الواقع المرير لأطفال منطقة النزاعات

بقلم كابي طبراني

إن المكاسب العسكرية في المعركة الطويلة ضد “داعش” في الموصل قد تخفي قصةً مُقلِقة ومأساةً مُحتمَلة. وكما ذكرت التقارير الصحافية الأخيرة، فإن القوات العراقية قد حرّرت تقريباً كامل المدينة. ولكن الصحة والرفاه في المدى الطويل للمتضررين من النزاع، ليس فقط في العراق، ولكن في اليمن وسوريا وغزة، هي التي تشكل مصدر قلق متزايداً.
بعد التقرير الذي أصدرته منظمة أطباء بلا حدود في حزيران (يونيو) الفائت حول تأثير الحرب في العراق على الأطفال، ها هي منظمة إنقاذ الطفولة تصدر تقريراً جديداً منذ أيام بعنوان: “واقعٌ لا يُحتمَل: أثر الحرب والتشرّد في الصحة النفسية للأطفال في العراق”، والذي يُسلط الضوء على التجارب التي يعيشها ويعاني من تداعياتها الأطفال في الصراع.
لا شك أن قراءة هذا التقرير تُدمي القلوب، فهو يكشف عن أهوال العيش التي لا توصف في الموصل تحت حكم تنظيم “الدولة الإسلامية”، ويتطرق إلى “الإجهاد السام” الناجم من التعرّض المستمر للعنف والتهديد. وقد أعرب حوالي 90 في المئة من هؤلاء الأطفال عن قلقهم إزاء فقدان الحب والأمان. وقد وصف ما يقرب من نصفهم في تفاصيل بيانية العنف الذي كان على آبائهم تحمّله. وقال أحدهم البالغ من العمر عشرة أعوام: “كان هناك قصف طوال الوقت، وكان رجال “داعش” يسيرون حول المدينة يقتلون الرجال ويتركونهم معلّقين على أعمدة في الشوارع”. وتحدث آخر ويبلغ من العمر 12 عاماً عن “جثث … وأناس يبكون وينزفون”.
كثير من الآباء يقولون لأطفالهم أن كل عمل له نتيجة. والتعرّض للعنف اليوم يعني، على أقل تقدير، أن هذا الطفل يُحرَم من أي فرصة للتربية أو التنشئة العادية. إن عدم القدرة على الوصول إلى التعليم – وهو مصير يواجهه ملايين الأطفال في البلدان التي مزّقتها الصراعات – يزيد من تعقيد المشكلة ويترك أطفال اليوم أكثر عرضة للضلال والإجرام غداً.
إن قضاء سنوات التكوين والتنشئة في بيئة صعبة مثل الموصل يُمكن أن يؤدي إلى الإكتئاب في وقت لاحق من الحياة. ويُمكن أيضاً أن يجعلك أكثر توتراً، أكثر إضطراباً وأكثر عصبيةً. عدد قليل من الذين يهربون من براثن “داعش” سوف يمكنهم حقاً محو أهوال تلك الأيام من الذاكرة. وهؤلاء الأطفال الذين أُجبروا على العيش في مناطق الصراع هم أكثر عرضة للتحوّل إلى الإرهاب وإستخدام العنف بأنفسهم في المستقبل. هذه هي دورة العنف، والصلة القوية بين سوء المعاملة في مرحلة الطفولة والنتيجة في مرحلة البلوغ والرشد.
كل هذا يعني أن كل ما يحدث اليوم من المرجّح أن يكون له تأثيرٌ غداً. إنها لعنة هذه المنطقة أن تكون موطناً لبعضٍ من أصعب الصراعات في العالم. وهي التحديات التي يواجهها صانعو السياسات والسكان لكسر دورة العنف ومنعها في الجيل المقبل. في العراق، على وجه التحديد، يعني ذلك أنه إذا لم يُولَ إهتمامٌ كاف لهؤلاء الأطفال اليوم، فستكون هناك عواقب عميقة في ما بعد. ولكن لا يُمكن لأمّة واحدة أن تُعالج هذه المشكلة المُعقّدة وحدها. لقد وَضَع تقرير منظمة إنقاذ الطفولة وصفة علاج للعراق تعتمد على مزيج من الدعم من المانحين، والمساعدة من المجتمع الإنساني والدولي، والعمل الذي تضطلع به الحكومة المركزية.
إن الطريق الطويل إلى الإنتعاش يبدأ بالإعتراف والتعاطف. يحتاج أطفال الموصل إلى مساعدتنا اليوم لإعادة بناء حياتهم المُمزّقة وإيجاد بعض مظاهر الحياة الطبيعية في عالمهم المُحطّم. كما يحتاجون أيضاً إلى الرعاية والإهتمام في المدى الطويل. وإذا تجاهلنا تلك الصرخات، فكلنا سوف نعاني في وقت لاحق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى