، خصوصاً عندما أقدم العَمَاري على إنتقاد بنكيران بسبب حؤوله دون تنفيذ مشروع “الحسيمة، منارة المتوسط”، الذي يضم مشاريع في البنى التحتية والمرافق الإجتماعية والصحية وغيرها من المحاور التي ضمّنها المحتجون في الحسيمة لملفاتهم المطلبية.
ففي إعتقاد حزب الأصالة والمعاصرة هو أن حزب العدالة والتنمية هو المسؤول الأول عن ذلك التعثر، لأن إطلاق المشروع جاء في خضم الولاية الحكومية التي ترأسها بنكيران، كما أنّ تفاقم الأزمة والاحتجاجات كان خلال فترة تصريف الأعمال التي دخلتها تلك الحكومة بعد إنتخابات 7 تشرين الأول (أكتوبر). غير أن بنكيران يسعى جاهداً إلى المراوغة وإبعاد مسؤوليته ومسؤولية حزبه من تبعات تلك الأزمة، مؤكداً على ذلك خلال الخطاب الذي ألقاه في الملتقى الثالث عشر لشبيبة حزبه في آب (أغسطس) المنصرم، عندما إتّهم حزب الأصالة والمعاصرة بعدم الفعالية في إدارة جهة طنجة – الحسيمة – تطوان. ويستمر حزب الأصالة والمعاصرة في اتهام بنكيران بإهمال تنفيذ مشروع تنمية الحسيمة ضد رغبة العماري وإرادته، لأن العدالة والتنمية يعتبر أن العَمَاري فاز برئاسة جهة طنجة – تطوان – الحسيمة عبر إستغلال النفوذ السلطوي للأصالة والمعاصرة داخل مصالح وزارة الداخلية، من أجل تغيير خريطة التحالفات لصالحه.
لقد عرقلت أزمة تشكيل الحكومة المحاولات التي يبذلها بنكيران كي يستمر في نهجه السياسي المناقض لنهج الأصالة والمعاصرة، لكنها كشفت أيضاً عجز الأصالة والمعاصرة في التصدي لتقدم العدالة والتنمية. وفي السياق عينه، تسبّب عزيز أخنوش، الأمين العام الجديد لحزب التجمع الوطني للأحرار، في حدوث أزمة في تشكيل الحكومة بسبب الشروط المسبقة التي فرضها للانضمام إلى الإئتلاف وكان يعلم أن بنكيران سيرفضها، مساهماً بدوره في تعميق المأزق. في غضون ذلك، ونظراً إلى أن حزب الأصالة والمعاصرة لم يحقّق النجاح الانتخابي الذي كان يطمح إليه، كانت الحصيلة تراجع الحزب إلى خلفية المشهد. وبعدما كان يطمح إلى تصدّر النتائج من جديد وتشكيل الحكومة، وإعادة العدالة والتنمية إلى صفوف المعارضة، أصبح غير معني حتى بإبداء الرأي حول المشاورات، وعاد إلى موقع الدفاع عن النفس، وتحميل مسؤولية أزمة الحسيمة للعدالة والتنمية.
إن الصراع على الزعامة بين الحزبَين يدور أيضاً على مستوى شخصي، بين العَمَاري وبنكيران. ولذلك فقد راج حديث عن إجتماع حضره العَماري، ودعا فيه إلى عرقلة مساعي بنكيران لتشكيل حكومته الثالثة، وهو ما نفاه العَماري لاحقاً. وبعد إعفاء الملك لبنكيران من مهمة تشكيل الحكومة، قام بتكليف سعد الدين العثماني، الأمين العام السابق للعدالة والتنمية، برئاسة الحكومة، وقد تمكّن هذا الأخير من تشكيلها في ظرف وجيز. لكن الحكومة الجديدة فشلت في إيجاد حل لأزمة الحسيمة المستفحلة، وتورطت بدلاً من ذلك في إبداء لغة عدائية تجاه المُحتجين ومطالبهم. وفيما تسبّبت الأزمة بإضعاف الحكومة التي تعاني أصلاً من الهشاشة بقيادة حزب العدالة والتنمية، فقد رأى العَماري في الخطاب الملكي فرصة للعودة من جديد إلى واجهة الأحداث السياسية عبر بوابة الاستقالة، والتلميح إلى أنه ينبغي على قيادة حزب العدالة والتنمية أن تقوم بالمثل.
على الرغم من أن العَماري أعلن في مؤتمر صحافي أن السبب الحقيقي لاستقالته يكمن في رغبته في تحمل مسؤوليته عن تأييده رؤساء الجماعات والبرلمانيين الذين إتخذ المكتب السياسي للحزب في حقهم قرار الإقالة بسبب تصويتهم عكس ما يمليه النهج الحزبي، إلا أن هذه الرواية لم تُقنع الكثيرين، لا سيما وأن رؤساء الجماعات والبرلمانيين في معظمهم ينتمون إلى الأعيان الكثيري “الترحال السياسي” بين الأحزاب، وبالتالي ليس منطقياً أن يُنتظَر منهم الانضباط لمدوّنة سلوك الحزب.
إعتبر العَمَاري أن إستقالته هي أمر عادي جداً، وأن هذا ما ينبغي أن يحدث حينما يشعر مسؤول بأنه مخطئ، متسائلاً: “لماذا في التاريخ السياسي المغربي منذ الاستقلال لم يقل مسؤول حزبي أو سياسي يوماً إنه أخطأ وسيستقيل؟” كما إعتبر أنه يتوقع التشكيكات في خلفيات إستقالته من طرف منافسيه. أراد العَمَاري أيضاً أن يُحرج بنكيران الذي قد يترشح لولاية ثالثة في منصب الأمين العام للعدالة والتنمية، بعد تعديل النظام الأساسي، وذلك لأنه لم يعترف بأخطائه في أعقاب خطاب العرش الذي ألقاه العاهل المغربي. كذلك توفر إستقالته فرصة للمُنتسبين في الحزب كي يتمكنوا من تعزيز وجودهم في الحزب كمؤسسة، وليس كأشخاص مرتبطين بزعامة شخص ما. إذاً يعتبر عدد كبير من أعضاء الحزب بأن خيار العماري كان قاسياً للحزب لكنه ضروري وإيجابي.
في المرة الأولى كبحت أحداث 2011 إندفاعة حزب الأصالة والمعاصرة، وفي المرة الثانية كبحته أحداث الحسيمة. لقد إجتهد كثيراً لكي يظهر بمظهر حزب يساري يتمتع بالمصداقية وأصالة القرار، ويقدّم نفسه بوصفه قادراً على وقف تقدّم إسلاميي العدالة والتنمية، وإجتهد لكي يتجنب تصويره بأنه حزبٌ يريد إفساد الحياة السياسية المغربية. يعيش الحزب وضعاً صعباً، انتهى باستقالة واحد من أهم الزعماء الذين كان بإمكانهم إثبات جدارته وتحسين أدائه، لولا ضغوط التنافس مع العدالة والتنمية، وتداعيات ملف الحسيمة. لكنه نجح، في أقل تقدير، في إنعاش المشهد السياسي المغربي وتنويع مواضيع النقاش.

• عبد الفتاح نعوم باحث في العلوم السياسية في جامعة محمد الخامس في الرباط. لمتابعته عبر تويتر: AbdelfattahN@

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى