الإمارات تعيش أحلى أيامها … الإقتصادية !
تتقاطع كل المعلومات بأن دولة الإمارات العربية المتحدة مقبلة هذا العام على إنتعاش إقتصادي يريح مسؤوليها وصناع السياسة فيها، ولكن ليس من طريق القطاع النفطي كما يتوقع البعض ولكن من طريق القطاعات غير النفطية التي أفاد صندوق النقد الدولي بأنها ستدفع بالنمو إلى أكثر من 4.5 في المئة هذا العام.
أبو ظبي – سليم سلوم
قد تكون أبوظبي قد إنزلقت إلى نزاع عقيم مع دولة قطر المجاورة حيث لا تظهر حتى الآن بوادر تشير إلى إنحساره، ولكن تحسناً ملموساً مطرداً في الإقتصاد قد يكون فرصة مرحَّباً بها للإبتعاد من صداع العلاقات السياسية المزعجة التي تعصف في مجلس التعاون الخليجي.
هناك مجموعة من المؤشرات التي توفر أدلة مقنعة إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة قد وضعت الأزمة المالية وراءها، وهي الآن تستفيد بقوة من مكانتها كملاذ آمن للمستثمرين الإقليميين الذين يبدون سعداء مرة أخرى لإستثمار أموالهم فيها.
في تقييمه لحالة الاقتصاد الإماراتي في العام 2014 قدّم صندوق النقد الدولي صورة وردية. مدفوعاً بالزخم المستمر في الإقتصاد غير النفطي، فقد عدّل الصندوق أخيراً توقعه لمعدل النمو في الإمارات هذا العام إرتفاعاً إلى نسبة 4.5 في المئة من نسبة 3.9 في المئة المتوقعة قبل أربعة أشهر.
الواقع أن معدل 4.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي المتوقع للنمو قد يتحول إلى أن يكون على الجانب المحافظ، على الرغم من أن الضعف الطفيف في أداء قطاع النفط والغاز قد يسرق التألق من الأداء الإقتصادي العام.
وفقاً لمجموعة “سامبا” المالية، فقد نما إقتصاد الإمارات بنسبة 4.5 في المئة العام الفائت، مدفوعاً بزيادات كبيرة في انتاج النفط والمواد الهيدروكربونية الأخرى، فضلاً عن النمو القوي في القطاعات غير النفطية، وخصوصاً السياحة والتجارة والنقل.
من جهته، أشار مؤشر مديري المشتريات الأخير لمصرف أتش أس بي سي” (HSBC)، وهو مقياس لنشاط الشركات في القطاع الخاص، في شباط (فبراير) 2014، إلى توسعات صلبة في الإنتاج والطلبات الجديدة من شركات القطاع الخاص غير النفطية في دولة الإمارات. وقد إرتفعت أعمال التصدير الجديدة في أسرع وتيرة في تاريخ سلسلة مؤشر “أتش أس بي سي” وزادت تكاليف المداخيل في أبطأ وتيرة لمدة ستة أشهر.
يبدو كما يرى الخبراء بأن دولة الإمارات العربية المتحدة هي حالياً في بقعة جيدة في الدورة الإقتصادية.
“مكاسب مستدامة في بيانات مؤشر مديري مشتريات القطاع غير النفطي الخاص في دولة الإمارات يقترح جداً بأن النمو سيكون على نطاق واسع. وقطاعات الخدمات التقليدية في دبي التي تشمل التجارة والخدمات اللوجستية والنقل والسياحة تبلي بلاء حسناً. ويساهم التصنيع أيضاً بشكل كبير في النمو، في حين أن قطاع البناء سوف يستفيد من الإنتعاش في أسعار العقارات وقوة الإنفاق على البنية التحتية الحكومية “، يقول أندرو غيلمور، أحد كبار الخبراء الإقتصاديين في “سامبا”.
“من المشجّع، يقول غيلمور، أن الإنتعاش العقاري عزّز الثقة وقوّى الموازنة لدى كل من الشركات والحكومة – ولكنه لم يكن السائق الوحيد للإنتعاش الحالي”.
ويجمع أكثر الخبراء على أن الثقة الاقتصادية المزدهرة تقع على الأقل في جزء منها على إعتبار دولة الإمارات كملاذ آمن. وقد ساعدت زيادة تدفقات رؤوس الأموال على خلق ظروف مالية محسّنة للكيانات الرئيسية المرتبطة بالحكومة والمشاركة في إعادة هيكلة بعض الصفقات، وتمكين البعض من سداد ديونه في وقت مبكر.
الشروط بالنسبة إلى القطاع الخاص غير النفطي في الإمارات قد تحسنت بإطراد، على أساس التجارة والخدمات اللوجستية والسياحة. وفقاً لخدمة المستثمرين لدى وكالة “موديز” الإئتمانية، إن فوز “دبي” في محاولتها إستضافة معرض “إكسبو” 2020 العالمى يشير إلى أن الإستثمار سيتجدد في البنية التحتية والمساكن في الإمارة – على الرغم من أنه قد يكون من المبكر جداً التنبؤ في 2014 بالنسبة إلى تأثير “إكسبو” ومدى شعور الأسواق به.
إن الصورة ليست موحَّدة في جميع أنحاء الإمارات مع إتجاهات مختلفة بين أبوظبي ودبي. فقد شهدت العاصمة إنفاقاً حكومياً قوياً وكبيراً، في حين أنه في دبي، تبدو القطاعات الأساسية من التجارة والخدمات والسياحة تقوم بأداء قوي، كما يفيد بنك “ستاندرد تشارترد” في توقعاته الإقتصادية للعام 2014 لدولة الإمارات. كان قطاع السياحة وسوق العقارات في دبي بين الأفضل أداء في المنطقة. وفي الإمارات الشمالية هناك خطوة للإستثمار في المشاريع التي تتراوح بين مناطق صناعية حرة صغيرة إلى موانئ على الساحل الشرقي من الخليج العربي.
ويحدد البنك ثلاثة محركات رئيسية للنمو لدولة الإمارات في العام 2014. أولاً الإستثمار في القطاع غير النفطي من قبل أبوظبي، مع نفقات مستمرة بالتدفق لتحقيق التنمية وأهداف التنويع الإقتصادي في الإمارة على المدى الطويل.
ويقدّر البنك بأن الإنفاق على المشاريع في العام 2014 سيصل إلى 34 مليار دولار مع قائمة من المشاريع التي مُنحت من قبل كل من حكومة أبوظبي والكيانات شبه السيادية.
تغطي المشاريع الكبرى التوسع في مطار أبوظبي الدولي الذي من شأنه أن يزيد القدرة من سبعة ملايين مسافر سنوياً الى ما يزيد على 40 مليوناً، فضلاً عن المترو في الإمارة وشبكات السكك الحديدية الخفيفة، والتي من المتوقع أن تبدأ المناقصات عليها في العام 2014.
المشروعات العملاقة، مثل معرض”إكسبو 2020″، سوف تدعم النمو في السنوات المقبلة، على الرغم من أن صندوق النقد الدولي يحذّر من أن التكلفة الإجمالية، وسرعة التنفيذ، وتمويل المشروعات العملاقة الجديدة لا تزال غير مؤكدة. ومن المتوقع أن تنفق حكومة دبي 7 مليارات دولار على البنية التحتية ذات الصلة، بما في ذلك توسيع وتمديد خط المترو.
“إذا لم تُنفّذ بحكمة، يمكن لهذه المشاريع أن تُفاقم خطر حدوث فقاعة في قطاع العقارات. وعلاوة على ذلك، قد تولّد وتخلق هذه المشاريع مخاطر مالية إضافية للحكومة والنظام المصرفي في دبي في ضوء عبء الديون الذي لا يزال كبيراً جرّاء أزمة العام 2009″، يفيد بيان صادر عن صندوق النقد الدولي في أوائل شباط (فبراير) الفائت.
على الرغم من هذه المخاوف، فإن تنامياً في نشاط تنفيذ المشاريع في البلاد سوف يقود إلى نمو كبير. وقد أجرت السلطات تغييرات في تمويل المشاريع الرئيسية التي تم تصميمها لتعزيز فعاليتها.
في أواخر العام 2013، نقلت أبوظبي جميع مشاريع البناء في العاصمة لتكون تحت مظلة شركة أبوظبي للخدمات العامة (مساندة).
“التنسيق هو المفتاح لضمان أن الإنفاق الحكومي العالي لا يؤدي إلى إرتفاع حرارة الاقتصاد. وبالتالي، فإننا نعتبر خطوة أن تكون جميع مشاريع البناء في العاصمة تحت إشراف “مساندة” تطوراً إيجابياً نحو إدارة النمو”، تقول كارلا سليم، الخبيرة الإقتصادية لشؤون الشرق الأوسط في بنك “ستاندرد تشارترد”.
في حين أنه في المدى القريب قد يكون هناك بعض الركود فيما تأخذ إعادة التنظيم وقتها، فإن الأمر على المدى الطويل يضمن تنسيقاً أكثر بالنسبة إلى خط أنابيب المشروع ويسمح بوفورات بحجم كبير، يقول البنك.
من جهة أخرى لا تزال السياسة المالية في دولة الإمارات تخفّض النفقات بعد الزيادة الهائلة في الإنفاق الذي لوحظ في أعقاب الأزمة المالية 2008-2009. إن ضبط الأوضاع المالية العامة هو هدف السياسة الأساسي.
“زيادة الإنفاق الحكومي سيفيد النمو في إقتصاد إمارة أبوظبي بشكل عام، والقطاع غير النفطي على وجه الخصوص”، تقول سليم. “ومع ذلك، إن زيادة الإنفاق الحكومي، إذا لم تتم إدارته بشكل صحيح، يمكن ان يؤدي الى رفع حرارة الإقتصاد”.
نظراً إلى طموحات كبح جماح الإنفاق، وتدفق عائدات تصدير النفط، لا تزال الحسابات المالية في الإمارات تبدو صحّية. ومن المتوقع ضبط أوضاع المالية العامة التي يتعين تحقيقها من طريق ترشيد الإنفاق الرأسمالي والإعانات والتحويلات، في حين أن الإنفاق سيرتفع على السلع والخدمات، والدفاع والأمن، وفاتورة الأجور، كما يتوقع صندوق النقد الدولي.
إن الزيادات في الإنفاق المتوقعة في مناطق معينة – مع وجود خطط لزيادة الإنفاق على مشاريع الإسكان الإجتماعي في أبوظبي- سيتم تعويضها بتخفيضات في الإنفاق الرأسمالي.
وتقدر مجموعة “سامبا” المالية أن الفائض المالي الموحّد للإمارات تراجع الى حوالي 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2013، وتوقّعت المزيد من الإنخفاض إلى 6.6 في المئة بحلول العام 2015، مما يعكس توقعات أقل وردية لعائدات النفط وإفتراض تصاعد الإنفاق مرة أخرى بعد التعزيز الطفيف الأخير.
ومع ذلك، يرى محللون إلى أن هناك مخاطر محدودة فقط من الإنفاق المتزايد بشكل كبير وسريع جداً. “هناك القليل من البيانات متاحة للجمهور عن الحسابات المالية في أبوظبي، ولكن مما نعرفه أنها قوية جداً وإتخذت السلطات نهجاً أكثر حذراً للإنفاق في أعقاب إنهيار سوق العقارات في دبي”، يقول غيلمور. مضيفاً: “في الواقع، باستثناء مختلف نفقات الإنقاذ الكبيرة، فإن الإنفاق قد تم إحتواؤه نسبياً، ولا أتوقع أن تواجه أبوظبي أي صعوبات مالية”.
لدى دولة الإمارات بعض الحصون المالية الكبيرة حتى لو تعرضت حساباتها لضغوط مستمرة. تمثّل المدّخرات الخارجية 100 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، مما يعكس بشكل رئيسي أصول جهاز أبوظبي للإستثمار.
إذا كان هناك أي تراخٍ في الإنتعاش الإقتصادي في الإمارات، فهو يعكس بشكل رئيسي حقيقة أن البلاد في مرحلة مختلفة من الدورة الإقتصادية مقارنة مع دول الخليج الأخرى. نظراً إلى حجم أزمة الديون قبل أربع سنوات، فإنه ببساطة كان يلزمها الكثير كذلك للنهوض مرة أخرى.
“لقد إستغرقت دولة الإمارات العربية المتحدة وقتاً أطول للتعافي، ونتيجة لذلك فإن الإقتصاد لا يزال يشعربأنه يكتسب سرعة بدلاً من خسارتها”، يقول سيمون ويليامز، كبير الاقتصاديين في ينك “أتش أس بي سي” (HSBC) في الإمارات. “التوقعات بالنسبة إلى 2014 قوية ونمو 4.5 في المئة الذي توقعه صندوق النقد الدولي قد يكون على الجانب المنخفض”، يضيف.
من جهتها تقع دبي أيضاً في الموقع الحسن لمواصلة الإستفادة من تأثير الملاذ الآمن الإقليمي، يقول غيلمور: “وهي لديها البنية التحتية لجذب رؤوس الأموال، من المستثمرين الإقليميين المتوترين سياسياً، التي لا تزال مرتفعة”.
دبي حيث القصة الإقتصادية لدولة الإمارات هي الأقوى بقيادة قطاعاتها الخدماتية الموجّهة إلى التصدير. قوة قطاعات السفر، والتجارة، والخدمات اللوجستية، والسياحة، والتجزئة، سوف تدعم بشكل قوي زيادة النشاط العقاري.
“جنبا إلى جنب مع النمو في الإنفاق الحكومي والإستثمار في القطاع الخاص سترى أيضاً تصاعداً في خلق الإئتمان في دولة الإمارات كلها في سياق العام 2014 والتي ستدفع النمو”، يقول وليامز.
يستعد قطاع التجارة والخدمات الأساسية في دبي للاستفادة بقوة من الديناميكية الإقليمية المؤاتية. دبي، باعتبارها مركزاً إقليمياً، يمكنها إلتقاط الزيادات من التدفقات التجارية، يقول بنك ستاندرد تشارترد، والذي يشير إلى أن التجارة غير النفطية للإمارة إرتفعت بنسبة 16 في المئة (184 مليار دولار) في النصف الأول من العام 2013 وفقاً لإحصاءات الحكومة، مقابل تسعة في المئة (158 مليار دولار) في النمو في الفترة عينها من العام 2012.
بالنسبة إلى العام 2014، يتوقع “ستاندرد تشارترد” أن تنمو التجارة الإجمالية في حدود 12 إلى 15 في المئة. وسوف تقود هذا التوسع مكانة دبي كبوابة إلى 55 في المئة من تدفقات التجارة لدول مجلس التعاون الخليجي من خلال موانئها. وأضاف “نتوقع أن تبقى مستويات الإستثمار في المنطقة قوية، بقيادة الطلب على واردات السلع الرأسمالية وإفادة القطاعات اللوجستية والتجارية في الإمارة”، يقول البنك في توقعاته للعام 2014.
في دبي، من المتوقع أن يوفر القطاع السياحي مصدراً قوياً للنمو في العام 2014، على خلفية بعض معدّلات الإشغال المسجّلة المثيرة للإعجاب في العام الماضي. لقد بلغ عدد السياح إلى دبي في الأشهر الستة الأولى من العام 2013 حوالي 5.5 ملايين شخص، أي بزيادة قدرها 11 في المئة عن الفترة عينها من العام 2012. وقد بلغت نسبة الإشغال الفندقي 81.0 في المئة، صعوداً من 75.5 في المئة في السابق.
ولكن، أكبر علامة إستفهام على المدى القريب تطرح على الأداء الاقتصادي في الإمارات تحوم حول قطاع النفط والغاز، ولا يتوقع المحللون أن تساهم الهيدروكربونات بشكل كبير في نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي هذا العام.
وقُدِّر إنتاج النفط الخام في الإمارات ب 2.74 مليوني برميل يومياً في كانون الاول (ديسمبر) 2013، إرتفاعاً من 2.5 مليوني برميل في اليوم في العام الذي سبق (2012)، مع متوسط العام 2013 بلغ 2.8 مليوني برميل يومياً مقارنة ب2.64 مليوني برميل يومياً في العام 2012. لا تزال دولة الإمارات في طريقها إلى زيادة طاقة إنتاج النفط الخام الى 3.5 ملايين برميل يومياً بحلول العام 2017 مع التعهد بإستثمار مبلغ ضخم قدره 52 مليار دولار لمشاريع توسيع القدرات.
لا شك أن صانعي السياسات في الإمارات سوف يكونون أكثر من سعداء إذا كان الأداء غير النفطي يعوّض عن أي تراخٍ في أداء قطاع الهيدروكربونات.
ولكن في الوقت الراهن على الأقل، يمكن لدولة الإمارات العربية المتحدة أن تكون سعيدة لأن المزاج الإقتصادي يتجه بشكل حاد في مسار إيجابي تصاعدي.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.