قوّةُ حفظِ السَلامِ الأُمَمِيّة في لبنان بحاجةٍ إلى إعادةِ هَيكَلة – لا إلى التَخَلّي عنها

مايكل يونغ*

قد يكونُ مصيرُ قوّة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان ،ال”يونيفيل”، والمُقرّر التجديد لها في آب (أغسطس) المقبل، على المحك. وفقًا للنسخة العبرية من صحيفة “إسرائيل اليوم” الإسرائيلية اليومية الصادرة في 8 حزيران (يونيو)، اتفقت الولايات المتحدة وإسرائيل على إنهاءِ عمليات القوة الأُمَميّة، مع تمتُّع واشنطن برأيٍ رئيس في الأمر كونها تُمَوِّلُ حوالي ربع ميزانيتها.

مع ذلك، لا تزالُ النتيجةُ النهائية غير واضحة، ولا تزال السلطات اللبنانية مُتفائلة بتجديد ولاية ال”يونيفيل”. لكنَّ الأهمَّ اليوم هو أنَّ السياقَ قد تَغَيَّرَ بشكلٍ كبير خلال الأشهر الستة الماضية، بما في ذلك حالة عدم اليقين المُحيطة بالصراع بين الولايات المتحدة وإسرائيل وإيران.

عندما تَوَصّلَ لبنان وإسرائيل إلى اتفاقٍ لوقف إطلاق النار في تشرين الثاني (نوفمبر) الفائت، كانَ أحدُ جوانبِ الاتفاق تعزيزَ وتوسيعَ لجنةٍ يكون دورها “المراقبة والتحقق والمساعدة في ضمان إنفاذ [الاتفاق]”. واتفق الطرفان على أن يرأسها جنرالٌ أميركي، وأن تضمَّ ممثّلًا عن فرنسا، بالإضافة إلى ممثلين عن لبنان وإسرائيل وال”يونيفيل”.

بالتوازي مع ذلك، أرسلت إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن رسالةً جانبيةً إلى إسرائيل، منحت فيها الحكومة الإسرائيلية حقَّ توجيهِ ضربةٍ عسكرية ضدّ أيِّ انتهاكٍ للاتفاق – فورًا في جنوب لبنان، وبعد منح الجيش اللبناني مهلةً للقيام بذلك أولًا في أجزاء أخرى من البلاد. وقد حافظت إدارة دونالد ترامب على النهج نفسه، ولا تزال إسرائيل تُهاجِمُ أهدافًا ل”حزب الله” حتى يومنا هذا.

وليسَ من المُستَغرَبِ أنَّ هذا الوضعَ قد شَجّعَ إسرائيل على الموافقة على أيِّ قرارٍ أميركي بإنهاء وجود ال”يونيفيل”. لا شيءَ يروقُ للحكومة الإسرائيلية أكثر من استغلالِ حرّيةِ التصرُّف التي منحتها لها واشنطن في لبنان، بدون عبءِ الرقابة الدولية من خلال قوة الأمم المتحدة.

في الوقت الذي وَسّعت إسرائيل طموحاتها الإقليمية بشكلٍ كبير، وتعملُ بحرّية في لبنان وسوريا واليمن، والآن إيران -استعدادًا لما أسماه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو “شرق أوسط جديد”- تُمثّلُ ال”يونيفيل” عائقًا. اليوم، يُمكِنُ للإسرائيليين تحقيق أهدافهم بقوةٍ أكبر وبصورةٍ مباشرة من خلالِ نهجٍ عسكريِّ مُهيمِن لا يتطلّبُ منهم المرور عبر المؤسّسات الدولية التي يحتقرونها.

قد يَفترضُ المرءُ أنَّ الدعمَ الأميركي غير المشروط لإسرائيل، إلى جانب نفور الرئيس دونالد ترامب من إنفاقِ أموال بلاده على مساعي الأمم المتحدة، يعني أنَّ ال”يونيفيل” قد لا تبقى وسوف تُزال. ومع أنَّ هذا قد يكون صحيحًا، إلّا أنه لا يمكن تَجاهُل الوضع الإقليمي عند تقييم مستقبل القوة.

ترامب، مهما كان التزامه تجاه إسرائيل، ليس شخصًا يستمتعُ بالانجرارِ إلى صراعاتٍ لا يختارها. جنوبُ لبنان يُشكّلُ خطرًا كهذا. فبينما تُشيرُ الدلائل إلى علمه بالهجوم الإسرائيلي الأخير على إيران، فإنَّ عدمَ توجيه إسرائيل ضربة قاضية وتدخُّل الولايات المتحدة نهاية الأسبوع الماضي قد خلقا مشاكل سياسية لترامب. لم يقتصر الأمر على تقسيم قاعدته الشعبية، بل لم تكن هناك أيَّ ضماناتٍ بأنَّ واشنطن تمتلك حلًّا سحريًا يضمنُ النصرَ على إيران.

إذا استدعى هذا مزيدًا من الحذر من الرئيس الأميركي، فقد يكونُ من مصلحته ضمان بقاء ال”يونيفيل” في مكانها، إذ قد يُعزّزُ ذلك الاستقرارَ في جنوب لبنان. بعبارةٍ أُخرى، بينما قد تُخفّضُ الولايات المتحدة إنفاقها على قوة الأمم المتحدة، فإنها قد تكون أكثر استعدادًا لتقديم تنازلات تُبقي ال”يونيفيل” في مهمّتها اللبنانية.

من بين الأفكار المُحتَمَلة المُتداوَلة إعادةُ هيكلة ال”يونيفيل” وتكييفها مع البيئة السياسية الجديدة في لبنان – وهو ما وصفه عساف أوريون، الجنرال الإسرائيلي في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، بـ “صياغة اليونيفيل 3.0″. وسوف يتطلّبُ هذا خفضَ القوة لجعلها أقل عددًا، وتلبية تفضيلات الأميركيين في خفض التكاليف، مع السماح لها بدعم الجيش اللبناني بشكلٍ أكثر فعالية في تأكيد سلطته في جنوب البلاد.

أوحت تصريحات ترامب الأخيرة في المملكة العربية السعودية برغبته في تهدئة الوضع في المنطقة. وهذا لا يتوافَقُ مع خطط إسرائيل لفَرضِ إرادتها بالقوة على الدول المحيطة. فأيُّ نوعٍ من الهدوء يمكن تحقيقه إذا استمرّت إسرائيل في قصف لبنان وسوريا وإيران، بينما تُهدّدُ تركيا بسبب نفوذها المتزايد في سوريا؟ بعبارةٍ أخرى، لا يمكن أن ينبعَ السلامُ في الشرق الأوسط من رغبة إسرائيل في الحفاظ على تفوّقها العسكري الإقليمي.

ويبقى السؤال المُثير للاهتمام والتخميني حول ما إذا كانَ لأيٍّ من المقرَّبين من الرئيس الأميركي من أصلٍ لبناني رأيٌ في ال”يونيفيل”. ولا يمكن استبعاد أن يُطلَبَ من توماس برّاك، سفير ترامب في تركيا ومبعوثه إلى سوريا، وميشال عيسى، السفير الجديد في لبنان، ومسعد بولس، والد صهر ترامب، إبداء رأيهم في الشؤون اللبنانية، سرًّا.

ومن الطبيعي أن يتشاورَ ترامب مع مَن حوله إذا ما عُرِضَ عليه تجديد مهمة ال”يونيفيل”. في حين لا شيءَ يشيرُ إلى أنَّ الأصول العرقية لهؤلاء الأفراد ستؤثّرُ في نصائحهم إذا طُلِبَ منهم إبداء آرائهم، فقد يسعى برّاك وعيسى إلى نتائج تعودُ بالنفعِ عليهما في أدوارهما. أيُّ شيءٍ يتجنّب إثارة المشاكل في لبنان قد يكون منها.

من السابق لأوانه التكهُّن بما سيحدث لل”يونيفيل”. مع ذلك، يبدو أمرٌ واحدٌ جليًّا بشكلٍ متزايد: لا يمكن للقوة الأُممية أن تستمرَّ على هذا النحو. لقد تغيّرَ الوضعُ في لبنان والمنطقة كثيرًا، لذا من المنطقي دمج هذه التغييرات في دور ال”يونيفيل”، الذي يجب تعزيزه. من ناحية أخرى، سيؤدي إلغاء ال”يونيفيل” إلى خلق فراغٍ مضطربٍ ومُقلِق يزيد الأمورَ سوءًا.

  • مايكل يونغ هو مُحرّرٌ كبير في مركز مالكولم كير كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، حيثُ يرأس تحرير مدوّنة “ديوان” التابعة للمركز. وهو كاتب رأي في الشؤون اللبنانية في صحيفة ذا ناشيونال، ومؤلف كتاب “أشباح ساحة الشهداء: رواية شاهد عيان عن كفاح لبنان في الحياة” (دار سايمون وشوستر، 2010)، الذي اختارته صحيفة وول ستريت جورنال كواحد من الكتب العشرة البارزة لعام 2010. يُمكن متابعته عبر منصة (X) على: @BeirutCalling
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وترجمه إلى العربية قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى