سوريا ولبنان يلعبان بمصيرِ النازحين للحصول على العملة الأجنبية!

رُغم تفاقم وضعهما بسبب جائحة كورونا، يستخدم كلٌّ من سوريا ولبنان مصير اللاجئين السوريين لدفع أجندتيهما الاقتصادية والسياسية.

الوزيران فيصل المقداد ورمزي المشرفية: نقاشٌ حول كيفية استخدام اللاجئين للحصول على مساعدات

بقلم جوزيان مطر*

في زيارة حديثة إلى سوريا، إلتقى وزير السياحة والشؤون الاجتماعية اللبناني في حكومة تصريف الأعمال، رمزي المشرفية، بوزير الخارجية السوري فيصل المقداد لمناقشة عودة اللاجئين السوريين في لبنان. وهذه القضية هي أولوية للبنانيين في وقت تواجه بلادهم أزمة اقتصادية كبيرة. وأصدرت الحكومة اللبنانية في 14 تموز (يوليو) 2020 خطة لعودة اللاجئين، فيما استضافت روسيا في تشرين الثاني (نوفمبر) الفائت مؤتمراً حول اللاجئين في دمشق. وينبغي النظر إلى  زيارة مشرفية في ضوء كليهما.

الواقع أن لبنان ليس طرفاً في اتفاقية العام 1951 المُتعلّقة بوضع اللاجئين، وقد فضّل المسؤولون الحكوميون استخدام مصطلح “النازحين” بدلاً من كلمة “لاجئين” عند الحديث عن السوريين. منذ اندلاع الصراع السوري في العام 2011، كانت استجابة الحكومة اللبنانية لأزمة اللاجئين قصيرة النظر ولم تكن هناك محاولات لصياغة سياسة وطنية مُوَحَّدة للتعامل معها. في الواقع، تبنّت بيروت “سياسة اللا سياسة” عاكسةً أسلوب حُكمٍ يتّسم باللامبالاة وضعف المؤسسات والتهرّب من المسؤولية.

لبنان هو البلد الذي يستضيف أكبر عدد من اللاجئين السوريين بالنسبة إلى الفرد الواحد، حيث بلغ عدد اللاجئين المُسَجَّلين 865,500 في نهاية كانون الأول (ديسمبر) 2020. ولكن بدلاً من وضعِ إطارٍ سياسي مركزي، سعى اللبنانيون إلى الاستفادة من وجود اللاجئين من خلال التماس التمويل الأوروبي لمعالجة المشكلة، وهو نهجٌ معروف بين الخبراء ب”ريعية اللاجئين”. يعكس هذا الأمر الموقف الدائم تجاه إدارة الأزمات الذي يُفضّل التبعية والاعتماد على الجهات الخارجية.

ليس من قبيل المصادفة أن يأتي لقاء المشرّفية في دمشق قبيل مؤتمر بروكسل الخامس حول سوريا الذي سيُعقَد في نهاية آذار (مارس) الجاري. يُعتَبَر الاتحاد الأوروبي مانحاً رئيساً للمساعدات للبنان في ما يتعلق باللاجئين، حيث قدم أكثر من 2.3 ملياري يورو من المساعدات منذ العام 2011. مع انخفاض الليرتين السورية واللبنانية وتدهور الوضع الاقتصادي في كلا البلدين، سيرى كثير من الناس زيارة مشرفية إلى دمشق على أنها تعاونٌ مع السوريين لممارسة المزيد من الضغط على المجتمع الدولي لتوفير التمويل، مع استخدام عودة اللاجئين أيضاً لرفع العقوبات الدولية عن سوريا.

وليس من المستغرب أن حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، سعى أيضاً إلى استغلال التمويل الخارجي لمساعدة اللاجئين. في رسالة حديثة إلى المانحين الدوليين، طالبهم بتقييد تفاعلهم مع البنوك التجارية وتحويل أموال المساعدة فقط إلى البنك المركزي، الذي سيُوزّع الأموال على اللاجئين بالليرة اللبنانية، بناءً على سعر الصرف الرسمي. لا تزال الليرة اللبنانية مربوطة رسمياً بسعر 1500 ليرة لبنانية مقابل كل دولار أميركي، بينما في السوق السوداء فقد تجاوز سعر الصرف ال13,000 ليرة لبنانية مقابل كل دولار، ما يعني أن البنك المركزي يمكن أن يحقق ربحاً كبيراً من خلال توزيع الليرات بمعدل مرتفع للغاية. على الرغم من التأثير الضار لمثل هذا القرار في قضية اللاجئين، فقد رأى المراقبون أنه محاولة من سلامة لتكوين احتياطات البنك المركزي من العملات الأجنبية.

علاوة على ذلك، إنتقد المجتمع الدولي بشكل متزايد الحكومة اللبنانية لفشلها في معالجة الأزمة الاقتصادية وحقيقة أن تحقيقها في انفجار مرفأ بيروت في آب (أغسطس) الفائت لا يزال مُتعثّراً. من خلال إعادة التركيز على اللاجئين والقضايا الإنسانية، تحاول الحكومة صرف الانتباه عن إخفاقات الدولة اللبنانية. في الوقت الذي يتطلع المزاج الإقليمي والدولي إلى إنهاء الأزمة السورية، يستخدم كلٌّ من سوريا ولبنان اللاجئين كأداة لتعزيز أجندتيهما المالية والسياسية.

بالنسبة إلى نظام الأسد، يُنظَرُ إلى عودة اللاجئين على أنها أساسية للإشارة إلى نهاية الصراع السوري وتطبيع علاقات البلاد مع الدول المُضيفة المجاورة. ومع ذلك، يجب أن تكون عودة اللاجئين طوعية وقائمة على تقييمهم الحر والمُستَنير للوضع. في تقريرٍ لمؤسسة “كارنيغي” نُشِر في نيسان (إبريل) 2018، تحدث العديد من اللاجئين عن استعدادهم للعودة إلى سوريا بمجرد تحقيق المصالحة والانتقال السياسي، وبمجرد ضمان عودتهم إلى ديارهم بأمان وسلام. ومع ذلك، فإن الوضع الحالي لا يفي بهذه الشروط. لا توجد عملية سياسية في سوريا ولا يزال نظام الأسد في السلطة.

بسبب عدم الاستقرار في سوريا والقيود على الحركة التي فرضتها جائحة كوفيد -19، تضاءل عدد العائدين الطوعيين إلى مستوى قياسي منخفض بلغ 21,618 في العام 2020. كما أن الظروف لم تكن مُطَمئنة. في الأشهر التسعة الأولى من العام 2020، وثّقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان ما لا يقل عن 62 حالة اعتقال للاجئين العائدين من لبنان.

لذلك، لا يزال هناك الكثير الذي يتعيّن القيام به لتقديم واقتراح برنامج العودة الطوعية. كما استندت الجهود اللبنانية الأخيرة لتأمين عودة اللاجئين إلى سوء قراءة للواقع. أولاً، إن عملية إعادة اللاجئين مُعَقَّدة وتتطلّب تخطيطاً منهجياً. لقد افتقر النهج اللبناني إلى التنسيق والتعاون الداخلي والدولي. في الواقع، لم يتم تنظيم زيارة المشرفية مع وزارات أخرى، ولم تتم مناقشتها مع الجهات الفاعلة الإنسانية، مثل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، للسماح بعملية إعادة سلسة إلى الوطن. علاوة على ذلك، فشل لبنان في تبنّي سياسة منهجية لتحديد اللاجئين، حيث لم يتم تسجيل جميع اللاجئين عند دخولهم البلاد. لهذا السبب سيكون من الصعب للغاية تنظيم ومراقبة عودة كبرى للاجئين في ظل الظروف الحالية.

ثانياً، لم تأخذ استراتيجيات العودة في الاعتبار جائحة كوفيد -19 وتدهور الوضع الاقتصادي في سوريا. كلاهما من المرجح أن يُقلّل من أعداد الأشخاص الراغبين في العودة الطوعية. وثالثاً، سيستمر الوضع السياسي المُتقلّب في سوريا والخوف من الاعتقالات والاحتجاز التعسفي عند الوصول أو بعده في الحدّ بشدّة وبشكل كبير من عدد العائدين إلى ديارهم.

إن مسألة إعادة اللاجئين إلى سوريا تستدعي دراسة شاملة ولا يمكن معالجتها من خلال الزيارات العرضية للمسؤولين اللبنانيين الذين فشلوا في البداية في الاستجابة بشكل مناسب للأزمة السورية. كما يتطلب الوضع في سوريا استجابة دولية مُوَحَّدة للوصول إلى حلّ سياسي يُراعي الظروف الإنسانية التي تضمن العودة الآمنة للاجئين.

  • جوزيان مطر هي منسقة الإعلام والفعاليات في مركز مالكولم إتش كير كارنيغي للشرق الأوسط.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى