هكذا تتحكَّم بشعب

بقلم ميرنا زخريّا*

عادةً ما يغوص المحللون عميقاً في علم الإجتماع السياسي عند الإجابة عن كيفية تحكّم الأنظمة بالشعوب. يحلو لي أن أختصر بكلمتين أصفهُما بالمفتاحَين، إنهما ” العِلم والإعلام “. فمن ناحيةٍ أولى، حين ينتشر الجهل في مجتمعٍ ما، تسهل مهمّة الحكّام بنشر “الفقر والفكر” اللذين يُريدونهما وعليهما يتّكلون. ومن ناحيةٍ ثانية، حين يمتلكون الوسائل الإعلامية، يكونوا كمن إمتلك إلى حدٍ ما أعيُن وآذان الشعب، وبذلك يتحكّمون به من خلال ما ينشرون له. ومهما يحدث بعد ذلك من خطواتٍ إيجابيةٍ مِن دون معالجةٍ جديةٍ لهاتين الكلمتين، نكونُ كمن يخلط السمَّ بالحلوى، بحيث المذاق الحلو يخدعنا والسم المرّ يقتلنا، يا له من مزيج يمزج الحقّ بالباطل. وهكذا، يختلف المواطنون في ما بينهم، البعض يُدافع بشراهةٍ عن طعم الحياة الحلوة التي يتلذذون بها، فيما البعض الآخر ينتقد بشراسةٍ الحياة المرَّة التي يُعانون منها.
وبعد الإختصار بكلمتين، يأتي الإنتصار بسبعة وسائل إستراتيجية تُساهم في عملية سيطرة الحكّام على الشُعوب:
1. يبتكرونَ المشاكل: لتأتي بعدئذ بسحرِ ساحرٍ ردود الفعل التي تكون أصلاً مُتوقّعة ومُنتظرة. كأن يُقال، لا إمكانية ماديّة لإقرار سلسلة الرتب والرواتب، ليُوافق بعدئذ الشعب مُجبراً على إقرار الإرتفاعٍ على الضرائب.
2. يؤجِّجونَ العواطف: وهي تقنية كلاسيكية حتى الأطفال يستعملونها كسلاح مؤثر من أجل إستدرار التفكير العاطفي مما ينسُف مؤقتاً التحليل المنطقي. ما يُذكّر بأصوات المُتعاطفين مع الإرهابيين لسببٍ أو لآخر.
3. يؤجِّلونَ الحُلول: لا كهرباء، لا أدوية، لا تنمية… وأيضاً، وهنا بيت القصيد، لا حلّ. عندها تبدأ الشعوب بالتخبط بمشاكلها الآنية وحين تحصل على حلٍ ما، تعتبرهُ إنجازاً سياسياً في حين هو حقّ، لا أكثر ولا أقل.
4. يُشتِّتونَ الإنتباه: فبدل أن يهتم المواطنون والمواطنات ببناءِ مستقبلهم، تراهم مُنشغلين بمشاكل حاضرهم فلا يعودوا يُسائِلوا أو يُحاسبوا المسؤولين عن الملفات الأساسية ما يؤدي إلى خنق الطموح والإزدهار.
5. يحتكرونَ الخدمات: حين تكون معظم المرافئ الوطنية في قبضتهم، يصبح ساعتئذ معظم الشعب في قبضتهم هو الآخر، إذ هُم يتحكمون بالمؤسسات التي تقدّم كل أنواع الخدمات، بدءاً بالإستشفائية وُصولاً إلى الوظائفية.
6. يُتفنونَ الألاعيب: فالإجراء غير المقبول يُصبح رويداً رويداً واقعاً مألوفاً، من خلال إعتماد أسلوب التراجع المستمر في المستوى المعيشي على طريقة التدرّج البطيء، وذلك لتأجيل نشوء الثورات والإنتفاضات.
7. يخترعونَ الأعداء: كانت الشعوب تعيش بسلام ووِئام مع بعضها البعض، فجأةً، أطاحت الخصومة والعداوة الجميع: الأديان والطوائف، البلدان والمناطق، المُحازِب والمُستقل. لكأنهم لا ولم ولن يتفقوا يوماً ما.
هذه النقاط السبع هي بمثابة سبعة رصاصات صامتة، يمكنها أن تخترق بهدوء جدران حياة المواطن.
من المتعارف عليه أن الحكومات تُبنى من خلال نمطين مبدئيين: إما حُكم مفروض بحيث يكون ملكياً أو ربما بقوّة الإستبداد؛ وإما حُكم مُختار بحيث يكون الشعب أو ممثلون عنه قد إختاروا القادة. لكن المدقّق في طبيعة الأنظمة السياسية، وتحديداً في الدول التي تُدعى بالنامية، يلحظ أن لهذه الدول حُكومات ومؤسسات وإنتخابات وحتى خطابات وشعارات وإتفاقات تتلوّن بصبغةٍ ديموقراطيةٍ من الخارج، بينما هي من الداخل مصبوغةً بألف لونٍ ولون.
ويُخطئ مَن يعتقد بأنها وحدها الشعوب هي التي بإمكانها أنْ تقومَ بمُظاهراتٍ وإضراباتٍ أو أنْ تلقيَ خطاباتٍ وشعاراتٍ تصبّ في مصلحتها؛ إذ أن الحكومات تقوم بذلك أيضاً مع فارقٍ جغرافيٍ هندسيٍ بحيث الشعوب تعتصم على الطرقات وفي الساحات، في حين أن الحكومات تعتصم في الصالات والعمارات. بالإمكان تشبيه هذا الواقع بشارع ذات إتجاهين: في الإتجاه الأول نسمع بأسلوب علني عبارة الشعب يريد إسقاط النظام، في حين في الإتجاه الثاني نلمس عبارة النظام يريد إسقاط إرادة الشعب. ومهما يكن، فالشعوب تحصد في نهاية المطاف ما زرعته.
أما الألماني أدولف هتلر، فيقول “إذا أردت أن تُسيطر على شعب، أخبرهُ أنه مُعرَّض لخطرٍ ما ثم شكّك في وطنية مَن يُعارضك”، يا لها من وصفةٍ سحريّةٍ كانت وما زالت تُستخدم كالفزّاعة، إنها فزّاعة الخوف التي هي موجودة داخل كل إنسان والتي تتحكم في خيارات كل واحدٍ منا، فغالباً ما يخاف الفرد: على شخصٍ / شيء، أو مِن شخصٍ/ شيء. لذا تجد غالبية المؤتمرات والبيانات تركز على تعابير ذات جاذبية شمولية، قادرة أن تُسيطر على المخاوف الداخلية، مثل زعزعة الإستقرار، عودة التفجيرات، إستغلال الموارد، تقسيم البلد…
وبعد، يبقى أن تسألوا أنفسكم، هل حُكّام بُلدانكم يقومونَ بما تم ذكره؟ ولمن يتساءَل عن الهدف، فكما سبق وقال هتلر، هو للسيطرة على الشعب، على تفكيره ومن ثم تفقيره.

* باحثة في علم الإجتماع السياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى