متى تهب رياح “الربيع العربي” على المرأة في الخليج ؟
لا تستطيع الدول الخليجية الغنية بالنفط المحافظة على إستدامة النمو والازدهار على المدى الطويل إذا بقي نصف السكان مهمشين ومستبعدين من القوى العاملة. يجب على دول مجلس التعاون الخليجي أن تبدأ في الإستثمار وإصلاح مؤسسات القطاع العام والخاص لصالح سياسات صديقة للنساء.
أبو ظبي – لميا عبد النور
حذارِ إيسلندا. يبدو أن دول الخليج العربي تعمل وتحرص الآن على اللحاق بمرتبة الأمم الأكثر مساواة في العالم. في وقت سابق من هذا العام، وقّعت البحرين الإتفاقية الصادرة عن الأمم المتحدة التي تعترف بحقوق متساوية للمرأة أمام القانون. من جهتها أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة قانوناً للخدمة العسكرية يسمح للنساء بالانضمام إلى القوات المسلحة الإماراتية. حتى النظام السعودي فهو يقود حملة لتمكين المرأة في الهيئات السياسية والمجالات التجارية. لقد بدأت النساء في جميع أنحاء المنطقة يُطلفن أعمالهن التجارية الخاصة، والتحدث علناً ضد التشريعات المثيرة للجدل التي تمس حقوقهن، والسفر إلى الخارج لتلقي التعليم المتقدم.
ولكن هذه التحولات الجديدة هي بالكاد أساسية ومنتشرة. إن معظم مبادرات الحكومة الجديدة المموّلة جيداً – لتشجيع تعليم المرأة أو تعزيز حقوقها – من غير المرجح أن تؤدي إلى تغيير مثير كبير. في حين نجحت المبادرات التي تقودها الدولة في تعزيز التحصيل العلمي للإناث – معدلات محو الأمية لدى البالغين الإناث هي أعلى من أي وقت مضى (84 في المئة في المتوسط) وعدد الإناث خريجات الجامعات يفوق الآن عدد خريجي الجامعات من الذكور في جميع دول مجلس التعاون الخليجي الست – فهي فشلت في تمكين المرأة إقتصادياً أو سياسياً. في الواقع، لا تزال المرأة الخليجية العربية مهمّشة إقتصادياً وممنوعة من دخول المجالات المهنية الرئيسية، وغير ممثلة تمثيلاً صحيحاً في الهيئات التشريعية وصنع القرار. الصورة غير مشجعة: جيل جديد من النساء من حائزات شهادات تعليمية مثيرة للإعجاب ولكن تنقصهن مجالات الخبرة لإفادة بلدهم.
كيف حدث هذا؟ لسنوات أكد العالم النامي أن التعليم هو المفتاح لتمكين النساء – اليوم، وضعت حكومات الإمارات وقطر والسعودية وعمان والكويت والبحرين التعليم في خطط التنمية الطويلة الأجل. ولكن لم يكن هذا هو الحال دائماً في الخليج. قبل تلك الإستراتيجيات الطموحة للتعليم، أضعفت التشريعات التمييزية التي سنّتها الحكومات المحافظة تقليدياً مكانة المرأة. والحواجز القانونية، مثل تلك التي تحظّر على الرجال والنساء من شغل الحيِّز العام عينه أو التي تمنع النساء من الوصول إلى مختلف أنواع وأشكال النقل، لا تزال تقيّد بشدة المشاركة السياسية والإقتصادية للإناث إن لم يتم إلغاؤها. ونتيجة لذلك، فإن المساحة التي يمكن للمرأة أن تدعو إلى التغيير محدودة للغاية. في الخليج، إن وضع المرأة في المجالات السياسية والإقتصادية والإجتماعية وببساطة لم يتطور بشكل متزامن ومتعاون.
تقرير المنتدى الإقتصادي العالمي للعام 2013 عن الفجوة بين الجنسين، الذي يصنِّف قدرة 136 دولة على سد الفجوات بين الجنسين في أربعة مجالات (السياسة والإقتصاد والتعليم والصحة)، يُبرز هذا التفاوت اللافت. وفقاً للتقرير، في حين أن الفجوة بين الجنسين قد ضاقت في دول الخليج العربي في التحصيل العلمي على قدم المساواة مع الدول الأكثر تطوراً في العالم، فهي تحتل مرتبة بين الأسوأ في العالم على لائحة قياس إدراج المرأة في المجالات الإقتصادية والسياسية.
وهنا بعض الأرقام: الإمارات العربية المتحدة إحتلّت المرتبة 109 في مجمل المعايير من أصل 136 بلداً، وفي المرتبة الأولى من حيث التحصيل العلمي للإناث، ولكن درجتها في المشاركة والفرص الإقتصادية كئيبة إذ تبلغ 122، أما من حيث التمكين السياسي فإحتلت المرتبة 81. هذا يعني أنه على الرغم من أن دولة الإمارات أغلقت تماماً تقريباً الفجوة بين الجنسين بالنسبة إلى التحصيل العلمي، لا تزال النساء مستبعدات إلى حد كبير من النشاط الإقتصادي والسياسي. نرى الظاهرة عينها في دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى وإن بمعدلات مغايرة قليلاً.
جزء من المشكلة هو أن النساء لا يتلقين التعليم المناسب والتدريب على المهارات لتلبية متطلبات سوق العمل المحلية. تتطلب الوظائف المطلوبة في هذه الاقتصادات التي يحركها النفط جذب مرشحين من ذوي الخلفيات في العلوم والتكنولوجيا والهندسة. ولكن، المشكلة هي أن هذه التخصصات التي تولد فرص العمل يُنظر إليها على أنها غير مقبولة من الناحية الثقافية (والتقاليد) للمرأة. حتى من دون إنتشار هذه الوصمات الإجتماعية والثقافية، إن صعوبة جذب النساء إلى حقول العلوم، والتعليم، والتكنولوجيا، والرياضيات هي ظاهرة عالمية.
انتشار أنظمة منفصلة بين الجنسين للتعليم، في كثير من الأحيان مع سياسات تمييزية بالنسبة إلى شهادة الثانوية العامة وإمتحان القبول للجامعة، والتوجيه المهني المحدود، يخلق حواجز إضافية. وقد إضطر العديد من النساء إلى تسوية تقليدية بقبولهن “مهن الإناث”، مثل العلوم الإنسانية وخدمات الأعمال. في المملكة العربية السعودية، على سبيل المثال، تحتل النساء 95 في المئة من القطاع العام، و 85 في المئة من هؤلاء النساء هن في مجال التعليم. إن السياسات والقواعد التي تحدّ من فرص العمل للمرأة تؤدي إلى معدلات بطالة بين الإناث التي هي أكثر بضعفين أو حتى ثلاثة أضعاف من معدل البطالة لدى الذكور. في العام 2008، ذكرت منظمة العمل الدولية أن النساء في دول مجلس التعاون الخليجي يواجهن معدل بطالة يبلغ 21.8 في المئة، مقارنة ب 7.9 في المئة للرجال.
خارج الفصول الدراسية، تواصل مؤسسات وشركات الدولة تعزيز السياسات التي تمنع النساء من دخول عالم القوى العاملة. لقد وُضعت قيود زمنية شرّعتها دول، مثل الكويت وسلطنة عمان، تمنع المرأة من العمل في المساء لساعات الصباح الباكر، في حين جعلت القيود على وسائل النقل والقيادة حتى الوصول إلى العمل عقبة. من جهة أخرى، تفتقر أمكنة العمل العادية في دول مجلس التعاون الخليجي إلى سياسات صديقة للأسرة، والعديد من الشركات لا توفر فوائد بالسماح بساعات عمل مرنة، وإجازة الأبوة، وإجازة الأمومة، وبرامج رعاية الطفل للنساء المتوقع منهن أداء مهام كأمهات وزوجات. حتى أن مرافق لإستيعاب المطالب الثقافية والدينية، مثل غرف لقضاء الحاجة وغرف للصلاة للإناث فقط، غالباً ما تكون غير كافية أو ببساطة غير متوفرة. عادة، يتم توظيف النساء في مناصب غير إستراتيجية، مع سلطة إتخاذ قرار أو وظبفة ذاتية محدودة. كل هذه الأشياء معاً تبرز الشروط والصعوبات التي تواجه المرأة العاملة في دول مجلس التعاون الخليجي.
ثم هناك المجال السياسي. في البلدان ذات المؤسسات السياسية القائمة على المشاركة الحقيقية، يمكن لصناع القرار من النساء أن يسعين إلى تغيير بعض من تلك القوانين المتشنّجة لجعل بيئات العمل أكثر ودية للإناث. ولكن للأسف، يتم تهميش المرأة الخليجية أيضاً سياسياً، حيث ما زالت ممثلة تمثيلاً ناقصاً إلى حد بعيد في المؤسسات المنتخبة والمناصب الوزارية. نسبة الذكور إلى الإناث في البرلمانات في دول مجلس التعاون الخليجي هي، في المتوسط، حوالي عشرة الى واحد. على الرغم من أن المرأة يحق لها التصويت والترشح للمناصب في جميع البلدان بإستثناء المملكة العربية السعودية، فإن غياب الحصص القائم على جنس الشخص في الهيئات التشريعية يُبقي المشاركة السياسية للمرأة منخفضة. ولكن هل تؤثّرالحصص بين الجنسين فعلاً بشكل مفيد في الوضع بالنسبة إلى النساء، أو هي مجرد زيادة عدد للنساء من دون تأثير في المجالس التشريعية؟
أولاً، سيناريو غريب في المملكة العربية السعودية: المملكة هي الدولة الخليجية الثانية (بعد الإمارات) التي يتم فيها تمثيل النساء في الهيئات السياسية ولكنها تفتقر إلى الحق في التصويت. في العام 2011، قدمت المملكة العربية السعودية حصة نسبتها 20 في المئة لتمثيل المرأة في مجلس الشورى – وهو هيئة إستشارية يعين الملك أعضاءها. إلى جانب هذا الإصلاح وعد العاهل السعودي الملك عبد الله بمنح النساء حق التصويت والترشح للإنتخابات البلدية بحلول العام 2015. ولكن بعيداً من تباشير التقدم في تمكين المرأة وشملها أو ضمها للعب دور أكثر فاعلية في المجتمع، بدلاً من ذلك إن هذه الإصلاحات تؤكد وضع التبعية للنساء. السلطة السياسية لمجلس الشورى تقتصر على تقديم المشورة إلى الملك والوزراء الرئيسيين، والمجلس ينفصل بدقة بين الجنسين. والمؤسسات العاجزة التي تفرض الفصل بين الجنسين تكاد تكون بصعوبة من رواد المشاركة السياسية للمرأة.
من ناحية أخرى، من المحتمل لتوزيع الحصص بين الجنسين أن يؤدي إلى تمكين المرأة في الكويت، التي تفتخر ببرلمان نابض بالحياة مع سلطة تشريعية حقيقية ونفوذ وجهاً لوجه مع السلطة التنفيذية. ولكن معظم دول مجلس التعاون الخليجي ربما تتبع أسلوب السعودية المضلل لتمكين المرأة. المؤسسات المشاركة في البحرين والإمارات، على سبيل المثال، تفتقر إلى السلطة التشريعية ضد الأسر الحاكمة التي يهيمن عليها الذكور. كما أن المجلس الوطني الإتحادي في دولة الإمارات العربية المتحدة موجود بإعتباره المؤسسة التشريعية الوحيدة في البلاد، ويتم إنتخاب نصف أعضائه من قبل هيئات إنتخابية، بينما يتم تعيين النصف الآخر من قبل رئيس البلاد، وقد تم إعتماد هذه الآلية وتطبيقها في العام 2006، أي منذ بداية تطبيق المرحلة الأولى من برنامج التمكين السياسي لرئيس الدولة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان. وشاركت المرأة الإماراتية في عضوية المجلس لأول مرة منذ تأسيسه في الفصل التشريعي الرابع عشر، حيث فازت بمقعد واحد في أول تجربة إنتخابية تشهدها الدولة في العام 2006، وتم تعيين ثمان أخريات لعضوية المجلس. ولكن هذا المجلس المؤلف من 40 عضواً غير قادر على تمرير أو إقتراح تشريعات. وبالمثل، تفتقر هيئة البحرين المنتخبة، 40 عضواً من النواب في البرلمان، إلى القدرة على إقتراح تشريعات جديدة ويمكن حلّها من قبل الملك.
التشارك في صنع القرار في جميع أنحاء دول مجلس التعاون الخليجي هو في معظمه تمثيلي صوري؛ تظل الهيئات التشريعية في الغالب إستشارية وعاجزة سياسياً. إن توسيع تمثيل المرأة في هذه المجالات لا يفعل سوى القليل لتمكين المرأة على نحو فعّال، في الطريقة عينها التي تفشل في تمكين المواطنين عموماً. هذا لا يعني أن الحصص والجهود المؤسسية الأخرى لزيادة تمثيل المرأة في الهيئات السياسية هي من دون طائل. يمكن للإصلاحات المؤسسية أو حصص المساهمة أن تساعد على تمكين النساء – ولكن عليها حتى الآن المضي قدماً في دفع الحقوق السياسية والإجتماعية والاقتصادية للمرأة الخليجية.
وهذا يطرح مشكلة بعيدة المدى، لأنه يعني أن كل شخص في هذه البلدان – وليس فقط النساء – سوف يعاني . إن تمكين المرأة إقتصادياً هو أيضاً حول تعزيز التنمية الإقتصادية المستدامة – وهذا أمر خاص مهم بالنسبة إلى البلدان التي تعتمد على المصادر غير المتجددة من الطاقة لتغذية النمو والإنفاق. الإستفادة من نصف قاعدة المواهب المحتملة لبلد يخلق فرصاً كبيرة للنمو الإقتصادي. و لأن دول مجلس التعاون الخليجي بقيت في مأمن من كثير من الإضطرابات الإقليمية ، فإنها تحتل المركز المثالي لأخذ زمام المبادرة في تحسين الإدماج الإقتصادي للإناث.
حتى هذه الدول الغنية بالنفط لا يمكنها المحافظة على إستدامة النمو و الازدهار على المدى الطويل إذا بقي نصف السكان مهمشين ومستبعدين من القوى العاملة. يجب على دول مجلس التعاون الخليجي أن تبدأ في الإستثمار في إصلاح مؤسسات القطاع العام والخاص لصالح سياسات صديقة وودية للإناث. وهذا يمكن أن يبدأ من أسفل السلّم، من خلال تشجيع إصلاح المناهج المدرسية؛ وتحدي الشركات لتوظيف النساء في مناصب أكثر مسؤولية؛ أو تهيئة الظروف التي تسمح بفرص أكبر للنساء مقابل العمل في المنزل و ريادة الأعمال.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.