ثقافة الفايسبوك وولادة الإنسان الرقمي!

بقلم جوزف قرداحي

منذ أصبح الكتاب رقمياً وأصبحت المطبوعة الصحفية تتواصل مع قرائها إلكترونياً، تغيّر نمط الإعلام بكل وسائله، وتغيّرت الثقافة العامة لدى المجتمعات، وخصوصاً المجتمعات العربية التي تتميّز بآفة الثرثرة على فضيلة القراءة، وتمضية الوقت بألعاب التسلية وحل الكلمات المتقاطعة على مطالعة كتاب أدبي أو علمي أو تاريخي مفيد.
في دراسة تقريبية لمجلة “أسواق العرب” حول حجم الإقبال على شراء الكتب والمطبوعات الورقية لدى عدد من أبرز المكتبات اللبنانية والعربية، تبيّن وبشكل مخيف ومخيّب للآمال، أن نسبة الإقبال على شراء الكتب، ولا سيما في المعارض الثقافية، إنخفضت إلى الثمانين في المئة، وهي نسبة قابلة للإزدياد، وقد تصل إلى الصفر. وقد أظهرت الدراسة، أن معظم رواد المعارض الذين يُقبلون على شراء الكتب، هم من “زبائن” حفلات توقيع الدواوين الشعرية المزدهرة، والذين تربطهم بصاحب الديوان الشعري صداقات ناشئة عبر وسائل التواصل الإجتماعي مثل “الفايسبوك” و”التويتر” و”اللينك إن” وغيرها، وليس حضورهم في تلك المناسبات سوى مجاملات إجتماعية متبادلة، وبعيداً من إسم الكاتب وحجمه الأدبي.
ما يدعو إلى القلق حقاً، ليس إنخفاض نسبة قراء الكتب والمطبوعات الورقية وإزياد أعداد المدمنين على وسائل التواصل الرقمية مثل ال”واتساب” و”فايبر” و”تويتر” و”فايسبوك” وغيرها، إنما القلق الحقيقي، هو من إنتشار ثقافة الثرثرة الفايسبوكية السطحية والفارغة، ومساواتها على قدم وساق مع نصوص أدبية لكبار الكتاب والأدباء في العالم، وإفتقار هذا العالم الإفتراضي الجديد إلى ميزان تقييم حقيقي للمحتوى الأدبي، فينبت شعراء المصادفة الفايسبوكية وأدباء الثرثرات، المحاطين بمجموعة من المعجبين والمصفّقين الدائمين على غرار البرامج التلفزيونية التي تستأجر مصفقين وجمهوراً من وكالات متخصصة بالمناسبات الإجتماعية.
المدهش في ظاهرة الفايسبوك، هو التسابق على طباعة كتب الشعر، التي جمعها أصحابها من نصوص يومية صاغوها بلا ضوابط أو قواعد أو مراعاة لأدنى شروط اللغة، إلى حد أنه تصلني كل يوم على بريدي الإلكتروني الخاص أكثر من دعوة على حفل توقيع كتاب شعري، لشعراء وشاعرات إستولدهم الفايسبوك بقدرة قادر. والأدهى من ذلك أن معظم ناشري تلك الترهات الشعرية دور نشر مرموقة ومعروفة وفي سجلها عشرات الأسماء الأدبية الكبيرة. أما المفارقة المحزنة، هي حين ندرك أن عشرات مؤسسات النشر تلك باتت مهددة بالإفلاس واقفال أبوابها، أما تشجيعها شعراء وشاعرات الفايسبوك على إصدار دواوينهم الشعرية، ليس هو إلا من باب حماية النفس وتحفيز عجلة المطابع أن تدور دورتها، قبل أن يصيبها الصدأ.
في الخلاصة، قد يكون للتطور الهائل والسريع الذي وصل إليه عالم التواصل الإفتراضي إيجابياته على مستوى السرعة في نقل المعلومة والخبر، وسهولة الحصول على المعلومات العامة التي أصبحت في متناول الجميع. لكن، لو أحصينا السلبيات التي خلّفها هذا التطور على مستوى الإنسان وقيمه الإجتماعية، وبالتالي لو قيّمنا حجم المخاطر التي يتعرّض لها المجتمع المدني الذي أصبح بمجمله مجتمعاً رقمياً إفتراضياً، لأدركنا أننا أصبحنا على شفير إنقراض الإنسان الطبيعي الذي بدأ يخسر شيئاً فشيئاً حواسه البشرية، لصالح إنسان رقمي يشبه آلة الكومبيوتر التي تحتاج إلى إعادة برمجة بين الحين والآخر.
سقى الله أيام زمان!!!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى