الشباب الخليجي ومعضلة البطالة

بقلم الدكتورة أمل الشنفري*

تعرَّضت المجتمعات في دول مجلس التعاون الخليجي العربية إلى تغيّرات كبيرة وجذرية في فترة وجيزة نسبياً نتيجة لإكتشاف النفط وتزايد عائداته، الأمر الذي أدّى إلى طفرة إقتصادية وعُمرانية وبشرية شاملة. فتحوّلت تلك المجتمعات التي كان يسودها الطابع البدوي إلى مجتمعات حضرية في غضون أربعين عاماً أو ما يزيد قليلاً. لقد كانت دول المنطقة تعتمد في إقتصادها على الغوص للبحث عن اللؤلؤ وعلى تربية الماشية والزراعة، كما ساعدها موقعها الإستراتيجي بين الشرق والغرب في أن تكون منطقة تبادل تجارية مهمة. ولكن إكتشاف النفط أدّى إلى توفير فرص عمل مريحة وثروات لم تشهدها هذه الدول من قبل، ما أدّى إلى تقلّص العمل في الغوص لإستخراج اللؤلؤ والرعي والزراعة، وتحوّلت حياة أهل منطقة الخليج لتصبح حياة حضرية تكتظّ مدنها بالسكان.
إن غالبية السكان هاجرت إلى المدن بحثاً عن العمل أو لطلب العلم مما أنتج نمواً مضطرداً لها. كما أصبحت مجتمعات دول المنطقة تعيش حالة من الرفاه الإجتماعي نتيجة للثروات التي جلبها النفط، وهي حياة جديدة مختلفة عن التي عاشها الأجداد. فقد أدّت هذه النقلة النوعية الكبيرة لمجتمعات دول المجلس الخليجي إلى إفراز تغيُرات في تركيبة المجتمع وجلبت قيماً ومفاهيم جديدة، وذلك نتيجة عملية التحضر والإنفتاح الثقافي اللذين مرت بهما. وشكّلت المفاهيم الجديدة المكتسبة نوعاً من تطور الفكر والإنفتاح على الآخرين، ما أدّى بدوره إلى تنمية الذات ومحاولة اللحاق بركب مسيرة التحضّر العالمي، وفي أحيانٍ أخرى جلب هذا الإنفتاح والتحضّر الكثير من المشكلات الإجتماعية، كما أحدث عدم توازن الذي أدّى إلى كثير من السلبيات والتداعيات غير المحمودة عُقباها على المُجتمعات في دُول المجلس كانت من أهمها البطالة بين الشباب. فعلى الرغم من قِلة عدد سكان المنطِقة وكثرة المشاريع التنموية المنُتشِرة في أرجاء دُولها، إضافةً إلى الإمكانات المادية الضخمة والتي تضعها بين مصاف أغنى دُول العالم، فإن فُرص العمل الجديدة التي تتولّد نتيجة لهذه المشاريع تذهب إلى العمالة الوافِدة ذات الأُجور المُتدنية والمؤهّلة لاقِتحام كافة مجالات العمل إبتداءً من الأعمال البسيطة إلى الأعمال التقنية والإدارية العُليا.
وقد حذَّر صُندوق النقد الدُولي من إرتفاع البطالة بين الشباب الخليجي إذا لم يتم توفير وظائف في القِطاع الخاص حيث أن هذه المُشكِلة أصبحت تُشكّل تحدّياً كبيراً بالنسبة إلى دُول مجلس التعاون الخليجي. ولهذا الموضوع أثره السلبي في نظرة الشباب الخليجي المُستقبلية.
إن من أهم أسباب تفاقم البطالة في دول مجلس التعاون الخليجي هو أن إقتصاداتها هي إقتصادات ريعية قائمة على إستئثار القِطاع الحُكومي بغالبية الإستثمارات والمشاريع الإقتِصادية، والتي كان من نتائجها توفير الوظائف الحُكومية بمرئيات عالية للمواطنين، مع إستِقطاب القِطاع الخاص للأيدي العاملة الرخيصة لتُنفيذ المشاريع الضخمة وذلك لتحقيق أقصى حد من الربح، مما أدّى إلى خلق فجوة كبيرة بين القِطاعين. ومن ناحية أُخرى فإن الشباب يلعبون دوراً مهماً في هذه المُشكِلة حيثُ أن عُزوفهم عن العمل في الوظائف العُمالية بسبب النظرة الدونية، والرواتب المُتدنية لهذه الوظائف يجعلهُم غير راغِبين بالإلتحاق بالقِطاع الخاص. كما أن هُناك عدم توازُن بين مُخرجات التعليم في دُول المجلس وبين مُتطلبات السوق، وذلك بسبب عدم رغبة الشباب بالإلتحاق بالتعليم الفني والمِهني وإقبالهُم على التعليم النظري. ووفقاً لصُندوق النقد الدُولي فإن القوى العامِلة قد تنمو بمُعدل 3-4 في المئة سنوياً، حيث أنه من المُتوقع أن يدخُل 1.2-1.6 مليون مواطن سوق العمل بحلول 2018، مما يُحتِم على القِطاع الخاص التوسع في استيعابه للموظفين، وإلا فسيكون على القِطاع الحُكومي أن يوفّر 600 ألف وظيفة. كما إضطر هذا القطاع سابقاً إلى إستيعاب أعداد فوق قدرته الإستيعابية، الأمر الذي أدّى بهذه الزيادات في التوظيف في الجِهاز الحُكومي إلى إرتفاع تأثر موازنات دُول المجلس في أي هُبوط في أسعار النفط.
إن أسواق دُول مجلس التعاون تتميز بفُرص كبيرة يمكن إستِغلالها للتقليل من مُعدّلات البطالة للحد الأدنى، وأهمها: وحدة الدين، والعادات والتقاليد، بالإضافة إلى التقارُب في الأنظِمة السياسية والمستويات الإقتِصادية العالية، إضافة إلى ما منحثه السوق الخليجية المشتركة من حقوق متساوية لمواطني دول المنطقة في الإستثمار والتملك والعمل والتعليم بين هذه الدول. مع الأخذ في الإعتبار أن كل هذه الفرص تقابِلُها قِلة عدد السُكان (رغم إرتِفاع مُعدل النمو السُكاني والذي يُعتبر من أعلى مُستويات النمو في العالم حيث يتراوح هذا المُعدل ما بين 3-5.3 في المئة سنوياً). ويمكن الإستفادة من إتقافية السوق الخليجية الموحّدة في التقليص من البطالة بين الشباب الخليجي من خلال الإعلان عن الوظائف المتاحة في كافة دول المجلس بشكل مركزي، كما هو الحال في التجربة الأوروبية. فتُعطى الأولوية لمواطني الدولة أولاً ثم لمواطني دول المجلس قبل أن تُعطى للعمالة الوافدة.
ويكمن الحل الحقيقي لهذه المعضلة في تأهيل الكوادر الخليجية من طريق التأهيل العلمي والتقني الذي يتماشى مع متطلبات وإحتياجات العصر. لذلك على دُول المجلس التوسُع في التعليم التقني والعمل على تغيير نظرة المُجتمع الخليجي الدونية إلى هذا النوع من التعليم والأعمال حيثُ أن لبطالة الشباب تداعياتها النفسية والاجتِماعية والتي من شأنها أن تُعكرِّ صفو حياة الفرد وقد تقود إلى انتِشار الانحِرافات بأشكالِها المُختلِفة والجرائم؛ وذلك بسبب الشُعور بالإحباط والنظرة التشاؤمية إلى المُستقبل.

• باحثة عُمانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى