نهاية حقبة: ترامب يدعو الصين إلى المشاركة في حماية الخليج

منذ فترة طويلة والصين تحلم بدور كبير في الخليج العربي، ويبدو أن الفرصة أتتها أخيراً من خلال دعوة وجهها إليها الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتغريدة على تويتر للمشاركة في حماية التجارة الدولية في الخليج ومضيق هرمز.

 

الرئيس دونالد ترامب: دعوته على تويتر للصين مزحة أم جدية؟

 

بقلم جيفري آرونسون*

بماذا كان يفكر الرئيس دونالد ترامب عندما أعلن في 24 حزيران (يونيو) الفائت عن مراجعة تاريخية لسياسة الأمن الأميركية في الخليج العربي؟

عندما ذهبت واشنطن لتنام، قصد ترامب حسابه على تويتر وغرّد بأن “الصين تحصل على 91٪ من نفطها من مضيق هرمز، واليابان 62٪، والعديد من البلدان الأخرى كذلك. فلماذا علينا نحن أن نحمي ممرات الشحن لبلدان أخرى (لسنوات عديدة) من دون الحصول على أي تعويض بالمقابل. كل هذه البلدان يجب أن تحمي سفنها الخاصة بنفسها في رحلة كانت دائماً خطرة. نحن لسنا حتى بحاجة إلى أن نكون هناك، فقد أصبحت الولايات المتحدة (إلى حد بعيد) أكبر منتج للطاقة في أي مكان في العالم!”.

منذ “عملية درع الصحراء” في العام 1990، كانت استراتيجية واشنطن الأمنية في الخليج التي اتبعتها بعد الحرب العالمية الثانية خاضعة لسلسلة من التحديات التي لا تنتهي. إلّا أن إعلان ترامب القوي بأن الولايات المتحدة “لا تحتاج حتى إلى أن تكون [في الخليج]، يُشكّل تحدّياً أساسياً – وبالنسبة إلى البعض يخلق فرصة غير مُتوَقّعة لخفض القوة الأميركية في المنطقة.

وفقاً لحساب التفاضل والتكامل لدى ترامب، ليس لدى أي بلد مصلحة أكبر من الصين في المحافظة على الأمن البحري في الخليج. بالتأكيد ليست الولايات المتحدة، التي تستورد 11 في المئة فقط من نفطها من المملكة العربية السعودية.

وكانت الصين أرسلت آخر أسطول ضخم لها إلى مضيق هرمز في أوائل القرن الخامس عشر خلال سنوات المجد للأميرال والمُستكشِف تشنغ خه (سمّاه العرب حجّي محمود شمس لأنه كان بحاراً صينياً مُسلماً). وتعتقد واشنطن الآن أنه ينبغي على بكين أن تلعب دوراً في الخليج وأمن المرور العابر (الترانزيت) يتناسب مع أهمية اعتمادها على مضيق هرمز لعبور طاقة المنطقة إليها، والتي تُمثّل ما يقل قليلاً عن نصف وارداتها من النفط الخام اعتباراً من 2018. هذه المعادلة البسيطة تُفيد عن دعم الولايات المتحدة لدور قيادي صيني في شؤون المنطقة – وهو طموح لم تُعلنه حتى الصين نفسها.

من جهته، لا يُشارك وزير الخارجية مايك بومبيو حماسة رئيسه لدور صيني حميد ومتوسّع. خلال جولة قام بها أخيراً إلى عواصم أوروبية تهدف إلى تحذير الأوروبيين من مخاطر استيعاب تطلعات الصين العالمية، قال بومبيو: “تريد الصين أن تكون القوة المهيمنة إقتصادياً وسياسياً وعسكرياً على العالم، ونشر رؤيتها الإستبدادية للمجتمع وممارساتها الفاسدة في جميع أنحاء العالم”.

وعلى الرغم من ذلك، يدعم بومبيو مطالبة ترامب بأن لا يقع العبء الرئيس المُتمثّل في ضمان النقل الآمن عبر الخليج على الولايات المتحدة . مُتحدّثاً على قناة “فوكس نيوز” التلفزيونية في 22 تموز (يوليو) الفائت، قال بومبيو: “تقع المسؤولية في المقام الأول على المملكة المتحدة لرعاية أمن سفنها. والولايات المتحدة تتحمل مسؤولية القيام بدورها”.

في الوقت الحالي، يظل تقليص دور واشنطن وتخفيض نفقاتها في الخليج حالة ذهنية أكثر من كونه تقييماً ملموساً لقدرتها التي لا تزال قيادية على نشر الموارد في المنطقة الحيوية. على الرغم من ذلك، فإن الجهود الرامية إلى تأكيد تأليف بنية الأمن في المنطقة قد تباطأت باستمرار خلال عهد ترامب. وقد فشلت محاولة الجنرال أنتوني زيني في تشكيل “الناتو العربي”.

نتيجة لحملة “الضغط الأقصى” ضد إيران، تحوّل الإهتمام الآن إلى الأمن البحري. وقد ركزت واشنطن على نحو أخرق بناء الأمن البحري الدولي، وفقاً لنائب مساعد وزير الدفاع الأميركي مايكل مولروي، على زيادة “المراقبة والأمن في المجاري والمضائق المائية الرئيسة في الشرق الأوسط”. لندن فقط، والتي بعد استيلاء طهران على سفينة “ستينا إمبيرو” في تموز (يوليو)، أعلنت عن خطة لقيام جهد أوروبي “لحماية” السفن العابرة للخليج، وقد وقّعت أوستراليا عليها، كما أعلنت إسرائيل دعمها.

ربما تكون واشنطن قد دعت الصين إلى تعزيز حماية مصالحها في الخليج، وربما يرحب “شي جين بينغ” بدعوة ترامب كفرصة لمواصلة توسع بلاده البحري في المنطقة. لكن بكين ليس لديها اهتمام كبير بالرد على دعوة لم يتم تقديمها رسمياً أو إخضاع إستراتيجيتها الأمنية الإقليمية لتفضيلات واشنطن – ولا سيما الحملة ضد إيران – وذلك بسبب الإرتباك غير المسبوق في السياسات الأميركية في واشنطن اليوم.

لم تترك الصين أدنى شك في أنها تعتبر سياسات واشنطن مُتهوّرة في كثير من الأحيان وتحمل نوايا سيئة. من المحتمل أن تنظر بكين إلى بناء الأمن البحري الدولي كتعبير بدلاً من التنصل من هذا الرأي، وتعتبر دعوة ترامب للصين للانضمام إلى تحالفه ضد إيران ليست أكثر من “تمنٍ حالم”.

إن براءة الصين الخاصة لتوسيع بوابتها البحرية إلى الشرق الأوسط متجذرة في استراتيجية ” ربح-ربح” للرئيس شي جين بينغ. لقد انضمت الصين إلى حملة مكافحة القرصنة التي أقرتها الأمم المتحدة لمراقبة المياه المحيطة بباب المندب عندما بدأت لأول مرة في البحر الأحمر قبل عقد من الزمن. وتحول مستودعٌ لوجستي بدائي في جيبوتي لدعم هذا الجهد، حتى الآن، إلى أول قاعدة بحرية خارجية دائمة للصين، مما مكّن بكين من إبراز قوتها البحرية على طول “طريق الحرير البحري” الصيني من البحر الأحمر والقرن الأفريقي إلى السويس. يدعم هذا الجهد العسكري النجاح التجاري لشركات إدارة الموانئ الصينية على طول الممرات البحرية التي تربط الصين بالبحر الأبيض المتوسط.

ويبدو أنه لم تكن هناك متابعة رسمية لتغريدة دعوة ترامب. في 23 تموز (يوليو) الفائت، رداً على سؤال حول اقتراح الرئيس الأميركي، أشار المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية فقط إلى أن “منطقة الخليج مهمة لإمدادات الطاقة الدولية والأمن والاستقرار العالميين. نأمل أن تبذل جميع الأطراف المعنية جهوداً مشتركة لحماية سلامة المرور في المضيق ذي الصلة وكذلك السلام والإستقرار الإقليميين. كما يجب ضمان سلامة مرور السفن الصينية في المضيق”.

بعد ذلك بوقت قصير، ذهبت بكين خطوة إلى الأمام. قال السفير “ني جيان” ل”رويترز” في أبو ظبي في 6 آب (أغسطس): “إذا كان هناك وضع غير آمن للغاية، فسننظر في أن ترافق قطعٌ من أسطولنا سفننا التجارية”.

جاء تأييد بكين الأكثر حماسة بعد الإعلان عن خطة روسيا للأمن الجماعي في الخليج الفارسي – وهي تُحيي أفكاراً قديمة كجزء من المنافسة الدولية لسد الفجوة التي أوجدها اهتمام ترامب بتراجع وانسحاب الولايات المتحدة.

وقد أشار المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية في 25 تموز (يوليو) إلى “أن الصين تعمل على رؤية للأمن المشترك والشامل والتعاوني والمستدام. ونعتقد أنه من أجل تحقيق الأمن العالمي في الخليج، يجب على دول المنطقة تطوير علاقات حسن جوار وعلاقات ودية على أساس الإحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لبعضها البعض. يحتاج المجتمع الدولي إلى تكوين تآزر ولعب دور بناء في تعزيز السلام والاستقرار الإقليميين. ترحب الصين بالاقتراح ذي الصلة المُقدَّم من روسيا، وهي على استعداد لتكثيف الاتصالات والتنسيق مع الأطراف المعنية”.

يخفي الرد الديبلوماسي للصين إهتماماً نشطاً وديناميكياً بتوسيع وجودها في منطقة حيوية لأمن الطاقة وعلى مفترق طرق الإمداد التجاري البحري الدولي. ترامب ليس هو المؤلف الوحيد للتغييرات الدراماتيكية في التفكير الاستراتيجي الأميركي الذي شهدها منذ الثورة الإيرانية التي أنهت التحالف بين واشنطن وطهران. لكن دعوته إلى الصين يُمكن تذكّرها كنقطة تحوّل في تراجع واشنطن وانسحابها من الخليج.

  • جيفري آرونسون باحث غير مقيم في معهد الشرق الأوسط. وجهات النظر المعروضة في هذه المقالة هي خاصة به.
  • كُتبت هذه المقالة بالإنكليزية وعرّبها قسم الأبحاث والدراسات في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى