جمعية لبنانية تَبني مستقبل الوطن من طريق رعاية أطفاله

في ظل الحروب والأزمات التي عانى منها لبنان على مر السنين، وما زال، وُلدت مؤسسات وجمعيات كثيرة لا تسعى إلى الربح هدفها معالجة التداعيات الإجتماعية المترتبة. وجمعية “دار الطفل اللبناني” هي إحدى تلك الجمعيات التي ركّزت جهودها على إنقاذ الطفولة في بلد الأرز إيماناً منها بأن إنقاذ الأطفال يقود إلى ضمان المستقبل.

أمل فرحات باسيل: رعاية الأطفال هي رعاية مستقبل البلاد
أمل فرحات باسيل: رعاية الأطفال هي رعاية مستقبل البلاد

بيروت – مازن مجوّز

” أنا أعاني، لدي مشكلات نفسيّة كثيرة تنعكس عليّ صعوبة في النطق، لا زلت أتبوّل وأخرج بطريقة لا إراديّة، أنا منطوٍ على نفسي ولا أندمج ضمن مجموعة، أعاني من تأخّر في الدراسة، لا أميّز الزمان والمكان، أستيقظ في الليل مذعوراً من كوابيس تراودني” . تلك هي حال هادي، طفل من عشرات الأطفال في جمعية “دار الطفل اللبناني” (AFEL ) التي لا تتوخى الربح والتي ترعى الأيتام وذوي المشاكل الإجتماعية كالتعنيف أو الذين يعانون من سوء المعاملة أو مشكلات في الإستيعاب .
واليوم، وبعد ما يقارب السنة على وجوده في أحضان الجمعية بات هادي يجيد إمساك القلم والرسم، ويضيف :” أصبح بإمكاني الذهاب إلى المرحاض بمفردي؛ أعلم أن من في عمري هم أفضل مني، ولكنني أتحسّن وأتطوّر، ومع الوقت سأعيش حياة طبيعيّة مثل كلّ الأولاد”.
وطبعاً هذه المتابعة المتخصّصة مُكلِفة بالنسبة إلى الجمعية التي تحرص على رعاية الأطفال لديها لفترة طويلة لتكفل تغيير مسار حياتهم… نحو حياة جميلة ومستقبل مشرق.
وفي تعريف لجمعية “دار الطفل اللبناني” نجد أنها مؤسسة غير حكومية، علمانية، لا سياسية ولا طائفية، تأسست في العام 1976 وأعلنت بأنها ذات منفعة عامة بقرار يحمل الرقم 3872 في العام 1987.
ورداً على سؤال حول أهداف الجمعية تجيب مديرة الجمعية أمل فرحات باسيل: “نركز في عملنا على إستقبال الطفل، ومتابعته وتمكينه إجتماعيا ً، دراسياً، معنوياً، وعاطفياً من أجل إنخراط أفضل في عائلته ومحيطه ومجتمعه، لأن طفل اليوم هو لبنان الغد”.
ووفق باسيل فإن مبادىء العمل في الجمعية تستند إلى: الكفاءة والمهنية في التدخل من قبل فريق عمل متعدّد الإختصاصات؛ والوساطة والحوار؛ إضافة إلى التوعية والوقاية والتدخل.
وحول مناطق العمل توضّح: “يتركز عملنا في المناطق التي تتواجد فيها مشاكل إجتماعية وصحية خطيرة ناتجة عن بنية تحتية غير صالحة، عن الفقر والاهمال، وعلى العائلات التي تعاني من عنف، وتفكك، وإدمان، ودعارة، وبطالة ومشاكل وإضطرابات نفسية، ومستوى علمي متدنٍ”.
ويبدو أن عدم إستقرار الوضع السياسي في البلاد يساهم في زيادة إنعدام الثقة بين الافراد داخل المنطقة، خصوصاً أنها تمتاز بتعدد الإنتماءات الجنسية والطائفية والحزبية، وهذا ما شكل عنصراً إضافياً لعمل الجمعية التي وصل عدد المستفيدين فيها: 225 عائلة و469 طفلاً.
ومن هنا فإن البُعد الإنساني والإجتماعي للجمعية يتمثل برسالتها التي تأخذ بعين الإعتبار إحتياجات الفئات المستفيدة من خدماتها، فهي بالإضافة إلى العمل مع الأطفال المُعرَّضين للإساءة والتحرّش الجنسي، والأطفال المعرَّضين للإنحراف والذين يعانون من صعوبات تعليمية، تقوم بتأمين الحماية والوقاية للأطفال وتمكين إنخراطهم بطريقة سليمة في المجتمع. فضلاً عن تزويد وتمكين الاطفال بوسائل حماية الذات، والعمل على إستقلاليتهم وتطوير قدراتهم على المرونة والصمود أمام الصعوبات، بإعتبارهم عوامل للتغيير وأطرافاً فاعلة في تعزيز بيئة توفر لهم الحماية.
تتوزع مراكز الجمعية في ثلاث مناطق، وعن ذلك تشرح باسيل: “حالياً لدينا مركز داخلي يستقبل الأطفال الذين يتعرّضون للعنف وللتحرش في منطقة جوار البواشق – كسروان. فيما المركز الثاني في برج حمود وهو مدرسة متخصصة للأطفال الذين يعانون من صعوبات تعلمية ومن إضطرابات سلوكية، والهدف أن يتمكن هؤلاء لاحقاً من الإلتحاق بمدرسة عادية. أما المركز الثالث فيقع في سن الفيل، والأطفال فيه يسكنون في منطقة النبعة المعروفة بكثافتها السكانية، وهو مركز نهاري للوقاية من الانحراف والعمل المبكر للأطفال”.
وما يجدر التوقف عنده أنه عندما يصل الطفل إلى عمر 18 عاماً يكون قد تعلم على الأقل القراءة والكتابة، وبإمكانه التوجه إلى العمل في مهنة وقد تجنب العمل في سن مبكرة، وبالتالي لا يتعرض للإستغلال الذي يمكن أن يتعرض له الأطفال الذين يعملون في سن مبكرة.
ولا تتوقف طموحات الجمعية عند هذه الحدود إذ أطلقت بالتعاون مع العدّاء ورجل الأعمال اللبناني غسّان حجّار مشروع “AFEL XTRM”، حيث سيشارك في “ماراتون الرمل” في الصحراء المغربيّة (Marathon des Sables)، الذي يُعدُّ من الأصعب في العالم، لتشجيع الناس وحضّهم على التبرّع للجمعيّة، وجمع مبلغ معيّن من المال لمساعدة عشرة أطفال (هادي من ضمنهم)، والتكفّل بهم ليتمكّنوا من رسم حياة جديدة.
ويقول حجار :”الهدف من هذه المغامرة هو أنك تجعل نفسك تعيش في صعوبة معينة كي تسلط الضوء على الفكرة ذاتها والتي هي “صعوبة الطفل في الدار اللبناني””. لافتاً إلى أن “لا مشكلة لديه من المعاناة المتمثلة بالظروف الصعبة جداً خصوصاً من ناحية المناخ والطقس من أجل أولاد الجمعية”. وإنه قد إختار ظرفاً أصعب من الظرف الذي يعيشه الأولاد، لكي يرى من يرغب بالتبرع المعاناة المزدوجة .
هذه المبادرة ليست الأولى من نوعها التي يخوضها حجار: “خضت تجربة ماراتون بيروت 2014، وهوايتي الركض، بعدها عرضت على الجمعية لماذا لا نقوم بحملة ندمج فيها تحدي يوميات هذه المؤسسة بتحدٍّ ثانٍ يقوم على ركض ماراتون بكامله أي 42 كلم؟ خصوصاً بعد نجاحي في التجربة الأولى حيث نجحنا في تعريف الكثير من الناس على الجمعية عبر أسلوب جديد، إعتمدنا فيه العديد من وسائل التواصل الإجتماعي، كما وأجرينا الكثير من الإطلالات الاعلامية شرحنا فيها أهداف الجمعية ودورها، ونجحنا في الوصول إلى تبرعات بقيمة 12 ألف دولار في فترة قصيرة”.
وفي تفاصيل الماراتون الثاني أنه سيجري في نيسان (إبريل) الحالي في صحراء المغرب لمسافة 250 كلم ويمتد لفترة 6 أيام، وبمشاركة عدائين من عدد من بلدان العالم ، وسيكون حجار المشترك الوحيد من لبنان. ومما يميز هذا الماراتون هو الإكتفاء الذاتي حيث سيحمل حجار 10 كلغ على ظهره طيلة مدة السباق.
خطوة يصفها حجار ب” المهمة ” بعدما لاقت الكثير من الإستحسان والتشجيع، وأن على المؤسسة أن تركّز عليها، “أي العمل على صورة مختلفة وغير مألوفة حيث نسلط عليها الضوء لإظهار كيفية تعبي وعملي من أجل الجمعية، وهكذا تكون مثالاً للمجتمع ولنفسك ولأولادك ولأولاد الجمعية”، يؤكد حجار.
وحسب باسيل فإن مبادرة حجار تشجّع الشباب اللبناني على إعتماد قضايا إنسانية وإجتماعية يؤمنون بها ويكون دعمهم في طرق متعددة. مشيدة بهذا العمل الذي يقوم به حجار بمفرده، ويدفع تكاليفه من جيبه الخاص حيث ” أسس لجنة مصغرة تقوم بحملة التبرع، كما وأن جميع الأفراد الذي أنضموا إلى الحملة كان من باب التبرع. وكل دولار يحصل عليه يذهب تلقائيا للقضية التي يؤمن بها أي “دار الطفل اللبناني”.
وإذ تذكر باسيل بأن دور الجمعيات الأهلية هو العمل على موضوع الوقاية، تشدد على “أننا نساهم بدفع قسط المدرسة للأولاد، الذين وقعوا ضحية التسرب لأسباب كثيرة منها: إقتصادية، عدم معرفة الأهل بأهمية التعليم عند الأولاد، التمييز بين الرجل والمرأة”.
وهؤلاء يتعلمون – من ضمن نشاطات الجمعية – كيف يدافعون عن أنفسهم، وأن يعرفوا حقوقهم وكيف يواجهون المخاطر المحتمل أن يتعرضوا لها في الشارع وفي البيت وفي المجتمع. “عملنا عمل وقائي هدفه حماية الأطفال ومنعهم من العمل في عمر مبكر وهم لا يزالون يذهبون إلى المدرسة”.
وفي الختام تشير باسيل إلى أن 10% من قيمة المساعدات تتلقاه الجمعية من وزارة الشؤون الإجتماعية في لبنان. ثم هناك مؤسسة في فرنسا تدعمها قليلاً كما أن هناك متبرعين من لبنان على الصعيد الفردي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى