50%  من اللاجئين السوريين يعملون في لبنان ولا مَن يراعي القوانين

لا يزال النشاط الإقتصادي في لبنان مقيّداً بالإضطرابات القائمة حالياً في المنطقة ولا سيما في العراق وسوريا، وكل ما تحمله من تداعيات على حركة القطاعات اللبنانية ونموّها. أمام هذا الواقع، لم يكن أمام صندوق النقد الدولي إلا ان يتوقّع تسجيل الاقتصاد اللبناني نمواً خجولاً لن يتعدى 2,5% في 2015 مقارنة بنسبة 2% في 2014، مع إرتفاع مستمر في عجز المالية العام من 7,1% العام الماضي الى 9,1% خلال السنة الجارية، بالاضافة الى إرتفاع الدين العام الى قرب الـ73 مليار دولار.
يؤكد العديد من المؤسسات ان الإقتصاد اللبناني سيعاني في 2015 من تداعيات الأزمة السورية، لا سيما من تداعيات أزمة اللجوء السوري التي ضاعفت من عمق الأزمة الاجتماعية في لبنان، وسببت مباشرة في ايجاد جيل جديد من العاطلين من العمل، إرتفع عددهم إلى حوالى 346 الف لبناني وفق أرقام وزارة العمل، في وقت يتخطى هذا الرقم الـ400 الف بحسب الإحصاءات غير الرسمية، وبالتالي أصبحت نسبة البطالة في لبنان قرب الـ25% من إجمالي القوة العاملة لتصل الى 36% بين الشباب. فلبنان اليوم يستضيف حوالى 40% ممن هربوا من سوريا، مع أكثر من مليون لاجئ سوري مسجّل، وأكثر من 600 الف غير مسجل، 50% منهم دخلوا سوق العمل اللبناني، ما ساهم أيضاً في ارتفاع عدد اللبنانيين الذين يعيشون تحت خط الفقر الى أكثر من مليون و170 الف نسمة. ولا تقتصر أزمة اللاجئين السوريين على توفير الدعم المالي للدولة اللبنانية لتوزيعها أو لتغطية الحاجات، على رغم ضآلة هذا الدعم قياساً بحجم التداعيات والأزمة الإنسانية ، بل أصبحت تتعلق بالأمن الاقتصادي للمواطن الذي بدأ يعاني فعلاً من ضغط كبير حيال المنافسة غير الشرعية التي يتعرّض لها العامل اللبناني، في ظل ركود يعيشه الإقتصاد منذ أعوام. فسوق العمل اللبنانية تعاني من المنافسة غير الشرعية وغير المتكافئة، بعدما أقدم العديد من المؤسسات على إستبدال العمال اللبنانيين بآخرين سوريين لتخفيف التكاليف عنها.
وخلال الأشهر الماضية، تزايدت الشكاوى التي وردت إلى وزارة العمل من عمال لبنانيين يطـردون من وظائفهم، ومن النقابات العمالية المختلفة التي تشكو إستباحة سوق العمل اللبنانية. أمام هذا الواقع، دعت وزارة العمل مختلف الشركات والورش والمصارف والمستشفيات والفنادق والمطابع والمعامل والمطاعم والجمعيات وغيرها، الى إلتزام قانون العمل والأنظمة الإجرائية التي ترعى تنظيم عمل الأجانب في لبنان والسوريين ضمناً. وقد أمهلت دوائر الوزارة هذه المؤسسات أشهراً لتشريع وضع العمالة الأجنبية لديها، بناء على طلب وزير العمل سجعان قزي الذي أراد إعطاء هذه المؤسسات الوقت الكافي لترتيب أوضاعها وللتخفيف من إنفاقها في هذه الظروف الإقتصادية الصعبة. ولهذه الغاية، عقد قزي سلسلة إجتماعات مع مختلف قطاعات الإنتاج بحضور إختصاصيين من الوزارة لتسهيل إصدار إجازات العمل وتقسيطها زمنياً. أما إذا إنقضت مهلة السماح، ولم تبادر مختلف هذه المؤسسات إلى تسوية أوضاع العمالة الأجنبية فيها، فعادت الوزارة وطالبتها بإعطاء الأولوية في فرص العمل للبنانيين، وحصر الإستعانة بالعمالة الأجنبية في القطاعات التي تحتاج إلى الأجانب والخبرات الأجنبية، ووقف تسريح اللبنانيين لتوظيف الأجانب وخصوصاً السوريين، بالإضافة الى الإسراع في مهلة لا تتعدى الأسبوعين إلى طلب إجازات لهؤلاء العمال من خلال دوائر وزارة العمل مباشرة.
وأي تخلّف عن إلتزام القانون سيعرّض المؤسسة المعنية لغرامات ولمساءلة إدارية وقضائية، وستسطَّر محاضر ضبط في حق المخالفين تصل قيمتها الى 2,7 مليوني ليرة تُفرض على كل عامل يخالف قوانين العمل اللبنانية، بالاضافة الى غرامة مماثلة يتحملها رب العمل بالقيمة نفسها عن كل عامل يعمل ضمن مؤسسته بشكل مخالف للقوانين. كما أمهلت الوزارة المؤسسات المخالفة مدى 15 يوماً لتسوية وضعها، على أن يتم تخفيف قيمة المحضر الى 250 الف ليرة. وفي حال عدم إتمام التسويات يتم تحويل الملف الى النيابة العامة التمييزية لإتخاذ القرارات المناسبة في حق المخالفين. وفي هذا السياق، شكّل قزي “خلية طوارئ” في الوزارة للإشراف على حسن تنفيذ هذه المهمة.
بدأ لبنان في 5 كانون الاول (ديسمبر) 2014، تطبيق معايير جديدة تنظم دخول السوريين الى لبنان والإقامة فيه وتقوم على فرض سمة او إقامة، وهو أمر لم يكن معمولاً به من قبل، اذ كان السوريون يدخلون بحرية تامة ويعملون او يقيمون في لبنان من دون أي قيود. ولكن مع إستمرار الأزمة، يجب بدء تنفيذ خطوات أخرى قد تساهم في حماية سوق العمل اللبنانية من المنافسة السورية، ومنها وقف العمل بالإتفاق الثنائي الذي وُقّع بتاريخ 18 تشرين الثاني (نوفمبر) 1994 بين لبنان وسوريا والذي يحدّد مجال العمل بين البلدين، أو إعادة النظر فيه، لحين عودة الإستقرار إلى سوريا، ولكن هذه الخطوة مستحيل أن تمر في مجلس الوزراء في ظل الانقسام السياسي الحاد بين مكوّناته.
إشارة الى أن عدد العمال السوريين الحائزين اجازة عمل في لبنان لا يتعدى الـ8 آلاف عامل، بينما يبلغ مجمل العمال الاجانب المستوفين شروط العمل في لبنان حوالى 200 ألف عامل. ولكن وفق الأرقام غير الرسمية، وصل عدد العمال السوريين في لبنان الى اكثر من 700 الف، فيما تجاوزت ارقام العمالة الاجنبية الاخرى غير المنظمة الـ 150 الف شخص.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى