لماذا غُيِّبت المرأة تقريباً في البرلمان اللبناني

مرة أخرى، تجاوز السياسيون اللبنانيون حصة أو “كوتا” المرأة التي كانت ستضمن 30 في المئة كحد أدنى من المقاعد في البرلمان للنساء ولم يتطرقوا إليها. ولكن ذلك لا يعني أنه ينبغي على اللبنانيات التوقّف عن المطالبة والضغط والدفع لتحصيل حقوقهن السياسية.

مجلس الوزراء اللبناني: سيدة واحدة من أصل 30 وزيراً

بقلم جوانا عزيز

تُشكّل حقوق المرأة في لبنان حالياً موضوعاً رئيسياً يثير الإهتمام والقلق على الساحة الوطنية – وهذا موضوعٌ مُحقّ ومهم.
في حزيران (يونيو) الفائت، قرّر السياسيون اللبنانيون مرة أخرى إستبعاد نظام الحصص (الكوتا) الذي يُحفّز ويعزز التمثيل المتساوي للمرأة في البرلمان عندما شرّعوا قانون الإنتخابات الجديد. وكان من شأن نظام الحصص هذا أن يكفل 30 في المئة كحدٍّ أدنى من المقاعد في مجلس النواب للنساء حتى يتمكَنَّ من القيام بدور ناشط في صنع القرار السياسي.
في الوقت الراهن، تشكّل النساء في لبنان نسبة 3.1 في المئة من مجموع النواب في المجلس النيابي – أربعة من أصل 128 مقعداً – و3 في المئة من مجموع الوزراء في الحكومة – سيدة واحدة من مجموع 30 عضواً. علماً أن المتوسط العالمي لنسبة النساء في المجالس النيابية يبلغ 22 في المئة.
الواقع أن عدم التوصل إلى إتفاق حول الكوتا النسائية يشير إلى موضوع مُتكرّر في لبنان حيث غالباً ما تكون حقوق المرأة مُهمَّشة. والسؤال هنا: لماذا فشل النظام مرة أخرى في إنجاز التشريع ودراسة مجالات قانونية أخرى – الإغتصاب والمواطنة ورفاه المرأة – حيث لم تحصل المرأة بعد على حقوق متساوية؟ فقط عندما نستطيع أن نُحدّد المشاكل يُمكن أن نجد إجابات قابلة للتطبيق ومستدامة.

الكتلة الحرجة

قبل سبعة عشر عاماً، وقّع لبنان إتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، التي وضعتها الأمم المتحدة. وكثيراً ما تُوصَف هذه الإتفاقية بأنها الإعلان الدولي لحقوق المرأة، وهي تضم 30 مادة تتناول ما تعتبره تمييزاً ضد المرأة وخطة شاملة لإنهاء ذلك.
ومن خلال توقيعه على الإعلان الدولي، فإن لبنان قد وافق رسمياً على “إدماج مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في نظامه القانوني وإلغاء جميع القوانين التمييزية وإعتماد القوانين المناسبة التي تحظّر التمييز ضد النساء”.
وقد أشارت الدراسات الأكاديمية إلى أنه عندما تقل نسبة تمثيل المرأة في البرلمان عن 30 في المئة، فلن يكون هناك عدد كافٍ من النساء – أو كتلة حرجة – لتشكيل كتل حاسمة ومؤثّرة. وفي المؤتمر العالمي للمرأة الذي عقدته الأمم المتحدة في بكين في العام 1995، حُدِّد هذا الهدف بنسبة 30 في المئة للنساء في مناصب صنع القرار في جميع أنحاء العالم.
ولكن إذا نظرنا إلى ما تمّ الإتفاق عليه وما حدث منذ ذلك الحين، نُدرك أن هناك نقصاً في الإتساق والتوافق مع الاتفاقية.
في الوقت الحالي، تشغل النساء في البرلمان اللبناني أربعة مقاعد من أصل 128 مقعداً، أي أقل من ستة مقاعد التي كانت موجودة في العام 2005، وهي أقل من الحد الأدنى ل39 نائباً. وهذه الأرقام مُنخفضة بشكل مذهل، وتشير إلى فشل كبير للوصول إلى المساواة السياسية بين الجنسين في لبنان.

لَسنَ أقلية

من المعروف أن لبنان هو بوتقة تنصهر فيها قطاعات دينية وطائفية مختلفة (18 طائفة) بما فيها الطوائف المسيحية المارونية والأرثوذكسية والكاثوليكية، والطوائف المُسلمة السنية والشيعية والدرزية. كما يستضيف على أراضيه حالياً ما يقدر بنحو مليون ونصف المليون نازح سوري وحوالي 450,000 لاجئ فلسطيني.
ويقوم البلد على نظام توزيع الحصص الذي تأسّس على فكرة إشراك الأقليات الدينية أو الإثنية أو اللغوية من طريق تخصيص مقاعد في مراكز الحكم حيث يمكنها أن تؤدي دوراً نشطاً في إتخاذ القرارات، لا سيما تلك التي تؤثر فيها مباشرة.
إن حجز المقاعد على أمل تشكيل برلمان متنوع أنشأ نظاماً تُصنَع فيه السياسات بتوافق الآراء والإحتياجات المشتركة.
لكن النساء في لبنان لَسنَ أقلية. فهن يشكّلن ما يقرب من نصف السكان، مما يثبت كذلك، نظراً إلى تمثيلهن الكئيب، كيف تمّ تهميش النساء بشكل منهجي كصانعات للسياسات والتأكيد لماذا يجب تحقيق الكوتا.

ما وراء الكوتا

كلمة “كوتا” لها أصول لاتينية تعني “عدد محدود أو ثابت أو كمية من الناس أو الأشياء”. وفي البرلمانات والمجالس البلدية، تُقترَح نُظُم الحصص كحلٍّ مؤقت لمعالجة مشكلة ضعف مشاركة المرأة في الحياة السياسية.
وقد تم إعتماد نظام الحصص بنجاح في الأردن والعراق ويمكن تنفيذه بطرق مختلفة. أحد النماذج يقترح حجز عدد مُعيَّن من المقاعد للنساء. وآخر يتطلب قانونياً من الأحزاب السياسية ترشيح عدد أدنى من النساء في قوائمها الإنتخاببية. كل نموذج له مزاياه وعيوبه.
ولكن تنفيذ نظام الحصص ليس كافياً. إن البرلمانيات غالباً ما يواجهن مواقف عدائية وعدوانية في هذه المجالس “الذكرية”. فعلى سبيل المثال، وضع النائب اللبناني إيلي ماروني اللوم على النساء اللواتي يتعرّضن للإغتصاب في مؤتمر صحافي في أواخر العام الماضي. كما قال إنه يعارض منح المرأة اللبنانية الحق في منح جنسيتها لأطفالها.
إذا أخذنا في الإعتبار قوانين تمييزية أخرى مثل تلك المتعلقة بالطلاق وحقوق الملكية ورعاية الأطفال، فسوف نبدأ في إدراك وفهم أن حقوق المرأة في لبنان غير محمية، وتستند إلى أسس غير متكافئة وتتطلب إعترافاً جدياً.
وتنص المادة 7 من الدستور اللبناني على المساواة في الحقوق والإلتزامات والواجبات بين جميع المواطنين. ومع ذلك، فإن مسائل الزواج أو الطلاق أو الميراث أو حضانة الأطفال، يتم حلها في المحاكم الدينية التي لا يحكمها الدستور ولا تضمن وضع المساواة في الحقوق.
في السنوات الأخيرة، قدّمت منظمات حقوق المرأة للمسؤولين الحكوميين قانونين يهدفان إلى النهوض بشكل كبير بحالة المرأة في لبنان، حيث عُدل أحدهما و تمّ رفض الثاني.
واحدٌ من هذين القانونين الذي يقترح حماية المرأة من العنف العائلي تمّ تعديله، حيث مُنِحَت بموجبه المحاكم الدينية، وليس المحاكم المدنية، الولاية القضائية في القضايا ذات الصلة. والقانون الآخر الذي من شأنه أن يجرّم الإغتصاب الزوجي، واجه رفضاً من النواب.

المعركة مستمرة

إن الكوتا النسائية، ناهيك عن هدف بلوغ نسبة 30 في المئة من تمثيل المرأة في البرلمان اللبناني، لم تمرّ هذا العام لأننا لا نزال لا نُقدّر أهمية مساهمة المرأة في السياسة أو في أي مكان آخر في المجتمع. ولكن هذا لا يعني أننا يجب أن نتوقّف عن العمل والمطالبة والضغط والدفع.
في وقت سابق من هذا العام، أقام ناشطون لبنانيون عرضاً مُخيفاً لفساتين عرائس مُعلَّقة إحتجاجاً على المادة 522 التي تُعفي المغتصب إذا تزوج من الضحية. وتم إلغاء المادة.
إن الجهود التي تبذلها المنظمات غير الحكومية اللبنانية، مثل “أبعاد” و “كفا”، التي تهدف إلى معالجة الظلم ضد المرأة وشاركت في العرض، هي مثال أساسي عن كيف يؤدي التعاون والتصميم إلى إحداث تغيير ملموس.
هنا شيء واحد يمكننا القيام به الآن: مشروع مساعدة الإنتخابات اللبنانية التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي أنتج شريطين مصورين لمقاطع مُتحركة يوضّحان الأرقام غير المتوازنة الحالية في النظام السياسي اللبناني، ويرويان أهمية تنفيذ نظام الحصص للمرأة. لذا حاول(ي) المشاركة في إرسال مقاطع الفيديو هذه لإعطاء هذه المشكلة تغطية أوسع.
إن النضال من أجل المزيد من التمثيل السياسي سيؤمّن ويضمن بلداً أفضل ليس فقط لبناتنا، بل لأبنائنا أيضاً. واحدٌ حيث يمكنهم جميعاً على حد سواء التمتع بفوائد تكافؤ الفرص فيه، وعالمٌ يمكنهم فيه أن يحققوا كامل إمكاناتهم من دون أن يعوقهم نوع جنسهم، حيث يمكن الإعتراف بشخصيتهم الفردية والإحتفال بها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى