كيف صمد نظام الأسدين في دمشق حتى الآن

صدر كتاب “حكمة لعبة الإنتظار السورية” (The Wisdom Of Syria’s Waiting Game)، الذي ألّفته بنيت شيللر، عن دار “هيرست” للنشر في تشرين الأول (أكتوبر) 2013. وعلى الرغم من مرور حوالي سنتين على صدوره، فهو كتاب قيم يلقي أضواء على سبب بقاء النظام الأسدي في سوريا أكثر من 45 عاماً.

راجعته أمل ساره

”لا يوجد هناك أية حكومة في العالم تقتل شعبها إلا إذا كان قائدها مجنوناً“. هذا ما صرّح به رأس السلطة السورية في كانون الأول (ديسمبر) 2011 لإحدى القنوات التلفزيونية. نافياً أية مسؤولية له عن العنف الذي كان بدأ ينهش البلاد منذ أشهر. كما نفى أن يكون، بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة، قد أمر الجيش بقصف المدنيين.
ومع ذلك، فقد قُتل خلال السنتين التاليتين ما يقارب 200.000 شخص وتشرّد الملايين واُعتقل مئات الآلاف أو إختفوا. والنظام لم يقدِّم أية خطوة، كما لم يبذل أدنى جهد في سبيل إيجاد حلّ للأزمة إن لم يكن إحتواء غضب الناس. بل بدا على العكس أكثر تشبثاً وأكثر تعنتاً. واليوم، بعد مرور سنوات عدة، وبالنظر إلى حجم الدمار الذي تجاوز كل الحدود في المدن والقرى والبنى التحتية وأعداد الضحايا والمغيبين والمهجّرين، لا يسع المرء إلا أن يتساءل هل يقود سوريا رجل مجنون حقاً؟ بهذا التساؤل بدأت “بنيت شيللر” كتابها “حكمة لعبة الإنتظار السوريّة: السياسة الخارجية للأسدين”.
تتساءل المؤلفة بدايةً عن جدوى الحديث عن سياسة النظام الخارجية في وقت يوجد فيه شبه إتفاق دولي على أن أيامه باتت معدودة! أقول كان هذا الرأي سائداً حتى صيف 2013، بعدها كان هناك إنقسام في الرأي بين منادٍ لحل من دون الأسد وبين مصرٍّ على بقائه. لكنها تعود وتشير إلى أهمية تلك السياسة الخارجية وأهمية تحليل خيوطها لفهم سبب بقاء هكذا نظام حتى اليوم وسبب “نجاحه” في قمع شعبه وتطلعاته المشروعة حتى الآن. فالأمران متّصلان إتصالاً مباشراً لا إنفكاك لأحدهما عن الآخر. وإلا فكيف نفهم دعم روسيا وإيران والصين المفتوح لنظامه، وكيف نفهم تجاهل بشار الأسد للمبادرات الدولية أو لضغوط بعض الدول عليه لحل الأزمة سلمياً؟ بل كيف يجرؤ الرئيس السوري على قصف الغوطة وفريق المراقبين الدوليين موجود في بلاده على بعد كيلومترات يحقق في مجازر سابقة!
يتناول الكتاب بالدراسة العقد الأخير من حكم حافظ الأب والعقد الأول من حكم بشار الابن. وهو لا يتحدث عن الشأن الداخلي بقدر ما يتساءل عن السياسة الخارجية للأسدين. كيف يفكّر عقل السلطة؟ وكيف تعامل مع اللاعبين الخارجيين؟ وكيف نظر إليه هؤلاء وتعاملوا معه؟ مع نظام بدا أنه سيسقط لأكثر من مرة (منذ سبعينات القرن الماضي) لكنه لا يزال قائماً ومستمراً في سياسته التدميرية وفي ممارسة إرهاب الدولة على شعبه وفي المنطقة؟: “سوريا بلد ذو إمكانات محدودة وليس لها تأثير كبير في السياسة الدولية؛ لذلك فأهميتها على مستوى المنطقة نابع من مدى إهتمام اللاعبين بها”. ترى المؤلفة أن السياسة السورية لم تتغير على مر عقود، وأن ما كان يتغير هو الموقف الدولي من سوريا سلباً أو إيجاباً.
لقد وقّعت دمشق على العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية (21 نيسان (إبريل) 1969) ولكن هل إلتزمت ببنود تلك المعاهدة؟ نظرياً، يحق للحاكم أن يفعل ما يريد داخل حدود دولته، لكن هذا لا يعني أن بوسعه تجاوز الحدود “الطبيعية” في تطبيق حقه ذاك. والمتتبع لسياسة النظام السوري حقيقةً يرى أنه لم يغيّر سياسة “إرهاب الدولة” تجاه شعبه أو تجاه دول المنطقة بل والعالم. والعالم كله شهد تدخل الجيش السوري في لبنان لكنه مرّ تحت بند “قوات الردع العربية” وشهد قتل الجيش السوري للبناني والفلسطيني قبل السوري، لكن ذلك مرّ تحت بند الحرب الأهلية وبداية مسرحية المقاومة؛ ثم شهد وقوفه مع إيران ضد العراق العربية ولم يضره ذلك فعلياً في شيء، فالدعم الإيراني قد عوّضه عن الدعم العربي. ثم مال مجدداً للحضن الخليجي وعطاءاته في تسعينات القرن الفائت لموقفه الموالي لحرب الخليج ضد العراق أيضاً.
الإنتظار كلمة مفتاح في الكتاب كما هو في عنوانه، وفيه إشارة إلى إستغلال النظام السوري منذ عهد الأب لعامل الوقت كدعامة من دعامات إستمراريته، وكيف أن الرياح الدولية كانت في أكثر من مرة تجري بما يشتهي حاكم سوريا في أوقات ساد الاعتقاد بأن سقوطه وسقوط سلطته بات وشيكاً. فحافظ كان يجيد لعبة الإنتظار وإتبع تكتيك الإنتظار طوال عقود حكمه.
مع إعتلاء الابن للسلطة، إستمرت دمشق في سياستها الإرهابية داخلياً وخارجياً وإستمر العالم يتفرج مكتفياً بالتنديد أحياناً، اللهم إلا بُعيد إغتيال رئيس حكومة لبنان رفيق الحريري سنة 2005 وتحرك المجتمع الدولي والمجتمع اللبناني لإجبار سوريا على الخروج بقواتها من لبنان. وفي الكتاب كلام عن تضييع بشار الأسد للفرصة تلوَ الأخرى لإحداث تغيير حقيقي في سياسة دولته.
الحكومة السورية من جانبها تجيد الانتظار أيضاً؛ في حال إعتبرنا أن لها كياناً فاعلاً مستقلاً (وهو ليس بواقع)، فالمؤلفة نفسها تشير إلى حقيقة دور الأجهزة الأمنية في رسم السياسة الخارجية للبلاد وتنفيذها، وهي مسألة لا تُخفى على أحد، وإن كان جميع الأطراف يتغاضى عنها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى