عُمان تواجه مأزقاً بسبب حيادها في حرب اليمن وأزمة قطر؟
كانت سياسة عُمان الخارجية القائمة على الحياد وعدم التدخل موضع تأييد كبير في إدارة باراك أوباما السابقة التي إعتمدت على مسقط كثيراً لتحقيق بعض أهدافها في الخليج والذي كان بينها الإتفاق النووي التاريخي مع إيران. ولكن يبدو أن الأمر بات مختلفاً الآن مع إدارة دونالد ترامب والمملكة العربية السعودية.
مسقط – سمير الحسيني
يُدرك العُمانيون أنهم يعيشون في محيط مُضطرب، لذا فإنهم يأخذون مسألة أمنهم بشكل جدي ومُلِحّ. لقد كانت عُمان خالية من الإضطرابات العنيفة منذ سحقت مسقط ثورة ظفار في العام 1976. ومع ذلك، تقع السلطنة في منطقة خطيرة، ودول الخليج العربية ليست بمنأى عن التهديدات عبر الإقليمية. إن إمكانية تمدّد الحرب في اليمن، التي تشترك مع عُمان في حدود طولها 187 ميلاً، تمثّل أخطر تهديد لأمن السلطنة، في حين أن أزمة قطر تهدّد بإحداث تغيير جذري في مجلس التعاون الخليجي بطرق ستترك السلطنة في وضع أسوأ.
ويخشى المسؤولون في مسقط من أن يؤدي عدم الإستقرار المُتزايد في اليمن إلى تعزيز القوى المتطرفة مثل تنظيمي “القاعدة في شبه الجزيرة العربية” و”الدولة الإسلامية”، اللذين تمكّنا من توسيع وجودهما في اليمن وسط إنهيار الدولة. إن تهديد هذين التنظيمين المتطرفين اللذين يعبر أفرادهما إلى محافظة ظفار في أقصى جنوب عُمان يثير القلق. وفي الوقت عينه، وعلى الرغم من التهديد الكبير الذي تشكّله التداعيات المُحتَملة للحرب الأهلية اليمنية، فقد رأى القادة العُمانيون الصراع في البلد المجاور كفرصة لتأمين وضمان تحالفٍ وثيق مع واشنطن، وتعزيز رؤية السلطنة وسياستها الخارجية عبر المنطقة.
الوقوف على الحياد في اليمن وقطر
بالنظر إلى الحياد وعدم التدخل اللذين يشكّلان عَمودَي الأساس لسياسة السلطنة الخارجية، فإن قرارات مسقط بإبقاء القوات العُمانية خارج التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن وعدم الإنضمام إلى الرياض وأبو ظبي في قطع العلاقات مع قطر، لم تكن مفاجئةً ولا تثير الدهشة.
الواقع أن وزير الخارجية العُماني يوسف بن علوي أوضح موقف بلاده من اليمن بعد فترة وجيزة على تدخل مجلس التعاون الخليجي العسكري في آذار (مارس) 2015: “إن سلطنة عُمان هي دولة سلام. لا يُمكننا أن نعمل على جهود السلام فيما نحن في الوقت نفسه نكون جزءاً من حملة عسكرية”. وتوسّع عضو كبير في مجلس الشورى العُماني أكثر عندما أشار إلى أن عُمان” لم يكن من الممكن أن تشارك في هذا التحالف. إن هذا الأمر موجود في دستورنا. نحن لا نُرسل قوّاتاً أو مدفعية إلى أي مكان، ما لم تطلب الأمم المتحدة ذلك”.
بعد وقت قصير على إندلاع أزمة قطر، عرضت عُمان على الدوحة المجاري المائية في السلطنة، لتجاوز المياه الإماراتية وتصدير الغاز القطري، وتأمين الإمدادات الغذائية، لموازنة تأثير إغلاق الرياض للحدود البرية الوحيدة للإمارة الخليجية الصغيرة. كما حافظت عُمان على مجالها الجوي مفتوحاً أمام الخطوط الجوية القطرية، مما ساعد الشركة في رحلاتها من الدوحة إلى إفريقيا.
تعزيز صورة صانعة سلام
وعلى الرغم من أن الفوضى المُتفاقمة عبر اليمن قد شكّلت تهديداً خطيراً لمصالح عُمان، فقد وفّرت لمسقط فرصة لمتابعة مصالحها الجيوسياسية. بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء في العام 2014، سعت مسقط إلى إستخدام علاقاتها الإيجابية مع جميع الأحزاب الرئيسية في اليمن لوضع نفسها كوسيط للسلام وقناة خلفية ديبلوماسية بين الأطراف المتحاربة. وفي الصورة الأسمى، سعت عُمان إلى تعزيز تحالفاتها الرئيسية من خلال لعب دورها المُحايد في اليمن. وبالنسبة إلى الولايات المتحدة، فقد ساعدتها مسقط بطرق مختلفة، من خلال قبول إستقبال معتقلين يمنيين من معتقل “غوانتانامو”، والتفاوض وتأمين الإفراج عن الرعايا الغربيين المُحتجزين في اليمن، وضمان الإخلاء الآمن لموظفين وديبلوماسيين أميركيين من السفارة الأميركية في صنعاء في شباط (فبراير) 2015.
لذلك، فإن أولويات عُمان العليا هي مساعدة اليمنيين على حل أزماتهم ديبلوماسياً وإيقاف تفكك جهاز الدولة العامل وتحسين أدائه إذا كان ذلك ممكناً. وسعياً إلى تحقيق هذه الأهداف، إستضاف المسؤولون في مسقط مختلف إجتماعات المائدة المستديرة الرامية إلى إيجاد أرضية مشتركة ومناطق للتوصل إلى حل توفيقي بين حكومات دول مجلس التعاون الخليجي، إيران، الولايات المتحدة، والجهات الفاعلة الداخلية في اليمن. وقد أيّدت عُمان ودعمت بالكامل جهود الأمم المتحدة والكويت لتعزيز محادثات السلام بين الجهات المتحاربة فى اليمن.
وبحسب محاورين عرب خليجيين، فقد عملت عُمان والكويت جنباً إلى جنب لتعزيز الحلول الديبلوماسية للأزمة اليمنية، والخلاف المستمر الذي تشهده أزمة قطر حيث يقود أمير الكويت جهود الوساطة. وفى شباط (فبراير) الماضي زار الرئيس الإيراني حسن روحاني كلاً من الدولتين الخليجيتين لمناقشة القضايا الإقليمية وسبل نزع فتيل التوترات مع إيران، مؤكدّاً عمل عُمان والكويت كقنوات ديبلوماسية بين الرياض وطهران. ومع تزايد التوترات بين السعودية ودولة الإمارات من جهة، وإيران من جهة أخرى، فمن المرجح أن تكون عُمان تغلي من الحرارة.
حياد عُمان والمشكلة مع السعودية
ليست كل الدول متعاطفة مع موقف عُمان من الأزمة اليمنية. وقال أحد المسؤولين في الخليج العربي إن الكثيرين في دول مجلس التعاون يرون أن موقف مسقط بالنسبة إلى اليمن هو “حيادٌ سلبي”. وزعمت تقارير أخيرة في الصحافة، مستشهدة بأرقام من دول مجلس التعاون الخليجي واليمن ومسؤولين عسكريين أميركيين والحوثيين، أن عُمان تقف إلى جانب إيران والحوثيين، وقد زوّدت طهران بالبنية التحتية من أراض وموانئ عُمانية للمساعدة في تسليح “أنصار الله” (الحوثيين).
بغض النظر عن دور مسقط الفعلي في اليمن، فإن وجهة نظر الرياض تقول بأن سلطنة عُمان هي حلقة وصل في سلسلة من حلفاء إيران الشيعة / الزيديين على حدود المملكة في الوقت الذي تؤكد طهران بشكل أكثر حزماً نفوذها الإقليمي. وعقب إقرار خطة العمل الشاملة المشتركة (الإتفاق النووي) التاريخية، التي كانت عُقدت مفاوضات مُبكرة تتعلق بها في عُمان من دون علم السعودية، فإن المسؤولين السعوديين يشعرون بالقلق من أن نمو العلاقات بين مسقط وطهران سيؤدي إلى تقويض الأمن الجماعي لدول مجلس التعاون الخليجي بسبب إيران التي تسعى إلى توسيع نفوذها.
جاءت علامات الإستياء السعودي من مسقط في كانون الأول (ديسمبر) 2016، عندما قام الملك سلمان بجولة في جميع دول مجلس التعاون الخليجي مع إستثناء ملحوظ لعُمان. وفي وقت لاحق من ذلك الشهر، أصبحت عُمان العضو ال41 في التحالف العسكري الإسلامي السعودي لمكافحة الإرهاب. وبالنظر إلى أن السلطنة كانت الدولة الخليجية العربية الوحيدة التي لم تنضم إلى التحالف في بدايته قبل عام، فإن قرارها بالإنضمام زاد التكهنات بأن المسؤولين العُمانيين قرروا تخفيف مخاوف دول مجلس التعاون بشأن علاقة مسقط المتنامية مع طهران.
إدارة ترامب وديبلوماسية عُمان المحايدة
من جهتها، إهتمت إدارة دونالد ترامب أيضاً بشكل جدي بالإتهامات الخطيرة التي تدّعي بأن عُمان تعمل مع الجمهورية الإسلامية على تسليح المتمردين الحوثيين فى اليمن. في 11 حزيران (يونيو)، قام مدير الإستخبارات المركزية الأميركية “سي آي إي” مايك بومبيو ونائب مستشار الأمن القومي الجنرال ريكي وادل ب”زيارة سرية” للسلطان قابوس حيث حثّا العاهل العُماني على إغلاق طرق تهريب الأسلحة المزعومة الى اليمن عبر السلطنة. ومع ذلك، وفقاً ل”بلومبيرغ”، فإن بومبيو ووادل تجنّبا بحذر تقديم أي طلبات تطلب من قابوس قطع علاقات مسقط مع إيران.
مع ذلك، هناك علامات على أن إدارة ترامب لا تنظر بإيجابية إلى العلاقة الودية بين مسقط وطهران. فبعد خطاب ترامب في القمة العربية الإسلامية – الأميركية في المملكة العربية السعودية في أيار (مايو)، أجرى الرئيس الأميركي محادثات ثنائية مع زعماء دول مجلس التعاون ما عدا سلطنة عُمان. وقد أُلغي الإجتماع الذي كان مقرراً بين نائب رئيس الوزراء العُماني فهد بن محمود آل سعيد مع ترامب من دون أي سبب علني. وفى خطاب ترامب التاريخي أشاد بكل الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي ما عدا عُمان، لمساهمتها في الجهود التي تقودها واشنطن لمكافحة التطرف والإرهاب في العالم الإسلامي. كما ألغى وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون إجتماعاً فى العاصمة السعودية مع نظيره العُماني. وفي حين أن إدارة باراك أوباما السابقة كانت تُقدّر كثيراً السياسة الخارجية “المحايدة” لمسقط وتعتمد عليها، يبدو أن إدارة ترامب لديها نظرة مختلفة تجاه مسقط.
لذا، مع دفع وإندفاع السعودية والإمارات وإدارة ترامب إلى إتخاذ موقف أكثر صرامة ضد إيران، فإن سلطنة عُمان ستواجه ضغوطاً متزايدة للتخلي عن حيادها الذي طالما كان لا يُقدّر بثمن لمصالح الولايات المتحدة في المنطقة.
والسؤال الذي سيبحث عن جواب في الأيام المقبلة: هل ستتخلّى مسقط عن حيادها؟
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.