تونس أمام أزمة مياه خطيرة قد تؤدي ببعض سكانها إلى العطش!
نقصُ المياه في تونس يؤثّر في قدرة السكان على الحصول على مياهٍ نظيفة، مما يزيد من المخاطر المُرتبطة بالأمراض المنقولة عبر المياه مثل أمراض الجهاز الهضمي، أما في درجات الحرارة المرتفعة، فقد يتعرّض السكان للإجهاد الحراري والجفاف، الأمر الذي يزيد من خطر الإصابة بالأمراض المُزمنة مثل الفشل الكلوي.

نور عُمَر*
في كانون الثاني (يناير) الفائت، في ذروة موسم الأمطار، شهدت تونس ما لا يقلُّ عن 11 تحرُّكًا احتجاجيًا للمُطالبة بالحقِّ في التزوُّدِ بالماء الصالح للشرب، وفقًا للمرصد التونسي للمياه، وهو مشروعٌ جمعياتي يُعنى بالنظر في كلّ الإشكاليات والقضايا المُتعلّقة بحقِّ الولوج للمياه في تونس. أصبحت هذه التحرُّكات الاحتجاجية أمرًا شبهَ يومي في العديد من المناطق في الأرياف والمدن على حدٍّ سواء. أصبح العطشُ يؤرق التونسيين في مختلف المناطق، حيث تكافح شريحة واسعة منهم للحصول على الماء الضروري لحياتهم اليومية. كما عمّقَ هذا الوضع أزمة العديد من الأرياف التي لم تصلها إلى اليوم شبكات التزوّد بالماء الصالح للشرب خصوصًا في أرياف محافظات الشمال الغربي لتونس وبعض محافظات الوسط. يقول بعض الخبراء إنَّ شحَّ المياه ناتجٌ عن تتالي سنوات الجفاف جرّاء التغيّرات المناخية وغياب سياسات واضحة للدولة للحدِّ من تداعيات هذه الأزمة، خصوصًا وأنَّ الخيارات الاقتصادية تحديدًا في المجال الزراعي تُعتَبَرُ مُستنزفةً للثروة المائية ولم تتم مراجعتها منذ عقود.
يسعى هذا المقال إلى تحليل السياسات المُمكنة التي يمكن أن تضمنَ للمواطنين التونسيين حقّهم في الحصول على الماء، وهو حقٌّ منصوصٌ عليه في دستور الجمهورية التونسية وكيفية تنفيذ السياسات التي تتعامل مع الأزمة المائية في تونس، كما يتناول البحث استراتيجيات مختلفة لتحقيق العدالة في توزيع المياه.
وقد وثّقت الجمعيات والمنظمات التي تُدافع عن حقِّ المواطن في الماء شهادات لسكان القرى والمناطق الريفية التي تواجه صعوبات جمّة في الحصول على الماء. في بعض المناطق، يضطرُّ السكان للانتقال مسافات طويلة على الأقدام أو باستخدام الدواب للحصول على الماء، حيث يصطفّون ساعات طويلة أمام الحنفيات العامة أو الينابيع. فمن ناحية الزراعة، تؤدي أزمة المياه إلى تراجع الإنتاج الزراعي، ما يؤثّرُ سلبًا في الأمن الغذائي ويزيد من أسعار المواد الغذائية.
كما إنَّ نقصَ المياه يؤثّر في قدرة السكان على الحصول على مياهٍ نظيفة، مما يزيد من المخاطر المُرتبطة بالأمراض المنقولة عبر المياه مثل أمراض الجهاز الهضمي، أما في درجات الحرارة المرتفعة، فقد يتعرّض السكان للإجهاد الحراري والجفاف، الأمر الذي يزيد من خطر الإصابة بالأمراض المُزمنة مثل الفشل الكلوي.
طبقًا إلى إحدى الشهادات التي رصدها المرصد التونسي للمياه بمدينة طبرقة شمال تونس، تقول إحدى السيدات إنها تضطرُّ إلى التوجُّه منذ الساعة الثالثة فجرًا إلى الحنفية العامة للحصول على 10 ليترات من الماء لا تكفيها سوى شراب يوم أو يومين على أقصى حد. هذا المشهد يتكرّر في جل المحافظات التونسية وخصوصًا في الأرياف.
تَوَسُّع خارطة العطش وتغيُّر ملامحها
يتولّى المَرصَدُ التونسي للمياه1 منذ إنشائه في 2016 رَصدَ ومُتابعة مدى تطبيق الالتزامات الوطنية والدولية لكافة الأطراف المتدخّلة في قطاع المياه بهدف العمل على تحسين ظروف ولوج مختلف الفئات الريفية والحضرية للخدمات المائية والصرف الصحي. ومن بين أهم النقاط التي يعمل عليها المرصد هي التبليغات اليومية للمواطنين عن انقطاعات المياه، التحرّكات الاحتجاجية، أو الحصول على مياه غير صالحة للشرب، وتُمثّلُ هذه المعطيات مكوّنات ما يُطلَقُ عليها لدى المرصد بـ”خارطة العطش” التي تصدر شهريًا.
وبناءً على هذه المعطيات يؤكد علاء المرزوقي منسق المرصد التونسي للمياه في مقابلة معه (2) أنَّ خارطة العطش تغيّرت سنة 2024 تحديدًا من خلال تَصَدُّرِ محافظات مثل صفاقس (الجنوب الشرقي) والمحافظات الساحلية في الوسط وتونس الكبرى (العاصمة والمحافظات المجاورة) قائمة التبليغات اليومية عن انقطاعات الماء الصالح للشرب. بعدما كانت أكثر التبليغات من محافظات الوسط الغربي. السبب في ذلك، حسب مُحدِّثنا، هو ارتهان هذه المحافظات إلى مياه الشمال أي مياه السدود التي عرفت تراجُعًا كبيرًا في مخزون مياه السدود بفعل تتالي مواسم الجفاف وقلة التساقطات المطرية. من ذلك أنَّ محافظة صفاقس (ثاني أكبر محافظة من حيث عدد السكان وهي العاصمة الاقتصادية لتونس) تُعتَبر المحافظة الأكثر تهديدًا بالعطش لأنه ليست لديها موارد مائية ذاتية صالحة للشرب مما جعل أزمة العطش تتعمّق كل صيف.
إل جانب ذلك يعتبر علاء المرزوقي أنَّ ارتفاع الاستعمال الصناعي للمياه زاد من تعميق أزمة العطش لدى المواطنين، وهذا الأمر تم تسجيله خصوصًا في محافظتَي صفاقس نظرًا لكثرة المصانع، وقفصة (الجنوب الغربي) التي عُرِفت بالصراع الأزلي بين الاستغلال الصناعي للماء في علاقته بإنتاج الفوسفات وحق السكان في الماء الصالح للشرب.
وللإشارة فقد تولى المرصد رصد 2153 تبليغًا عن انقطاعٍ غير مُعلَن واضطرابٍ في توزيع المياه الصالحة للشرب سنة 2024، وتتصدّر محافظة صفاقس الخارطة ب338 تبليغًا تليها قفصة بـ276 تبليغًا ومحافظة سوسة (الوسط) بـ207 تبليغًا فيما بلغت التحرّكات الاحتجاجية 186 تحرُّكًا.
المصدر: المرصد الوطني للمياه.
يُظهرُ الجدول أعلاه عدد التقارير المتعلقة بقضايا المياه خلال العام 2024 حيث وصل عدد التقارير عن المياه الصالحة للشرب إلى 112، في حين بلغ عدد حركات الاحتجاج 186. وصلت التسريبات إلى 242، وبلغت الانقطاعات 2,153، وبلغ إجمالي عدد التقارير2,693.
تتالي مواسم الجفاف والخيارات الاقتصادية عمّقت الأزمة
منذ سنة 2018 بدأت تتفاقم ظاهرة العطش بفعل تتالي مواسم الجفاف وقلة التساقطات المطرية سنويًا، وعلى الرغم من تحذيرات العديد من المختصين بشأن خطورة الوضع، ودعواتهم لاعتماد سياسات مائية أكثر فاعلية، فإنَّ الأوضاع استمرّت في التدهور.
يُشيرُ الخبير في الموارد المائية في المرصد الوطني للمياه، حسين الرحيلي في مقابلة معه(3) إلى أنَّ التغيُّرات المناخية تلعب دورًا حاسمًا في أزمة المياه التي تعيشها تونس. ووفقًا له، فإنَّ هذه التغيرات بدأت تظهر منذ بداية التسعينيات (1995)، مشيرًا إلى أنَّ تونس دخلت منذ ذلك الحين مرحلة الإجهاد المائي بسبب الاستغلال المُفرِط للموارد المائية الجوفية. ويضيف الرحيلي أنه في الفترة الممتدة من 2014 إلى اليوم، أصبحت تونس في مرحلةٍ حرجة من الناحية المائية، مثلها مثل باقي دول حوض البحر الأبيض المتوسط، التي تعاني من تأثيرات التغيّرات المناخية المُتمثّلة في ارتفاع درجات الحرارة، تبخّر المياه، وتراجع معدلات الأمطار.
كما يضيف الخبير أنَّ تونس منذ سنة 2014، عانت كغيرها من بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط، من التعرُّض الكبير لتأثيرات التغيّرات المناخية على مستوى ارتفاع درجات الحرارة وتبخّر المياه وتراجع تساقطات الأمطار، ما أدخل البلاد مرحلة الحرج المائي. تفاقمت الأزمة بشكلٍ ملحوظ وبدأ المواطن يلامس تبعاتها في السنوات الأربع الأخيرة. السبب في ذلك هو تتالي مواسم الجفاف منذ سنة 2018 والتي استمرت لستّ سنوات مع عدم تغيير السلوك الاستهلاكي في علاقته بالمياه. مُوَضِّحًا أنَّ نسبة امتلاء السدود كانت سنة 2019 في حدود 65 في المئة لتتراجع سنة 2020 إلى 40 في المئة ومنذ ذلك الحين لم تتجاوز هذه النسبة وهي سابقة في تاريخ تونس على حد قوله.
يشير تقرير دائرة المحاسبات لعام 2019، المُتعلّقُ بملف المياه، إلى أنَّ قطاعَ الري الزراعي يُمّثل 80% من استهلاك المياه في تونس. في هذا السياق، أكد حسين الرحيلي أنَّ الخيارات الزراعية قد ساهمت بشكلٍ كبير في استنزاف الموارد المائية، داعيًا إلى مراجعة هذه الخيارات. كما شدد على ضرورة التخلّي عن المحاصيل الزراعية التي تستهلكُ كميات كبيرة من المياه، مثل القوارص وبعض أنواع الخضروات، التي تُزرَع أساسًا للتصدير إلى أسواقٍ تخلّت بدورها عن هذه المحاصيل بسبب استهلاكها المفرط للمياه. واعتبر الرحيلي أنَّ استمرارية هذه الخيارات الاقتصادية التي تُركّز على تلبية احتياجات الأسواق الأجنبية، بدون مراعاة استدامة الموارد المائية، غير معقولة.
حلول ممكنة
يرى العديد من الملاحظين والمختصين أنَّ الإرادة السياسية وتحمُّل الدولة لمسؤولياتها يشكلان العامل الأساسي في الحدِّ من تفاقُم أزمة المياه. ويؤكد هؤلاء أنَّ الحلول المحتملة لا يمكن أن تتحقّق بدون اعتراف الدولة بالأزمة المائية، واتخاذ قرارات جذرية تذهب إلى جوهر المشكلة.
يقدم حسين الرحيلي الخبير في الموارد المائية ثلاثة حلول رئيسة للتعامل مع أزمة المياه وتتلخص في ما يلي:
- التخلي عن الحلول التقليدية لتخزين المياه: يعتبر الرحيلي أنه على عكس الاعتقاد السائد فإنَّ السدود لا تُمثّلُ الخيارَ الأنسب لتخزين المياه خصوصًا في ظلِّ الارتفاع الملحوظ لدرجات الحرارة، باعتباره مصدرًا من مصادر تبخّر المياه، قائلًا تشير الأرقام إلى أنه خلال صيف 2024 يتبخّر يوميًا من السدود ما يقارب 600 ألف متر مكعب من المياه. لذلك فإنه ليس من حلٍّ اليوم سوى حماية الموائد الجوفية، التي توفر 65 في المئة من المياه المستهلكة مقابل 35 في المئة متأتية من السدود، زيادة على استنزاف الموائد الجوفية جرّاء الحفر العشوائي للآبار خصوصًا في المناطق المُصنَّفة “حمراء”. وفي هذا الإطار يشير تقرير دائرة المحاسبات إلى أنَّ نسبة كميات الأمطار الجوفية المُستَغلّة بلغت 108 في المئة من مجموع الموارد الجوفية وترتفع هذه النسبة إلى 126 في المئة باحتساب استهلاك الآبار العشوائية التي تتفاقم بنسبة 14.7 في المئة سنويًا لتفوُّق 24 ألف بئرً. وقد دعا التقرير إلى ضرورة متابعة المؤسّسات الحكومية لهذا الاستغلال للموائد الجوفية عبر تكثيف نقاط المراقبة والمتابعة الميدانية.
- التأقلم مع الخارطة المائية الجديدة وإيجاد طرق مستحدثة وأقل كلفة لتجميع المياه: يُضيف الخبير في الموارد المائية حسين الرحيلي أنه رُغم أنَّ التساقطات المطرية جيدة منذ أيلول (سبتمبر) 2024 لغاية شباط (فبراير) 2025، إلّا أنَّ الخارطة المطرية شهدت تغيُّرًا كبيرًا باعتبار أنه حسب المعطيات المناخية العادية لتونس فإنَّ أعلى كميات الأمطار كانت تُسجَّل عادة في مناطق شمال البلاد. لكن على عكس ذلك فإنَّ أعلى كميات الأمطار وتواتر نزولها هذا العام كانت في مناطق الوسط والجنوب حيث ارتفعت كميات التساقطات بمرّتين ونصف الكمية السنوية المعتادة. وللإشارة فإنَّ هذه المحافظات لا توجد في أغلبها خزانات تجميع مياه بخاصة محافظات صفاقس (الجنوب الشرقي) وسوسة والمنستير والمهدية (الوسط الساحلي) باعتبار أنَّ معظم السدود تمَّ إنشاؤها في محافظات الشمال. وبالتالي فإنَّ نسبة كبيرة من هذه الأمطار سوف تضيع لعدم وجود خزانات مياه ولأنها بدورها تساقطات غزيرة وسريعة في الزمن وبالتالي لا تتسرّب إلى المياه الجوفية بشكلٍ كبير.
- الحد من الضياع المائي: تتمثل مظاهر ضياع كميات مهمة من المياه في ثلاثة مجالات.
- أولها قنوات مياه الشرب التي تتسبب في ضياع قرابة 25 في المئة من مياه الشرب، بسبب تقادم القنوات وضعف الصيانة حسب ما أكده علاء المرزوقي منسق المرصد التونسي للمياه.
- كذلك الأمر بالنسبة إلى المناطق السقوية (مناطق زراعية على ملك الفلاحين وتتولى الدولة تجهيزها بشبكات الري وتوفير المياه) التي تُهدَرُ فيها ما بين 3 و4 في المئة يوميًا من كميات المياه. وفي هذا السياق يشير تقرير دائرة المحاسبات (حول قطاع المياه لسنة 2019) إلى أنَّ حوالي 61 في المئة من تجهيزات المناطق السقوية البالغ مساحتها أكثر من 156 ألف هكتار متقادمة ويعود إحداثها على ما يفوق 25 عامًا. وتشكو ما يزيد عن 612 منطقة من تعطل منشآتها وقنواتها وتواتر الأعطاب بها. ويضيف التقرير أنه خلال الفترة الممتدة من 2013 إلى 2019 تفاقمت كميات المياه الضائعة على مستوى شبكة الجلب والتوزيع في هذه المناطق بحوالي 3.655 مليون متر مكعب أي ما نسبته 43 في المئة من كميات المياه الإجمالية المجلوبة والموزعة.
- أما الشكل الثالث من ضياع كميات مهمة من المياه هو حالة السدود، وفي هذا الجانب يعتبر علاء المرزوقي أنه رُغم اعتبار المنظومة المائية في تونس “ثورية” مقارنةً بالدول المجاورة لأنها كانت من أول البلدان التي أنشأت السدود الكبرى، على غرار سد بني مطير سنة 1954 وسد وادي الكبير (في طبرقة شمال تونس) الذي تم ملؤه بالماء لتوفير المياه للعاصمة تونس سنة 1928، إلّا أنَّ غياب الصيانة الدورية ومواكبة التطورات التقنية أدى إلى خروج بعضها عن الخدمة و ارتفاع مستوى الترسّبات التي تجاوزت 15 في المئة في العديد منها. إلى جانب تحويل مياه السدود من الشمال إلى العاصمة والمحافظات الأخرى عبر قنوات تحويل مفتوحة يؤدي إلى ضياع كميات كبيرة من المياه بسبب التبخر، داعيًا في هذا الإطار إلى ضرورة توجيه الاستثمارات الحكومية نحو مواكبة التقنيات الحديثة لتحويل المياه وإحكام التصرّف في الإمكانيات المتاحة بدلًا من تكليف الدولة عبء الاستثمارات المكلفة مثل مشاريع تحلية مياه البحر مقارنة بالإمكانيات المادية والطاقية المحدودة للبلاد بفعل الظروف الاقتصادية الصعبة.
تحسّن المخزون لا يعني انقشاع الأزمة
تنشر الإدارة العامة للسدود والأشغال المائية الكبرى التابعة لوزارة الفلاحة ملاحظاتها حول الوضعية المائية والمتعلقة بمخزون السدود، توزيع هذا المخزون بأهم السدود، الإيرادات المائية والاستعمالات والسحب وتحويل المياه للإستهلاك الوطني اليومي أو لتغذية البحيرات. وتشير الأرقام إلى أنه إلى تاريخ 13 شباط (فبراير) بلغت نسبة امتلاء السدود 36 في المئة، وهي نسبة جيدة مُقارنةً بالسنوات الست الماضية. خصوصًا وأنه من المرجح أن تتجاوز نسبة امتلاء السدود لهذا العام 40 في المئة.
في المقابل، فإنَّ هذا المخزون المُريح نسبيًا يخلق لدى المختصين تخوّفًا من العودة إلى الاستغلال المفرط للمياه ويتآكل مخزون السدود إلى ما دون 19 في المئة التي تم تسجيلها سنتي 2021-2022. وفي هذا السياق يقول منسق المرصد التونسي للمياه إنه على الدولة تحمُّل مسؤولياتها في توجيه استعمال الماء واتخاذ قرارات جريئة خصوصًا في ما يتعلق بالخارطة الفلاحية.
وكانت وزارة الفلاحة أقرت منذ سنة 2023 اعتماد نظام الحصص وتحجير بعض استعمالات المياه، حيث تم تحجير استعمال المياه الصالحة للشرب الموزعة عبر شبكات الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه(4) للأغراض الفلاحية أو لري المساحات الخضراء ولتنظيف الشوارع والأماكن العامة وغسل السيارات. كما دعت المندوبيات الفلاحية5 في العديد من المحافظات، إلى تجنُّب برمجة زراعات سقوية خاصة منها الخضروات الفصلية خلال الموسم الفلاحي الحالي. كما حذّرت المزارعين من تركيز مضخّات عل ضفاف الأودية والتوقف التام لأي استغلال خارج القوانين الجاري العمل بها.
استراتيجية المياه في أفق 2050
تماشيًا مع التحديات التي فرضتها التغيّرات المناخية وتأثيراتها السلبية على الأمن الغذائي والمائي، أعدت وزارة الفلاحة دراسة استراتيجية لقطاع المياه في أفق 2050، وقد انطلقت الوزارة في إعداد مخططات العمل للفترة الممتدة من 2026-2030. وتتضمّن هذه الإستراتيجية 43 مشروعًا و1200 إجراءً من بينها:
- مواصلة تعبئة الموارد المائية السطحيةمن طريق تعبئة السدود وتركيز محاور جلب المياه بين المحافظات؛
- تدعيم الموارد المائية الجوفيةعبر انشاء 30 سدًّا باطنيًا؛
- توسعة 4 محطات لتحلية مياه البحر وإنشاء 4 محطات تحلية مياه جوفية في مناطق الجنوب؛
- تقليص كميات المياه المُوَجَّهةللقطاع الفلاحي من 80% إلى 70% وتخصيص نسبة 30% المُتبقّية من الموارد لمياه الشرب والقطاعَين الصناعي والسياحي؛
- الترفيع في مردودية منظومات جلب مياه الشربوشبكات الري من 67 في المئة (حاليًا) إلى 85 في المئة سنة 2050 لاستعادة حوالي 300 مليون متر مكعب من المياه، من خلال إعادة هيكلة حوالي 30 ألف كلم2 من البنية التحتية لتوزيع المياه.
وتسعى هذه الاستراتيجية إلى توفير 115 ليترًا من المياه يوميًا للفرد الواحد، علمًا وأنَّ هذه النسبة لا تتجاوز 420 مترًا مكعبًا للفرد الواحد سنويًا، وهي تُعتَبرُ نسبةً متدنية جدًا مقارنة بالمعدل العالمي المنصوص عليه من قبل الأمم المتحدة والذي هو في حدود ألف متر مكعب في السنة.
ينص الفصل الـ48 من دستور الجمهورية التونسية لسنة 2022 على الحق في الحصول على الماء الصالح للشرب للجميع على قدم المساواة وعلى الدولة توفيره والمحافظة على الثروة المائية للأجيال المقبلة، ورُغم هذا التضمين الدستوري إلّا أنَّ التحرّكات الاجتماعية المطالبة بالحق في الماء تصدّرت التحرُّكات البيئية المسجلة سنة 2024 حسب آخر تقرير للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ندّد خلالها المواطنون بتواصل أزمة العطش والانقطاعات المتكرّرة للماء. وهو ما يؤكد ما ذهب إليه الكثير من المختصين بأنَّ الحلول المؤقتة أو الظرفية للأزمة الهيكلية للمياه لن تحلَّ الإشكال بل أنَّ الأمر يتطلّب الانكباب على إيجادِ حلول مستدامة تتظافر حولها جهود كل الأطراف من جهات حكومية ومنظمات المجتمع المدني والمختصّين.
دعوة على العمل المنسق
تتفاقم أزمة المياه في تونس لأسباب عدة بدءًا من تغيرات المناخ وتدهور المخزون المائي بسبب قلة التساقطات المطرية، وصولًا إلى استنزاف الموارد المائية بسبب الاستخدامات غير المستدامة وبسبب ذلك يعاني التونسيون من انقطاعات مستمرة في تزويد المياه، مما يثير العديد من الاحتجاجات في المناطق المختلفة. هناك حلول محتملة للأزمة، منها التخلي عن الحلول التقليدية لتخزين المياه والتركيز على حماية الموارد الجوفية، إلى جانب ضرورة الحد من ضياع المياه في شبكات النقل والري. إضافة إلى ذلك لا بُدَّ أن تتخذ الدولة قرارات جذرية لتحسين إدارة المياه، بما في ذلك تعديل استراتيجيات الري والحد من استهلاك المياه في القطاع الفلاحي.
- نور عُمَر هي صحافية مستقلة من تونس تعمل مع مؤسسات إعلامية محلية ودولية عدة.
هوامش
- 1المرصد التونسي للمياه هو مشروع جمعياتي يعني بالنظر في كل الإشكاليات والقضايا المتعلقة بحق الولوج للمياه في تونس.
- 2تمت المقابلة في الثالث عشر من شباط/فبراير 2025 في العاصمة تونس.
- 3تمت المقابلة في الحادي عشر من شباط/فبراير2025 في العاصمة تونس.
- 4الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه هي مؤسسة حكومية تشرف على قطاع مياه الشرب.
- 5المندوبيات الفلاحية هي هياكل جهوية تابعة لوزارة الفلاحة متواجدة في كل محافظة.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.