دول الخليج: الإحتياطات السيادية لتحفيز القطاعات الإقتصادية

يتركّز البحث حالياً على طريقة تعامل دول المنطقة مع مجموعة من المتغيّرات الرئيسية التي تؤثر في حاضر الأنشطة المالية والإقتصادية ومستقبلها، إذ تنفذ دول المنطقة خططاً إستراتيجية شاملة يحتاج تنفيذها إلى مزيد من الوقت، في الوقت الذي تتخذ إستثمارات القطاع الخاص الإتجاه ذاته، إذ يضخ القطاع الخاص مزيداً من الإستثمارات في الأنشطة المالية والإقتصادية كافة.
وأشار تقرير لشركة “المزايا القابضة” إلى أن “ذلك يأتي إعتماداً على مجموعة من العوامل والمحفزات، على رأسها تسجيل أسعار النفط مستويات مرتفعة خلال النصف الأول من العام الماضي، وبالتالي إرتفاع العوائد التي تسمح بتنفيذ الإستثمارات، إضافة إلى تنفيذ دول المنطقة حزمة كبيرة من المشاريع ذات التأثير الطويل الأجل، ما رفع معدلات التشغيل والطلب على المخرجات العقارية والتجارية والإستثمارية، مع توقعات بأن يتضاعف الطلب على المخرجات والأنشطة خلال الفترة المقبلة، مع نجاح الدول في الحفاظ على ميزات تنافسية على مستوى جذب الإستثمارات الخارجية، ما يتطلب مزيداً من الإنفاق، وبالتالي يجب تأمين مصادر الأموال التي تضمن إستمرار الإنفاق على مشاريع التنمية، ما يعني اللجوء إلى الإحتياطات المتراكمة كلما دعت الحاجة”.
ولاحظ التقرير “تبايناً بين الدول المنتجة للنفط وتلك المستهلكة لجهة الإستفادة والنتائج الإيجابية، إذ أن إنخفاض تكاليف الطاقة لدى الدول المستهلكة سيمنحها قدرة أكبر لتطوير مناخها الإستثماري وتفادي عجوزات في موازناتها، فيما ستواجه الدول المنتجة خيارات اللجوء إلى الاحتياطات في أول دخول في العجز نظراً إلى ضخامة المشاريع الطموحة قيد التنفيذ وحجم الأموال اللازمة لإنجازها.
وصرح رئيس البنك الدولي جيم يونغ كيم بأن إحتياطات دول الخليج المالية ستمنحها الحماية اللازمة إذا ما تواصل إنخفاض أسعار النفط أو إستقر عند مستوياته الحالية، والتي تقل عن مستواه في حزيران (يونيو) الماضي بنحو 57 في المئة. وتوقع أن يكون العام الحالي الأفضل في تاريخ التنمية العالمية، إذ تسعى منظمة التمويل الدولية إلى الخروج بإطار جديد لتمويل التنمية بطريقة مستدامة بدلاً من الإعتماد على قرارات الدول المانحة، مع الأخذ بالإعتبار حال التباين بين الإقتصادات الفاعلة على المستوى العالمي.
وأكد تقرير “المزايا” أن “مشاريع القطاع الخاص، التي تتركز على المشاريع الإستثمارية العقارية والتجارية والصناعية والسياحية وغيرها، ترتبط بتوقعات نمو الإقتصاد العالمي والإقتصادات التي تعمل فيها، وتتأثر كلما شهد الإقتصاد العالمي حالة عدم إستقرار وغموض. وفي المقابل، فإن إستثمارات القطاع الخاص سترتبط بما يحدث في أسواق الطاقة، فيما سترتفع مستويات المراقبة والمتابعة لخطط الإنفاق الحكومي وبدقة خلال الفترة المقبلة من قبل القطاع الخاص لتنفيذ التعديلات اللازمة على خطط الاستثمار والتوسعات إنسجاماً مع خطط الإنفاق.
يُذكر أن توجهات وخطط القطاع الخاص تحتفظ بدرجة حساسية مفرطة مع خطط الإنفاق الحكومي لدى دول المنطقة، وبالتالي يُتوقع أن تشهد وتيرة النشاط ومعدلات التشغيل للقطاع الخاص تباطؤاً تدريجياً حتى تتضح ظروف الأسواق وتنجلي الخطط والتوجهات الحكومية، إضافة إلى وضوح مسار أسواق الطاقة والأسعار السائدة في كل فترة. وأكد صندوق النقد الدولي أن دولة الإمارات لديها إحتياطات مالية قادرة على منحها الحماية اللازمة لتواصل مشاريع الإنفاق والتوسع لديها، ستغنيها عن اللجوء إلى خفض الإنفاق.
وأشار التقرير إلى أن “دولة الكويت تستبعد اللجوء إلى الاحتياطات، في الوقت التي تستند فيه الموازنة الكويتية على سعر 75 دولاراً للبرميل وتتجه فيه الحكومة إلى سياسة ترشيد الإنفاق، فيما تؤكد السلطات المعنية بأن اللجوء إلى الاحتياطات المالية غير ممكن حالياً حتى لو إستمر تراجع أسعار النفط إلى أقل من المستويات الحالية بكثير. ولفت إلى أن “الارتفاع القياسي المسجل على الإحتياطات الدولية لقطر سيرفع من مستويات الثقة العالمية بالاقتصاد القطري ويعزز إمكان جذب مزيد من الاستثمارات الخارجية، في الوقت الذي تمثل الاحتياطات الوضع الاقتصادي والسياسات المالية والنقدية الناجحة التي تنفذها الدولة”.
وأضاف التقرير أن “الموازنة التي إعتمدتها المملكة العربية السعودية تستند إلى الإحتياطات النقدية الهائلة، والتي أكدت إستمرار تنفيذ مشاريع التنمية خلال السنوات الخمس المقبلة، كما أنها قادرة على تحمل إنخفاض أسعار النفط، ما ساهم في تبديد المخاوف من تأثر أكبر إقتصاد مصدر للنفط في العالم بهبوط أسعار النفط، ما يعني أن المشاريع العقارية التي تموّلها الدولة والمشاريع الصناعية ومشاريع البنية التحتية ستتواصل”.
وأكد أنها “المرة الأولى التي تلوّح فيها دول الخليج باللجوء إلى الاحتياطات للتخفيف من الضغوط السوقية الناتجة من تراجع عوائد النفط، ما يعني أنها ماضية في تنفيذ خططها التنموية والمشاريع الطموحة في الظروف كافة، إضافة إلى أن القرارات التي تواكب إعتماد الموازنات، وتختبر قدرة القطاعات الإقتصادية الرئيسية على المساهمة في الناتج المحلي الإجمالي وتحفزها للوصول إلى أعلى معدلات التشغيل الممكنة، إذ أن نجاح القطاعات الإقتصادية الرئيسية في تعويض جزء من النقص الحاصل على عوائد النفط يشكل نجاحاً كبيراً للسياسات المالية والإقتصادية التي تعتمدها هذه الدول”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى