الأزمة المُقبِلة في إدلب

وسط أزمةٍ اقتصادية حادّة تفاقمت بسبب الإنهيار الإقتصادي في لبنان، والمزيد من العقوبات الأميركية في العام 2020، ووباء كوفيد-19، فإن الوضع في جميع أنحاء سوريا بائسٌ جداً.

معبر باب الهوى: المنفذ الوحيد بين إدلب وتركيا

عمر كاراسابان*

في 10 تموز (يوليو) المُقبل، قد يُغلَقُ باب الهوى، آخر معبرٍ حدودي مُتَبَقٍّ بين تركيا ومحافظة إدلب السورية المُتمرّدة، إذ أن روسيا تُخطّطُ لاستخدام حق النقض (الفيتو) ضد تمديد قرار مجلس الأمن رقم 2533. بالنسبة إلى 3.4 ملايين مدني في إدلب –بينهم أكثر من مليوني نازح من أماكن أخرى في سوريا- سيشكّل الأمر كارثة. يعتمد حوالي 75 في المئة من السكان في شمال غرب سوريا على مساعدات الأمم المتحدة لتلبية احتياجاتهم، ويأتي حوالي 85 في المئة من تلك المساعدات عبر هذا المعبر الحدودي.

وسط أزمةٍ اقتصادية حادة تفاقمت بسبب الإنهيار الإقتصادي في لبنان، والمزيد من العقوبات الأميركية في العام 2020، ووباء كوفيد-19، فإن الوضع في جميع أنحاء سوريا بائسٌ جداً. تقول المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إن 13.4 مليون سوري يحتاجون إلى مساعدات إنسانية، بزيادة 20 في المئة عن العام الماضي، لكن المساعدات وصلت إلى 7.7 ملايين فقط. تسعةٌ من كل عشرةِ أشخاصٍ يعيشون في فقر، بينما زاد السوريون الذين لا يحصلون على الغذاء بنسبة 57 في المئة في العام الفائت. وتقول منظمة اليونيسيف أن 90 في المئة من الأطفال السوريين بحاجة إلى مساعدات إنسانية. النازحون داخلياً مُعرَّضون للخطر بشكلٍ خاص، وبشكلٍ حاد في إدلب والشمال الغربي لسوريا. والمساعدات عبر الحدود أمرٌ بالغ الأهمية لتجنّب كارثة إنسانية. ومع ذلك، هذا هو بالضبط ما قد يحدث، مصحوباً بنزوحٍ مدني هائل وحربٍ مُحتملة بين روسيا وتركيا.

كيف وصلنا إلى هنا؟ في العام 2014، سمح مجلس الأمن الدولي لوكالات الأمم المتحدة وشركائها استخدام الطرق عبر خطوط النزاع والمعابر الحدودية إلى تركيا في باب السلام وباب الهوى، وكذلك اليعربية (إلى العراق) والرمثا (إلى الأردن). كان هذا “لضمانِ وصول المساعدات، بما فيها الإمدادات الطبية والجراحية، إلى الأشخاص المحتاجين في جميع أنحاء سوريا عبر أكثر الطرق المباشرة”. تم تجديد التفويض سنوياً من خلال قراراتٍ مُثيرةٍ للجدل حتى العام 2018. كان يتم إخطار الحكومة السورية بالشحنات مُسبَقاً وأشرفت آلية مراقبة تابعة للأمم المتحدة على التحميل في البلدان المجاورة. في العام 2019، وسط خلافات مُتصاعدة، سمح قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2504 بالعبور إلى تركيا عبر منفذَين ولكن ليس إلى العراق والأردن، ولمدة 6 أشهر فقط. بحلول تموز (يوليو) 2020، في أعقاب القتال العنيف في إدلب، لم يبقَ سوى معبر باب الهوى.

كان قتال 2019 إيذاناً بنهاية اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في أيلول (سبتمبر) 2018 بين روسيا وتركيا. بصرف النظر عن الاستيلاء على أكثر المناطق إكتظاظاً بالسكان التي يسيطر عليها المتمرّدون في سوريا، كان الهدف الرئيس لهجوم النظام هو السيطرة على الطرق السريعة الحيوية اللاذقية-حلب (M4) ودمشق-حلب (M5). لم يتم فتح أيّ منهما أو الموافقة على ذلك من قبل تركيا كما هو متفق عليه. كما لم يتم تحييد العناصر المتطرفة وانسحاب القوات الحكومية والروسية.

يُركّز “الخط الأحمر” لأنقرة على منع ملايين اللاجئين من الانضمام إلى 4 ملايين لاجئ سوري يعيشون في تركيا. إنقلب الرأي العام ضدهم بشكلٍ كبير بعد ترحيبٍ في البداية، وخفت بعد العام 2017 حين تباطأ الاقتصاد بشكل حاد وتعرّض لمزيدٍ من الضرر بسبب الوباء. أدّى القتال المُكثَّف بعد 19 أيلول (ديسمبر) 2019 إلى أكثر من مليون شخص بائس وتائه على طول الحدود التركية، ما أدّى إلى ردٍّ عسكري تركي ضد السوريين وحلفائهم الإيرانيين واللبنانيين والروس.

أدّى التدخّل التركي إلى اتفاقٍ آخر لوقف إطلاق النار في آذار (مارس) 2020 حيث تم تقليص الأراضي التي يسيطر عليها المتمردون إلى 60 في المئة من المحافظة. وينص هذا الاتفاق مرة أخرى على فتح الطريق السريع (M4) ضمن ممر أمان بطول 6 كيلومترات وإبعاد الجماعات المسلحة من المنطقة. لم يحدث أو يُنَفَّذ أيّ منهما. يتواجد نحو 15 ألف جندي تركي في إدلب وأكثر في الجيوب المحيطة التي تسيطر عليها تركيا في شمال سوريا. وهناك علاقة مضطربة مع الجماعة المسلحة المُهَيمنة، “هيئة تحرير الشام”، وهي فرع سابق لتنظيم “القاعدة”، والتي كانت تحاول تغيير علامتها التجارية إلى مجموعة ثورية وطنية – بنجاحٍ محدود. في حين أن لديها علاقة عمل شائكة مع تركيا، فقد أفاد بعض التقارير إن قيادتها التقت سراً بمسؤولين أوروبيين وانتزعت تصريحات إيجابية إلى حد ما من جيمس جيفري، الممثل الأميركي الخاص الذي غادر منصبه أخيراً والذي لم يُستبدَل بأحد بشأن سوريا. لا تزال “هيئة تحرير الشام” منظمة إرهابية وفقاً للاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وآخرين.

بالنسبة إلى الروس ودمشق، فإن “هيئة تحرير الشام” منظمة إرهابية وسيطرتها على معبر باب الهوى يقوّض السيادة السورية. الإقتراح المُضاد هو استخدام خطوط الطرق المفتوحة في مناطق النظام لتقديم المساعدات الإنسانية. ولكن هذا غير مقبول بالنسبة إلى الغرب والمانحين الآخرين. ليس فقط لأن سجل الإنجازات في هذا المجال سيئ مع العديد من التأخيرات والرفض حتى لنقل البضائع الأساسية، لكنهم يخشون أن يكونوا رهينة في أيدي النظام. وقد كشفت هيومن رايتس ووتش بشكل منهجي عن هذه التحديات: “طورت الحكومة السورية سياسة وإطاراً قانونياً يسمحا لها باستغلال المساعدة الإنسانية وتمويل إعادة الإعمار لتمويل فظائعها، وتعزيز مصالحها، ومعاقبة من يُنظَر إليهم على أنهم معارضون، وإفادة أولئك المخلصين لها”.

على السطح، تبدو المواقف غير قابلة للتوفيق. في الواقع، دعا البعض مثل تشارلز ليستر إلى العودة إلى حقبة 2014 عندما تمّ تسليم المساعدات عبر الحدود من دون قرارٍ من مجلس الأمن الدولي. ودعا لويس شاربونو، مدير الأمم المتحدة في هيومن رايتس ووتش، إلى النظر إلى ما وراء مجلس الأمن الدولي للحصول على المساعدة. من غير الواضح ما إذا كان الغرب، وخصوصاً الولايات المتحدة، لديه الصرامة لدعم مثل هذه الإجراءات. إقترح جوليان بارن-داسي من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية وأندريه كورتونوف من مجلس الشؤون الدولية الروسي تمديد العبور من باب الهوى لمدة عام واحد مقابل زيادة تدفق المساعدات عبر دمشق مع تدابير مُصاحِبة لمراقبة التسليم. ومع ذلك، في غضون عام، سيجد سكان إدلب أنفسهم مُعتمِدين كلياً على نظامٍ عدائي عنيد. يرى آخرون، مثل فابريس بالانش من جامعة ليون، إمكانية عقد صفقة بين تركيا وروسيا على الطريق السريع (M4) الذي قد يؤدي إلى محمية تركية، أو غزة جديدة تتكوَّن من “قطاعٍ ضيّق من الأرض تحت سيطرة … “هيئة تحرير الشام”، تدير عدداً من اللاجئين، تحت قطرة من المساعدات الإنسانية الدولية”.

أنت تعلم أنك في وضع سيىء عندما تبدو غزة كنتيجة مقبولة، خصوصاً في هذه الأيام حيث يجتاح القتال مرة أخرى القطاع وفلسطين. ولكن حتى يحدث ذلك، يجب التوصّل إلى اتفاق مع “هيئة تحرير الشام” أو يجب إبعادها عسكرياً من الطريق السريع. حتى لو أرادت “هيئة تحرير الشام” التعامل، فإن بإمكان الجماعات المسلحة الأكثر راديكالية أن تلعب دوراً مُفسداً عندما يتعلق الأمر بالصفقات مع روسيا. يبدو أن تركيا العالقة بين “هيئة تحرير الشام” وروسيا ستتمسك بما وصفه سابان كارداس من جامعة “توب” (TOBB) بأن مهمتها مستحيلة في الحفاظ على توازن إدلب غير المستقر.

ومع ذلك، على الرغم من الاضطرابات المتكررة، لا أحد يريد حرباً شاملة، وليس من المحتمل أن يكون النظام مُتحمّساً لاستيعاب أكثر من 4 ملايين معارض سنّي في إدلب وشمال غرب سوريا. وعلى الرغم من ابتعاد إدارة رجب طيّب أردوغان عن الولايات المتحدة وشركائها في أوروبا، فضلاً عن عزلتها الإقليمية، لا يزال هناك عضوية تركيا في حلف شمال الأطلسي (الناتو). لذلك، قد تظهر أزمة في إدلب، بخاصة مع فتح الطريق السريع (M4)، لكن المسألة الحاسمة لمشاركة الأمم المتحدة في جهود المساعدة ستكون مثيرة للجدل. تماماً كما هو الحال في غزة، من المحتمل أيضاً أن يتم التنازع على طرق التجارة والمساعدات لسنوات – حتى يتم التوصل إلى تسوية سياسية.

  • عمر كاراسابان خدم 30 عاماً في البنك الدولي، ويعمل الآن مع “استراتيجيات الاستقرار” (Strategies for Stability).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى