طريق عمر الرزاز الشاق لإنقاذ الإقتصاد الأردني
كما هاني الملقي، يتسلّم عمر الرزاز منصبه كرئيس للوزراء في المملكة الهاشمية مع تفويض بمعالجة المشكلات الاقتصادية التي تتخطى قدرة الحكومة الأردنية على إيجاد حلول لها.
بقلم كيرك سويل*
في الخامس من حزيران (يونيو)، بعد يوم واحد من قبول العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني إستقالة رئيس الوزراء هاني الملقي، كُلِّف عمر الرزاز رئاسة الوزراء في الأردن، وشُكِّلت الحكومة بموجب مرسوم ملكي في 15 حزيران (يونيو).
ويتسلّم الرزاز منصبه في ظروف غير مؤاتية على الإطلاق: فهو، وزير التربية والتعليم المنتهية ولايته، الذي لم يخض أي جولة إنتخابية ولا يمتلك تفويضاً شعبياً، يتسلّم دفّة الحكومة من رئيس وزراء أُخرِج من منصبه بعد أيام عدة من الاحتجاجات المتواصلة التي تفوّقت في حدّتها على إحتجاجات 2011. وهو يواجه، في شكل خاص، تحدّي وقف التدهور الأخير في الأوضاع المالية للدولة، هذا مع العلم بأن إجراءات التقشّف التي أطلقها الملقي بهدف تبطيء الإنهيار المالي للأردن شكّلت تحديداً الشرارة التي أشعلت الاحتجاجات ضدّه.
عندما تسلّم الملقي رئاسة الوزراء في منتصف العام 2016، كان الأردن ينزلق نحو عدم الملاءة، مع زيادة معدّل الدين إلى إجمالي الناتج المحلي بوتيرة تبلغ نحو خمسة في المئة في السنة، ليصل إلى أكثر من 93 في المئة من إجمالي الناتج المحلي. . نجح الملقي في إنقاذ الأردن من الانهيار السريع، عبر خفض الزيادة في معدل الدين إلى إجمالي الناتج المحلي إلى واحد في المئة في السنة من خلال كبح النمو في النفقات مع تسجيل زيادة كبيرة في الإيرادات وخفض الدعم الحكومي للكهرباء. غير أن الاقتصاد الأردني الذي يُعاني أصلاً من الضعف، ازداد ضعفاً. كان النمو بين العامَين 2014 و2018 هزيلاً مع 2.8 في المئة، وسجّل مزيداً من التباطؤ ليبلغ 2 في المئة فقط في العام 2016 – تاريخ آخر موازنة وضعتها حكومة الملقي – و2.1 في المئة خلال العام 2017 على الرغم من التحسّن الكبير في القطاع السياحي في ذلك العام.
السبب المباشر خلف الاحتجاجات الأخيرة، التي إندلعت في 30 أيار (مايو) الفائت، كان الخطوة التي أقدمت عليها الحكومة بفرض قانون جديد للضريبة على الدخل، لكن الاحتجاجات طالبت أيضاً بالعودة عن الخفوضات في الدعم الحكومي للكهرباء والوقود والخبز. التغييرات المقترح إدخالها إلى قانون ضريبة الدخل ليست جذرية؛ فالضرائب في الأردن منخفضة تقليدياً، والتعديل الأخير المُقرَح يُخفّض الحد الأدنى للدخل الذي يمكن عنده البدء بفرض ضريبة على الأفراد من 12,000 دينار أردني (16,910 دولارات) إلى 8,000 دينار (11,280 دولاراً) في السنة، وعلى العائلات من 24,000 دينار (33,780 دولاراً) إلى 16,000 دينار (22,520 دولاراً) في السنة. كذلك إعترضت الاحتجاجات على التغييرات الأخيرة في الدعم الحكومي للخبز، إنما لم يتم إلغاء هذا الدعم، وفق ما تدّعيه بعض التقارير بطريقة غير دقيقة. بدلاً من ذلك، إزدادت أسعار السوق، وسوف يحصل المواطنون الأردنيون على تعويضات مباشرة تجنّباً لدعم الاستهلاك من الرعايا الأجانب. يُستثنى من هذا الإجراء المواطنون الذين يتخطّى دخلهم 1500 دينار (2110 دولارات) في الشهر، أي ثلاثة أضعاف متوسّط الدخل.
إنقضت الإحتجاجات على خير لكنها كانت حادّة جداً، في العاصمة ومناطق أخرى في البلاد، إلى درجة أن إستمرار الملقي في منصبه لم يعد أمراً عملياً. حتى قبل تعيين الرزاز، ألغى الملك عبدالله، في الأول من حزيران (يونيو)، الزيادات الأخيرة في أسعار الكهرباء والمحروقات، وأعلن الرزاز، في أول خطوة له كرئيس وزراء مكلّف، أنه سيسحب مشروع قانون الضريبة الجديد ويُجري جولة مفاوضات حول بنوده – إلا أنه لم يتعهد بأنه لن يُقدِم على طرحه من جديد في شكل من الأشكال.
حتى الآن، يتحدث الرزاز بلهجة إسترضائية، إدراكاً منه لتجربة سلفه. فقد تعرّض الملقي لانتقادات شديدة بعدما دافع بشدّة، في مقابلة معه في شباط (فبراير) الماضي، عن رصيده في الحكم لكنه قال في كلام ينمّ عن عدم إكتراث للرأي العام، إنه لا يسعى وراء كسب الشعبية – وبالفعل، أظهر إستطلاع للآراء أُجري في نيسان (إبريل) الفائت على أنه رئيس الوزراء الأقل شعبية منذ بدء استطلاعات الرأي الحديثة في الأردن، مع بلوغ نسبة التأييد له 31 في المئة فقط. على النقيض، إجتمع الرزاز بقادة الأحزاب في 11 حزيران (يونيو)، وأثنى على تمدُّن المتظاهرين الأردنيين وتطلعاتهم، متحدِّثاً عن ضرورة الحوار في المرحلة المقبلة، لكنه لفت بعد تشكيل حكومته في 14 حزيران/يونيو، إلى أن الحكومة مضطرة إلى إتخاذ خيارات صعبة في مواجهة معاناة الأردنيين العاديين.
لسوء الحظ، يُبيِّن التقرير الشهري الأخير الصادر عن وزارة المال أن الأوضاع المالية في الأردن تتدهور بسرعة متزايدة. ووفقاً للتقرير، الذي يغطّي شهر نيسان (إبريل) الفائت، إزداد الإنفاق في الأشهر الأربعة الأولى من العام 2018 بمقدار 255 مليون دينار (359 مليون دولار)، في حين أن الإيرادات المحلية المنشأ (أي من دون احتساب المساعدات الخارجية) إزدادت بمقدار 24.3 مليون دينار فقط (34.2 مليون دولار). وفي جانب أكثر إرتباطاً بصورة مباشرة بقانون الضريبة الجديد، إزدادت عائدات الجمارك والرسوم بمقدار 32.8 مليون دينار (46.2 مليون دولار)، إنما فقدت هذه الزيادة شيئاً من فاعليتها بسبب تراجع الإيرادات الضريبية بمقدار 8.5 ملايين دينار (12.0 مليون دولار). وهذا يولّد صافي زيادة في الإنفاق على العجز بمقدار 231 مليون دينار (325 مليون دولار)، تسّببت بزيادة معدل الدين إلى إجمالي الناتج المحلي من 95.3 إلى 96.4 في المئة في غضون أربعة أشهر فقط.
إذا إفترضنا أن هذا النمط سيستمر على إمتداد العام الجاري، فسوف يُضاف نحو 700 مليون دينار (985 مليون دولار) إلى الديون الأردنية، ما يؤدّي إلى زيادة معدل الدين إلى إجمالي الناتج المحلي بنسبة ثلاثة بدلاً من واحد في المئة. على الرغم من أن الإنفاق إزداد بمقدار 358.4 مليون دينار (504.5 مليون دولار) خلال الأشهر الأربعة الأولى، إلا أن التقرير يشدّد على أن أحد الأسباب هو أن الحكومة سدّدت دفعةً واحدة تبلغ 155 مليون دينار (218 مليون دولار) مخصَّصة للرعاية الاجتماعية على مدار السنة بكاملها، والأرقام أعلاه تأخذ هذا الأمر في الحسبان. هذا فضلاً عن أن هذه الأرقام لا تأخذ في الاعتبار تأثير القرار الذي اتُّخِذ في الأول من حزيران (يونيو) بإلغاء خفوضات الدعم الحكومي للكهرباء، والذي من شأنه أن يساهم في زيادة الإنفاق، أو الزيادات في المساعدات الخارجية التي من شأنها أن تؤدّي إلى خفض الإنفاق.
وفي الوقت المناسب على ما يبدو، أعدّت دول الخليج رزمة مساعدات جديدة لمؤازرة الأردن. فقد وافق المشارِكون في قمة مكة التي إنعقدت في 11 حزيران (يونيو) بين قادة السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت والأردن، على رزمة مساعدات بقيمة 2.5 مليارَي دولار على امتداد خمس سنوات. وتضمّنت الرزمة أربع فئات (مع مبالغ غير محدّدة لكل منها): وديعة في البنك المركزي الأردني لتعزيز احتياطي العملات الأجنبية، وضمانات بالحصول على قروض من البنك الدولي، ودعم سنوي للموازنة، وتمويل من طريق الصناديق القائمة للاستثمار في البنى التحتية. وقد ترافق ذلك بطبيعة الحال مع إغداق الثناء الوفير، في وسائل الإعلام المحلية والعربية، على قلق الملوك والأمراء الخليجيين على الأردن وحرصهم عليه.
إلا أنه لن يكون لرزمة المساعدات تأثير واسع كما هو متوقَّع. فاثنتان من الفئات المذكورة أعلاه – الوعود للبنك المركزي والصناديق الاستثمارية – تتوقّفان على القرارات التي ستصدر مستقبلاً عن هؤلاء الحكّام، الذين قد يعمدون في أي وقت إلى سحب ودائعهم، ما يمنحهم ورقة ضاغطة ضد الأردن. وليست للقروض الإضافية من البنك الدولي، ولو كانت بأسعار فوائد مخفَّضة، قيمة حقيقية إلا إذا حلّت مكان القروض الراهنة ذات الفوائد المرتفعة واستُخدِمت بفاعلية.
ولن يكون المكوِّن الأساسي، أي دعم الموازنة، سوى مجرد جزء في هذه الرزمة التي تبلغ قيمتها 500 مليون دولار في السنة. على سبيل المقارنة، لم يمارس برنامج للمساعدات بقيمة خمسة مليارات دولار نفّذه مجلس التعاون الخليجي على إمتداد خمس سنوات من 2013 إلى 2017، أي أثر قابل للقياس على العمالة الأردنية. لقد لمّح نائب رئيس الوزراء الأردني سابقاً، جواد العناني، إلى أن دعم الموازنة الذي أُقِرّ في قمة مكة لن يتخطّى 200 مليون دولار في السنة، وهو مبلغ لا يكفي حتى لتغطية الإنفاق الأردني على العجز في الأشهر الأربعة الأولى من العام 2018. على سبيل المثال، إذا افترضنا أن معدّل الدين إلى إجمالي الناتج المحلي سيواصل ارتفاعه بنسبة ثلاثة في المئة في السنة خلال الأعوام الخمسة المقبلة، فإنّ هذا الدعم الخارجي للموازنة سيؤدّي، بحلول نهاية العام 2022، إلى ارتفاع المعدل إلى 107 في المئة من إجمالي الناتج المحلي بدلاً من 110 في المئة.
أرسلت قطر، التي أرادت على الأرجح أن تتجنّب الظهور في موقع المتروكة على الهامش، وزير خارجيتها محمد بن عبد الرحمن آل ثاني للقاء الملك عبدالله في 13 حزيران (يونيو). لا يتضمّن العرض القطري مساعدات من طريق الهبات، لكنه يشتمل، بدلاً من ذلك، على وعدٍ بإنفاق 500 مليون دولار على مشاريع استثمارية، وتأمين 10,000 فرصة عمل غير محدّدة للأردنيين في الدوحة. كما هو الحال مع الوعود الاستثمارية التي قطعتها دول أخرى، قد يحقّق هذا الالتزام فائدة ملموسة ما، أو قد يتبيّن أنه عقيم ولا جدوى منه، وذلك وفقاً للقرارات التي ستُتَّخذ في المستقبل.
على غرار ما حدث مع الملقي، يتسلّم الرزاز منصبه مع تفويض بمعالجة المشكلات التي تتخطى قدرة الحكومة على إيجاد حلول لها. لقد فقدَ الأردن، منذ فترة بعيدة، قدرته على ضمان ملاءته من طريق التحكّم بقراراته في السياسات. تُظهر كتابات الرزاز عن الريعية وعمله السابق في رئاسة منتدى الإستراتيجيات الأردني أنه فكّر كثيراً بالمهمة الملقاة على عاتقه. لكن فيما لم يتبقَّ سوى عامَين على ولاية البرلمان الحالي، وفي غياب القاعدة الشعبية، سوف يتمكّن الرزاز، في أفضل الأحوال، من الشروع في إصلاحات بنيوية لبناء نموذج اقتصادي-اجتماعي جديد، ويعوّل على النظام الملكي للقيام بذلك. وإلا ستكون حكومته مجرد حكومة أخرى تعتاش من المساعدات وتُمرّر مشكلات أكبر إلى الحكومة التي ستخلفها.
• كيرك سويل مالك الشركة الاستشارية “Utica Risk Services” المتخصّصة بدراسة المخاطر والتي تركّز في شكل خاص على الشرق الأوسط. لمتابعته عبر تويتر uticarisk@
• عُرِّب هذا الموضوع من الإنكليزية
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.