أزمةُ الطاقَة في بَلَدِ الطاقة!

كابي طبراني*

إذا كان هناك شيءٌ واحدٌ مَوثوقٌ ويُمكن الاعتماد عليه في العراق، فهو إمدادات الطاقة. تُنتِج البلاد ثاني أكبر كمّية من النفط الخام بين الدول الأعضاء في مُنظمّة الدول المُصدّرة للنفط، “أوبك”، وتُقدَّر احتياطاتها المؤكّدة بنحو 145 مليار برميل، أي ما يعادل ثمانية في المئة من إجمالي المَعروضِ العالمي.

مع ذلك، على مدى العقدين الماضيين، كان على العراقيين العيش مع كهرباءٍ غير مُستقرّة والأكثر انقطاعاً في الشرق الأوسط، طبعاً بعد لبنان. إن هذا الأمر ليس عائقاً رئيساً أمام التنمية الاقتصادية والتقدّم المُجتَمَعي في المدى الطويل فحسب، لكنه أيضاً سببٌ لعدَمِ الاستقرار في المدى القصير. غالباً ما يُشير المتظاهرون في حركة الاحتجاج الجماهيري، التي اجتاحت البلاد منذ العام 2019، إلى انقطاع التيار الكهربائي كعلامةٍ على تفشّي الفساد في السياسة العراقية. يوم الثلثاء الفائت، قدّم وزير الكهرباء، المهندس ماجد مهدي حنتوش، استقالته من الحكومة بعد جولةٍ جديدة من نقصِ الكهرباء في جميع أنحاء البلاد، والتي شهدت إنقطاعَ التيار الكهربائي في الجنوب، وتقلّصَ الإمداد في بقيّة أنحاء العراق.

يقول الخبراء والمُحلّلون أن العراق يُمكنه إنتاج 17 جيغاواط كحدٍّ أقصى من الطاقة – عندما يعمل النظام بترتيبٍ مثالي. لكن هذا الرقم هو أقلّ بكثيرٍ من ذروة الطلب في الصيف، والذي يُمكن أن يرتفع فوق 29 جيغاواط. وبحلول نهاية العقد، سيحتاج العراق إلى تلبية ما يُتَوَقَّع أن يكون ارتفاعاً في الطلب بنسبة 50 في المئة.

الواقع أن وضع الوزير حنتوش كان صعباً دائماً. لقد ابتُلِيَت البنية التحتية للطاقة في البلاد بالحرب وسوء الإدارة والفساد، وثَبُتَ أنه من الصعب إصلاحها في ظلّ حكومةٍ مَشلولةٍ بسبب السياسات الحزبية. علاوة على ذلك، تُمارس الجريمة المنظّمة على شركات المولّدات الخاصة الإبتزاز. وغالباً ما تشنّ الجماعات المسلّحة هجماتٍ تخريبية لتعطيل إمدادات الطاقة.

لكن، وسط هذه البيئة الصعبة، كانت هناك أيضاً سلسلة من القرارات السياسية السيّئة. من الأمورِ المُثيرة للجدل بشكلٍ خاص في الآونة الأخيرة هو سعي الحكومة إلى إطلاقِ برنامجٍ طموحٍ جداً للطاقة النووية. ستُكلِّف الخطة 40 مليار دولار، وستشمل بناء ثمانية مُفاعِلات. إنها مُكلفة بقدر ما هي غير ضرورية؛ يُمكن تضييق الفجوة المُتزايدة باستمرار بين العرض والطلب في قطاع الكهرباء من خلال الاستثمار في البنية التحتية للطاقة القائمة والمُتداعية. وحتى إذا تم الانتهاء من الخطة النووية حتى الاكتمال، فلن تولّد ما يكفي لتلبية الاحتياجات المستقبلية، كما يؤكّد معظم الخبراء.

ومع ذلك، هناك بعض الحكمة في محاولة تنويع قطاع الطاقة الذي لا يزال يعتمد بشكل كبير على النفط، حتى لو لم تكن الإجابة برّاقة جداً. يمتلك العراق احتياطات هائلة من الغاز الطبيعي لا تزال غير مُستَغَلّة إلى حدٍّ كبير. وقد أعلنت مؤسسة التمويل الدولية التابعة للبنك الدولي أخيراً أنها ستُقدِّم أكثر من 300 مليون دولار لشركة غاز البصرة، الأمر الذي سيضخّ زخماً في قطاعٍ يتمتّع بإمكانات هائلة لتلبية احتياجات الطاقة في البلاد. يُمكن للعراق أيضاً أن يحذو حذو دول الخليج، التي تستثمر بكثافة في مصادر الطاقة المُتجدّدة، بما فيها الطاقة الشمسية. وكانت بغداد وقّعت في الأسبوع الفائت اتفاقية مع شركة “مصدر” الإماراتية لإنشاء مشروعٍ للطاقة الشمسية في المناطق الوسطى والجنوبية من البلاد، والذي يمكن أن يلعب دوراً أساسياً في المساعدة على تلبية احتياجات البلد من الطاقة، وجعله مثالاً ونموذجاً للاستدامة في المنطقة.

جزءٌ كبيرٌ من الإحباط داخل العراق يعود إلى أن إمكانات هذا المستقبل الواعد يعرفها الجميع وليست سرّاً. إن التعديل وإعادة الخلط السياسي والتشاحن والجدل بين الفصائل القوية هي أمورٌ لا تُغتَفَر عندما نرى أن الكثيرين من العراقيين لا يستطيعون تشغيل وحدات تكييف الهواء مع ارتفاع درجات الحرارة، حيث وصلت هذا الأسبوع إلى 50 درجة مئوية. وبينما تُشير الإستقالة الوزارية إلى إحساسٍ بالمسؤولية، إلّا أنها لا تكفي للتصدّي للتحدّي الهائل الذي تفرضه حالة قطاع الطاقة في البلاد.

  • كابي طبراني هو ناشر ورئيس تحرير مجلة وموقع “أسواق العرب”. ألّف خمسة كتب بالعربية والإنكليزية من بينها “الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني: من وعد بلفور إلى إعلان بوش” (2008)؛ “كيف تُخطّط إيران لمواجهة أميركا والهَيمَنة على الشرق الأوسط” (2008)؛ و”معاقل الجهاد الجديدة: لماذا فشل الغرب في احتواء الأصولية الإسلامية”، (2011). يُمكن متابعته عبر موقعه: gabrielgtabarani.com أو عبر تويتر على: @GabyTabarani

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى