رُغمَ تَهديداتِها المُتَكَرِّرة، مِن غَيرِ المُرَجَّحِ أن تُوَسِّعَ إسرائيل حَربَ غزّة إلى لبنان

مايكل يونغ*

وَسطَ تقاريرٍ تُفيدُ بأنَّ الولايات المتحدة طلبت من إسرائيل تَقليصَ حِدّة وشِدّة هجماتها في غزة، تحوّلَ بعضُ الاهتمام إلى الجبهة الشمالية الإسرائيلية مع لبنان. منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر)، شارك “حزب الله” وإسرائيل في سلسلة من المناوشات الحدودية التي تمَّ احتواؤها نسبيًا ولكنها تسبَّبت في خسارةٍ كبيرة في الأرواح ، حيث قُتِلَ أكثر من 150 شخصًا، بين عسكريين ومدنيين من كلا الجانبين.

يتصارعُ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع مشكلةٍ كبيرة في شمال إسرائيل. قامت حكومته بإجلاء معظم السكان هناك لتجنّب تكرار ما حدث مع “حماس” في 7 تشرين الأول (أكتوبر) مع “حزب الله”، وينتظر عشرات الآلاف من الإسرائيليين العودة إلى الشمال. ومع ذلك، فإنهم يرفضون القيام بذلك بدون ضمانات السلامة.

من جهتها، تُريدُ إسرائيل منطقة منزوعة السلاح على الحدود على الجانب اللبناني، والتي سوف ينسحب منها “حزب الله” وحلفاؤه إلى ما بعد نهر الليطاني. هذا الأمر لن يفعله “حزب الله”، على الرُغم من أنَّ قرارَ مجلس الأمن 1701، الذي أنهى حرب العام 2006 بين “حزب الله” وإسرائيل، يدعو إلى منطقةٍ “خالية من أيِّ أفرادٍ مسلحين” بين الحدود والليطاني، باستثناء الجيش اللبناني وقوات الأمم المتحدة في لبنان (يونيفيل).

هدّدَ المسؤولون الإسرائيليون بإطلاقِ هجومٍ ضد لبنان وفَرضِ الحلٍّ الذي يُرضيهم. أخبر مسؤولون أميركيون موقع “هافينغتون بوست” أنهم يشعرون بالقلق من أنَّ إسرائيل تسعى إلى الحصول على الأسلحة الأميركية لتوسيع الحرب إلى الشمال. على الرُغمِ من أنه سيكون من الغباء التأكيد على أنَّ هذا لن يحدث، إلّا أنَّ هناك عقبةً رئيسة تمنعُ إسرائيل من السير في مثل هذا المسار.

ترفضُ إدارة بايدن هذا الخيار، مُعتقدةً أنَّ حربًا جديدة في لبنان من المرجح أن تتوسّعَ إلى حريقٍ إقليمي من حرب إسرائيل-غزة. في منتصف تشرين الثاني (نوفمبر)، كانت هناك تقاريرٌ تُفيدُ أنَّ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن قد اتصل بنظيره الإسرائيلي، يوآف غالانت،  وأجرى معه “محادثةً مباشرة وصريحة” عبر فيها عن “مخاوفه” بشأنِ تصعيدِ إسرائيل على الجبهة اللبنانية، وفقًا لللصحافي، المُطَّلِّع عادةً، باراك رافيد.

العام المقبل هو عام انتخابات لدى الرئيس الأميركي جو بايدن. آخرُ شيءٍ يحتاجه هو أن يُفرَضَ على بلاده صراعٌ آخر في الشرق الأوسط. الناخبون الأميركيون باتوا إنعزاليين بشكلٍ مُتزايد ويُعارضون بشدّة أيَّ تورّطٍ أميركي في حروبٍ خارجية. من المفهوم أن بايدن قد يشعر أنَّ حربًا إقليمية جديدة ستُغرِق فرصه في إعادة انتخابه.

لتجنُّبِ انفجارٍ في لبنان، أرسلت الولايات المتحدة مبعوثًا، عاموس هوشستاين، إلى المنطقة قبل بضعة أسابيع.  هوشستاين، نائب مساعد للرئيس بايدن، توسّطَ في تحديدِ الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان في العام الماضي. وبحسب ما ورد في تقارير عدة قام بتعميم خطة من أربع نقاط للبنانيين لتهدئة الوضع، رَكّزَت إحداها على تحديدِ الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل.

بناءً على هذا، يبدو أن مهمة هوشستاين تُشيرُ إلى شيئين: واشنطن حريصة على إيجادِ طريقةٍ ديبلوماسية للخروج من الوضع اللبناني المُعقّد، بدون حرب؛ وبالتالي، قد تكون التهديدات الإسرائيلية المتزايدة بُعدًا لاستراتيجيةِ تفاوضٍ إسرائيلية أكثر من كونها نية واضحة لتوسيع حرب غزة إلى لبنان.

الوجهُ الضمني لعرض هوشستاين، إذا أخذ طابعًا رسميًا، هو أنَّ المفاوضات التي يدعو إليها من الأرجح أن تمتدَّ بَعدَ الإطار الزمني لنزاع غزة. بعبارةٍ أخرى، فإن المبعوث الأميركي يحاول شراء الوقت، وبهذه الطريقة، قد يهدف إلى جمع الأطراف في محادثات تقلل من احتمالات وقوع حرب في لبنان. ونُقِلَ عنه بأنه يعتقد أنه بمجرد الاتفاق على الحدود البرية، ستتمُّ إزالة مُبَرِّر “حزب الله” لمهاجمة إسرائيل.

ربما هذا هو السبب في أنَّ مثل هذه المفاوضات من المحتمل أن تكون صعبة، إن لم تكن مستحيلة. لا يريد “حزب الله” ترتيبًا نهائيًا على الحدود من شأنه أن يأخذ عذره ومُبَرّره لمتابعة الضغط العسكري على إسرائيل، نيابةً عن راعيته، إيران.

ومع ذلك، قد يكون الحزب أيضًا في مزاجٍ لإجراءِ نوعٍ من التفاوض. السبب بسيط: إذا لم يُنهِ أيُّ اتفاقٍ رسمي الأعمال العدائية مع إسرائيل، فقد يستفيدُ الإسرائيليون من ذلك لمتابعة هجماتهم ضد لبنان والحفاظ على حالةِ توتّرٍ دائمة على الحدود من أجل فَرض حلٍّ يختارونه هم.

أوضح “حزب الله” مرة أخرى في الأسبوع الماضي أنه لا يسعى إلى حربٍ مُوَسَّعة في لبنان. هاشم صفي الدين، رئيس المجلس التنفيذي للحزب وابن عم الأمين العام السيد حسن نصر الله، هو الذي أكّدَ على ذلك. بعبارةٍ أخرى، جاء التأكيد من أقرب المقربين للقائد الأعلى.

مثل هوشستاين، قد يرى “حزب الله” المفاوضات كوسيلةٍ لتجنّب الصراع. في نهاية المطاف، قد يختار المشاركة، ولكن قد يتجنّب الدخول في تسوية نهائية على الحدود لإبقاء خياراته مفتوحة.

قد يكون لدى الحزب سببٌ آخر لصالح المفاوضات. إذا تمكن “حزب الله” من تحويلِ أيٍّ من تنازلاته على الجبهة الإسرائيلية إلى مكاسب محلية في لبنان، فقد يحاول استخدام المفاوضات لتأمين التأييد الإقليمي والدولي لمرشحه المفضّل لرئاسة لبنان، سليمان فرنجية.

سوف توضّحُ الأسابيع المقبلة احتمال الحرب في لبنان. ولكن في الأسبوع الفائت في إسرائيل، أعرب مستشار الأمن القومي الأميركي، جايك سوليفان، عن تفكير واشنطن بشكلٍ لا لُبسَ فيه. قالَ إن “نتيجة التفاوض” هي أفضل طريقة لطمأنة سكان إسرائيل الشمالية. وقد أكد سوليفان أن تهديد “حزب الله” “يُمكِنُ التعاملُ معه من خلال الديبلوماسية ولا يتطلّبُ إطلاقَ حربٍ جديدة”.

  • مايكل يونغ هو رئيس تحرير “ديوان”، مُدوّنة برنامج كارنيغي الشرق الأوسط، بيروت، وكاتب رأي في صحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية. يُمكن متابعته عبر تويتر على:  @BeirutCalling
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى