جنوب أفريقيا تذهب الى السينما

عرفت صناعة السينما في جنوب أفريقيا أخيراً إزدهاراً، الأمر الذي حدا بوزارة التجارة والصناعة فيها بإطلاق برنامج حوافز لتشجيع العاملين فيها محلياً ولجذب العاملين في حقل الإنتاج السينمائي في الخارج. ويبدو أن الخطوة قد نجحت حتى الآن كما يروي التقرير التالي.

فيلم "مانديلا": صور في "جنوب أفريقيا"
فيلم “مانديلا”: صور في “جنوب أفريقيا”

جوهانسبورغ – كاتيا عون

على الرغم من أن قلة من الإنتاجات السينمائية المحلية في جنوب أفريقيا معروفة خارج البلاد، فقد تم إنتاج العديد من الأفلام الأجنبية حول جنوب أفريقيا نفسها (عادة ما تنطوي على العلاقات العرقية). وكان الاستثناء الوحيد هو فيلم “الآلهة يجب أن تكون مجنونة” في العام 1980، الذي صُوِّر في كالاهاري. ودارت أحداثه حول كيفية الحياة في مجتمع تقليدي في الأدغال يتغيّر عندما تسقط زجاجة “كوكاكولا” من طائرة عابرة على الأرض فجأة.
يمكن القول، بأن الفيلم الذي كان الأكثر رفعة في المستوى في تصويره جنوب أفريقيا في السنوات الأخيرة كان فيلم “ديستريكت 9” أو “المنطقة التاسعة”. وهذا الفيلم (الخيال علمي) الذي كان من إخراج الجنوب أفريقي نيل بلومكامب، وإنتاج بيتر جاكسون، يصوّر فئة فرعية من اللاجئين الغرباء أُجبرت على العيش في الأحياء الفقيرة في جوهانسبورغ، وهو الأمر الذي إعتبره كثيرون بمثابة رمز إبداعي لنظام الفصل العنصري. وكان الفيلم حقق نجاحاً نقدياً وتجارياً في جميع أنحاء العالم، ورُشّح لأفضل فيلم في الدورة 82 لتوزيع جوائز أكاديمية الأوسكار.
الإستثناءات البارزة الأخرى هي فيلم “تسوتسي”، الذي فاز بجائزة الأوسكار عن أفضل فيلم أجنبي في الدورة 78 لتوزيع جوائز الأكاديمية في العام 2006، وكذلك فيلم “يو-كارمن إي-خايليتشا”، الذي فاز بالدب الذهبي في مهرجان برلين السينمائي الدولي في 2005.

تاريخ السينما الجنوب أفريقية

صناعة السينما في جنوب أفريقيا قديمة العهد، فهي تعود إلى بدايات القرن العشرين، حيث تأسست أول شركات للفن السابع فيها في 1915 مع “إستديوهات كيلارني السينمائية” في جوهانسبورغ.
وخلال العقدين الأول والثاني من القرن الفائت، صُوِّر العديد من الأفلام الصامتة في جنوب أفريقيا في مدينة دوربان أو حولها. هذه الأفلام غالباً ما إستفادت من مشهد درامي مُتاح في ريف “كوازولو ناتال”، وبخاصة منطقة دراكينسبرغ. وقد خدم ريف “كوازولو ناتال” أيضاً كموقع مناسب لأفلام تاريخية مثل “دي فورتريكيرز” (De Voortrekkers ) (1916)، و”رمز التضحية” (1918). وقد أخرج المخرج الاميركي لوريمر جونستون العديد من الأفلام في المنطقة في أواخر العقد الأول من القرن العشرين، والتي لعبت فيها دور البطولة ممثلات أميركيات مثل إدنا فلوغراث وكارولين فرانسيس كوك. وعلى الرغم من مشاركة جونسون، وفلوغراث، وكوك، فقد كانت هذه الإنتاجات جنوب أفريقية ضمّت فاعلين محليين ورَوَت قصصاً محلية.
وكان أول فيلم أفريقي ناطق هو “سري ماريه” (Sarie Marais)، الذي صدر في العام 1931. أما الإنتاجات الصوتية اللاحقة، مثل “داي ويلدسبودجي” (1948)، وطبعة جديدة من “سري ماريه” (1949)، و”دار دوير إن داي بوزفيلد” (1950) فقد واصلت مسيرتها لتلبية طلبات جمهور البيض الإفريقيين الذين يتكلمون الإفريقية.
وقد شهدت خمسينات القرن الفائت زيادة في إستخدام مواقع للتصوير في جنوب أفريقيا والتعاون مع مواهب محلية من قبل صناع السينما العالمية. إن الإنتاجات المشتركة البريطانية مثل “ساحل من الهياكل العظمية” (1956)، والأميركية مثل “قضية كيب تاون” (1957) تعكس إتجاهاً متزايداً للتصوير في المواقع الحقيقية، بدلاً من إستخدام الإستديو والمشاهد الإصطناعية.

توسيع السوق

الواقع أن الشهية المتزايدة على المحتوى المحلي والتقدير المتزايد من قبل صناع السينما الأجنبية لجنوب أفريقيا كموقع تصوير ينبغي أن يحافظ على نمو صناعة الترفيه في البلاد، مع توقع أن يتوسع هذا القطاع ويتجاوز نمو الاقتصاد الأوسع في السنوات المقبلة.
من المتوقع أن تنمو سوق الأفلام الترفيهية في جنوب أفريقيا بنسبة 6.4٪ هذا العام، وتوليد عوائد تقدر ب2.76 ملياري راند (221.1 مليون دولار)، وفقاً لدراسة “برايس ووترهاوس كوبرز”. ومن المتوقع أن تصل الإيرادات إلى 3.42 مليارات راند (273.7 مليون دولار) في غضون ثلاث سنوات، مع توسع الصناعة بمعدل نمو مركب متوسط يبلغ 7.1٪ في السنوات الخمس حتى 2018.
لقد وضعت وزارة التجارة والصناعة نظام حوافز يساعد على دعم صناعة السينما في جنوب أفريقيا، حيث يُقدم المساعدة إلى كل من الإنتاجات المحلية والأجنبية. وهذه الحوافز لا تشجّع فقط التصوير في موقع في البلد ولكنها أيضاً تقدّم حسومات إضافية للعمل بعد مرحلة الإنتاج. وهذا يساعد من جهة على خلق فرص عمل في هذا القطاع، والتي يقدر عددها حالياً بحوالي 25,000، وفقاً لأرقام زارة التجارة والصناعة، ومن جهة أخرى على تطوير قاعدة مهارات الصناعة السينمائية المحلية.
وتشمل الحوافز المالية حالياً حسم (خصم) 20% على الضرائب للأفلام الأجنبية التي يتم تصويرها في جنوب أفريقيا مع موازنات تبدأ ب12 مليون راند (950 ألف دولار) أو أعلى، مع حدّ يبلغ 50 مليون راند (4 ملايين دولار). وهناك أيضاً حسماً إضافياً يتراوح بين 2 إلى 5% يٌعرض لمن يجري أعمال ما بعد الإنتاج على أرض البلاد، وهذا يتوقّف على مستوى الإنفاق. وهناك مخطط ترويج آخر يشمل حسم 35٪ على أول 6 ملايين راند (475 ألف دولار) من الإنفاق المؤهل، مع حسم 25٪ تطبق بعد ذلك، وفقاً لوزارة التجارة والصناعة.

أرقام شباك التذاكر

بالإضافة إلى تعزيز المحتوى والخبرة في جنوب أفريقيا، فإن هذه الحوافز تخلق تأثيراً مضاعَفاً مهماً في الإقتصاد عموماً. وتقدّر وزارة التجارة والصناعة أن كل راند (0،08 دولار) يُنفَق على إنتاج فيلم، فإن 3 راندات (0.24 دولار) أخرى تُنفَق في الإقتصاد الأوسع، أي أن قيمة إستثمارات الوزارة البالغة حتى الآن 60 مليون راند (4.7 ملايين دولار) تزيد ثلاث مرات على نحو فعال.
إن إنخفاض تكاليف الإنتاج هو حافز آخر لجذب صناع السينما في الخارج. وفقاً لدراسة حديثة أجرتها شركة االأبحاث والإستشارات الإقتصادية في لندن “جي أف سي إيكونوميكس”، إن تصوير فيلم في محافظة غوتنغ في جنوب افريقيا هو 40٪ أرخص مما هو الأمر عليه في أوروبا أو الولايات المتحدة، ويصل إلى 20٪ أقل تكلفة من التصوير في أوستراليا.
إن عملة البلاد (الراند) الضعيفة، التي إنخفضت 7٪ مقابل الدولار الأميركي منذ العام حتى الآن، ستجعل تصوير الفيلم محلياً أرخص وأكثر فعالية من حيث التكلفة من الإنتاجات الأجنبية المدرجة في الموازنة بعملاتها. في حين أن تكاليف السفر تظل عاملاً مهماً يؤخذ في الإعتبار في الموازنة، وبخاصة بالنسبة إلى الفرق الآتية من الولايات المتحدة أو أوروبا، فإن ايجابيات إضافية مثل قاعدة المهارات الواسعة في البلاد، والبنية التحتية القائمة، والإستخدام الواسع للغة الإنكليزية، تزن بشدة لصالح جنوب أفريقيا.
إن دعم وزارة التجارة والصناعة، جنباً إلى جنب مع مزايا تنافسية أخرى في جنوب أفريقيا، من المرجح أن تدفع إلى زيادة في الإنتاج الأجنبي الذي سيتم تصويره في البلاد، وفقاً لشارل فان دير ميرفي، الرئيس التنفيذي لمزوِّد خدمة الفيلم والبث “سيلفرلاين360” (Silverline360).
“إنها لحظة رائعة أن تكون في صناعة السينما والتلفزيون، خصوصاً إذا كنت تقوم بوظيفة تلبية إحتياجات شركات الإنتاج الدولية”، يضيف. “وللمضي قدماً، نحن بحاجة الى التوجه الى إنماء طاقتنا الإنتاجية لمواكبة الطلب المتزايد، مع التركيز أيضاً على تعزيز عروضنا عبر سلسلة القيمة بأكملها”.
وقد تلقف العديد من الأفلام البارزة الفرصة بالفعل للإفادة من ميزة العرض الذي تقدمه البلاد. تم تصوير تتمة سلسلة “ماد ماكس: شارع الغضب” جزئياً في جنوب أفريقيا، مع إنفاق 326 مليون راند (25.8 مليون دولار) محلياً وفقاً ل”برايس ووترهاوس كوبرز”، في حين أن فيلم “أفنجرز: عصر يولترون” قد تضمن مشاهد صُوِّرت في جوهانسبورغ وغيرها من مناطق غوتنغ.
ومن المتوقع أيضاً أن يؤدي نمو الصناعة السينمائية المحلية إلى تعزيز توليد المحتوى المحلي. مع ذلك، لتطوير كامل للصناعة الإبداعية في جنوب أفريقيا، يحتاج المحتوى الأصلي الذي يتم إنتاجه بأن يتمكن من محاكاة السوق الأكبر، وفقا لكريستين سرفيس، المديرة الإقليمية لشركة والت ديزني أفريقيا. “تعترف الصناعة بأنها لكي تكون حقاً ناجحة وتموّل تطوير المحتوى مع قيم إنتاج عالية، فإن المجتمع الإبداعي يحتاج إلى صنع محتوى لديه القدرة على الوصول إلى أبعد من بلد واحد أو سوق واحدة”، قالت.

تيار كامل مستقبلاً

يمكن أن تستفيد جنوب أفريقيا أيضاً من تغيير عادات المشاهدة محلياً. ويُعزى النمو في الإستهلاك المحلّي إلى تنامي شعبية السينما التقليدية، فضلاً عن إرتفاع تدفق الأفلام على الإنترنت، والذي من المتوقع أن يلعب دورا أكبر بإعتباره منصة الاختيار بالنسبة إلى المستهلكين في السنوات المقبلة.
أنديل مبيكي، الرئيس التنفيذي للجنة السينما في غوتنغ، يحدّد التقدم التكنولوجي وتغيّر تفضيلات المشاهدة، مثل إرتفاع المتابعة على الهواتف الذكية والهجرة الرقمية، من العوامل الرئيسية التي ستحكم على شكل قنوات الإنتاج والتوزيع في المستقبل. وأضاف: “إن التحوّل من البث التماثلي إلى التلفزيون الرقمي خلق الكثير من المنصات لتوزيع المحتوى في شكل قنوات إضافية”.
مع حوالي 850 صالة عرض سينمائية التي تخدم عدد سكان يصل إلى 53 مليون نسمة، فإن الحصول على إنتاجات محلية يمكن أن يكون محدوداً، على الرغم من أن الإنتقال إلى منصات رقمية رسمية وعلى الإنترنت هو أفضل وسيلة لتوسيع النطاق ومكافحة القرصنة على حد سواء، مع بقاء أقراص الفيديو الرقمية المهربة وسيلة مشتركة لمشاهدة الأفلام المحلية .
وعلاوة على ذلك، فيما ترى هذه الصناعة زيادة في الإستثمار في منصات وسائل الإعلام الجديدة، فإن زيادة في توافر المحتوى ستساعد في زيادة مبيعات التكنولوجيا الجديدة إلى المستهلكين في جنوب أفريقيا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى