في سقوطِ الأسد، صدى “الربيع العربي”

إذا لجَأ قادة سوريا الجدد إلى القمع، فإنهم سيجعلون البلاد عُرضةً لمصيرٍ قاتم. كما إنَّ ذلك سيؤدّي إلى تراجُعِ قضية الديموقراطية في مختلف أنحاء المنطقة، الأمر الذي قد يعطي الذخيرة للفصائل التي تزعم أنَّ الانتفاضات العربية لا تؤدي إلى أيِّ شيء.

أحمد الشرع: هل تعلّم الدرس؟

مروان المعشّر*

بدّدت إطاحةُ بشار الأسد في سوريا الوَهمَ بأنَّ الاستقرارَ في الشرق الأوسط يُمكِنُ أن يستمرَّ من خلال القوّة الغاشمة. كانَ النظامُ السوري واحدًا من أكثر الأنظمة وحشية في العالم. وتمَّ الكشفُ عن فظائعه، المعروفة منذ فترة طويلة أو المُشتَبَه بها ولكنها مَخفيةٌ عن الأنظار: السجناء كانوا يتعرّضون للتعذيب والقتل بشكل روتيني، والمعتقلون كانوا يرون أشعة الشمس لمدة عشر دقائق فقط كل عام، والأطفال الذين كانوا يُولَدون في زنزانات السجن لم يشاهدوا طائرًا أو شجرة قط. مع ذلك، فإنَّ قمعه الرهيب لم يضمن سيطرة وبقاء نظامه إلى أجلٍ غير مُسمّى. لم تتمكّن إيران وروسيا، أكبر مؤيديه، من إنقاذه. والأمر الأكثر أهمية هو أنَّ الجيش السوري، الذي يُعاني من سوءِ التغذية والأجور، لم تَكُن لديه الإرادة للدفاع عنه. وعندما وصل المسلّحون بقيادة “هيئة تحرير الشام” المتمرّدة إلى دمشق في كانون الأول (ديسمبر) الفائت، سقطت العاصمة من دونِ قتال.

إنَّ انهيارَ هذا النظام من شأنه أن يُبدّدَ أخيرًا الأسطورة المستمرّة بأنَّ “الربيع العربي” كان سرابًا. لقد انتهت الموجة الأولى من الانتفاضات، التي استمرّت من العام 2010 إلى العام 2012 وشهدت خروج مئات الآلاف من الناس إلى الشوارع للاحتجاج على الحكم الاستبدادي في جميع أنحاء العالم العربي، في معظم الحالات، بتشديدِ الحكومات لسلطاتها. لكن كما كتبتُ في العام 2018 في مجلة “فورين أفّيرز”، ما دامت الحكومات العربية لا تُعالج التحدّيات التي تُواجِهُ المنطقة بشكلٍ صحيح، فإنَّ المقاومة الشعبية لحُكمِها لن تنتهي. وسوف تستمرُّ الاحتجاجات وحركات التمرّد. وما لم تتبنَّ الإصلاحَ الحقيقي، فسوف يتعلّم زعماء المنطقة بالطريقة الصعبة، كما فعل الأسد، أنَّ أيَّ قدر من القمع لا يُمكن أن يضمن حكمهم لجماهير مستاءة بشكلٍ مُتزايد.

لذا، يتعيّن على الزعماء الجدد في سوريا أن ينتبهوا إلى هذا الدرس أيضًا. فإذا ما استبدلوا نظام الأسد الاستبدادي بنظامٍ آخر استبعادي وقمعي، فإنهم سوف يكونون عُرضة للإطاحة بالقدر عينه الذي كان عليه الأسد. ولكن إذا كانوا حكماء بما يكفي لمتابعة مسارٍ أكثر ديموقراطية، فإنَّ التحوُّلَ السياسي في سوريا قد يُصبحُ نقطةَ تحوُّلٍ في منطقة حيث تم تجاهل المطالب الشعبية بالحُكمِ المُستَجيب والرشيد لفترة طويلة للغاية.

عالقون في حالةٍ من الخَلَل

اليوم، يعيشُ جُزءٌ كبيرٌ من العالم العربي في حالةٍ من الفوضى. وحتى دول الخليج العربية، التي كانت تُعتَبَرُ لفترةٍ طويلة معقلًا للاستقرار، تُواجِهُ هي الأخرى تحدّياتٍ داخلية. قدّمت المملكة العربية السعودية، وبدرجةٍ أقل الإمارات العربية المتحدة، لعقود مساعداتٍ سخية للدول المجاورة. ولكن الآن، يبدو أنَّ السعودية تُركّزُ إلى حدٍّ كبير على دعمِ اقتصادها المحلّي، وقد يَفسَحُ دعمها القوي تقليديًا للقضية الفلسطينية المجالَ لجهودِ تطبيع العلاقات مع إسرائيل. نجحت الرياض في التغلّب على الموجة الأولى من الانتفاضات العربية من خلال ضَخِّ الأموال على المشكلة، والإعلان عن حُزمةٍ من برامج الرعاية الاجتماعية تزيد قيمتها على 130 مليار دولار، والتي تضمّنت زيادات في رواتب الموظفين الحكوميين، وتوفير وظائف جديدة، ومبادرات لإعفاء القروض. ويأمل ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أن تتمكّنَ المملكة من خلال إدخال إصلاحات اجتماعية واقتصادية جادة من مقاومة الضغوط التي تدفع إلى إصلاحٍ سياسي. وحتى الآن، يبدو أنَّ مناوراته ناجحة؛ إذ يُقدّرُ جيل الشباب السعوديين، الذين سئموا القيود الاجتماعية العتيقة في البلاد، التدابير الجديدة لرفع الحظر المفروض على قيادة المرأة للسيارة، والحد من سلطة الشرطة الدينية، والسماح للرجال والنساء بالاختلاط في الأماكن العامة. ولكن معالجة المشاكل الاقتصادية في البلاد، مثل معدل البطالة بين الشباب الذي يتجاوز 16٪، لن تكون بهذه السهولة.

إنَّ التحدّيات التي تُواجهها دول الخليج تتضاءل بالمقارنة بتلك التي تواجه بقية دول المنطقة. فدولٌ مثل مصر والأردن وتونس تظلُّ عاجزة عن الحدِّ من اعتمادها المُفرِط على المساعدات الخارجية والتحويلات المالية، الأمر الذي يعمل على قمع النشاط الإنتاجي. وتحوّلت دولٌ أخرى، بما فيها لبنان وليبيا والسودان واليمن، إلى دولٍ فاشلة. والآن بعدما ضعف “حزب الله” وتراجع نفوذ راعيته إيران، ربما يتمكّن لبنان من كسر الجمود السياسي، ولكن فقط إذا تمكّنَ من تخفيف قبضة أعضاء نخبة اللصوص. أما بقية الدول فهي عالقة في دوراتٍ لا مفرَّ منها على ما يبدو من الخلل الوظيفي والفساد والصراعات الأهلية والانحدار الاقتصادي.

إنَّ كلَّ هذه البلدان لديها شيءٌ واحدٌ مُشتَرَك: المقاومة المستمرّة لفتح أنظمتها السياسية وإشراك مجموعة أوسع من الأصوات في صنع القرار الرسمي. لقد أعاقت الحَوكَمة السيِّئة والإدارة الاقتصادية تنمية المنطقة وولّدت المظالم التي تكمنُ وراء “الربيع العربي”. تحدّت الثورات التي اجتاحت المنطقة بين العامين 2010 و2012 نماذج الحكم العتيقة التي تُقَيِّدُ عملية اتخاذ القرار بدائرة صغيرة للغاية من الأفراد وتفتقر إلى الضوابط والتوازنات المهمة. وسقط عدد قليل من القادة، ولكن في نهاية المطاف سادَ الاستبداد. ومع تنامي المخاوف من أن تستغلَّ الجماعات الإسلامية الاضطراب وتُطالب بالسلطة، عاد الكثيرون من المحتجّين إلى ديارهم من دون أن تعالج حكوماتهم المشاكل التي دفعتهم إلى الشارع. وتمكّنت الأنظمة العربية، من خلال نشر الأجهزة الأمنية وتوزيع المساعدات المالية، التي أصبحت مُمكنة بفضل أموال النفط، ليس فقط من البقاء على قيد الحياة في خضم الاضطرابات، بل وأيضًا من وصف الاحتجاجات بأنها إمّا نتاجُ مؤامرات أجنبية أو انفجارات جماهير مُضلَّلة لا تعرف مصالحها الخاصة. ووصف المدافعون عن الاستبداد العنف والقمع اللذين أعقبا المظاهرات المبكرة بأنه “شتاء عربي”، ووصفوا الفترة الأولية من المقاومة بأنها شذوذ.

لبضع سنوات، حافظ العديد من الدول العربية على مظهر الاستقرار. لكن تحت السطح، ظلَّ الناس مستائين ومظلومين. في العام 2019، اندلعت احتجاجات كبرى في الجزائر والعراق ولبنان والسودان. وسرعان ما قمع الحكام موجة الاحتجاج الثانية هذه بقمع شديد. ومرة ​​أخرى، زعموا النصر على قوى الاضطراب بدون محاولة معالجة المشاكل الاقتصادية والسياسية الأساسية التي تعاني منها بلدانهم.

إنَّ سوريا ليست سوى أحدث حلقة في سلسلةٍ من التذكيرات بأنَّ السخطَ الذي دفع “الربيع العربي” لم يختفِ قط. وإذا لم تُولِ الحكومات الاهتمام اللائق بالمشاكل الداخلية أو تُظهر الاحترام لمواطنيها، فلن تتمكّنَ أيُّ كميةٍ من الدعم الخارجي أو الوحشية الداخلية من دعمِ نظامٍ مختل إلى أجلٍ غير مسمى. ويواصل العديد من الزعماء العرب الزعم بأنهم يستجيبون لرغبات مواطنيهم، لكنهم لم يتّخذوا خطواتٍ جادة لفتح أنظمتهم السياسية والاقتصادية. في تونس ومصر، حيث أطاحت الثورات في العامين 2010 و2011 الدكتاتورَين اللذين طال أمد حكمهما، سمح الحكام الاستبداديون الجدد للمشاكل الاقتصادية بالتفاقم، الأمر الذي ترك البلدين في حالة اقتصادية أسوأ اليوم مما كانت عليه قبل العام 2010.

إنَّ الإصلاحَ الحقيقي يعني خلق بيئة حيث يُمكن للمواطنين المشاركة في عملية صنع القرار في البلاد، حيث يُصبحُ احترامُ التنوُّعَ العرقي والديني والمساواة بين الجنسين هو القاعدة وليس الاستثناء، وحيث تُتاحُ الفرصة الاقتصادية على أساس الجدارة وليس المحسوبية. وإلّا فإنَّ المواطنين سوف يستمرّون في الشعور بالمعاملة غير العادلة، وسوف تستمرُّ موجات الاحتجاج والثورة في القدوم. إن ما حدث في سوريا يمكن أن يحدث لأيِّ نظامٍ يعتقدُ خطأً أنه قادرٌ على الحفاظ على سلطته بالقوّة وحدها.

الباب رقم 2

لا ينبغي أن يكونَ سقوطُ الأسد مجرّدَ تحذيرٍ لبقية العالم العربي، بل ينبغي أن يكونَ أيضًا تحذيرًا لأولئك الذين حلّوا محله في سوريا. إنَّ التخلص من دكتاتورٍ وحشي لا يُشكّلُ سوى نصف المعركة؛ ويتعيّن على الإسلاميين الذين قادوا القتال لإطاحةِ النظامِ القديم أن يُقرّروا، الآن وقد تولّوا السلطة، ما إذا كانوا سيتبعون المسار عينه الذي جعل الأسد عُرضةً للخطر أم أنهم سيتبعون مسارًا مختلفًا.

الواقع أنَّ المسارَ الأكثر كارثية الذي قد يسلكه حكّام سوريا الجدد هو الحُكمُ على غرار تنظيم “الدولة الإسلامية” الجهادي (المعروف أيضًا ب”داعش”)، الذي حكم أجزاءً من العراق وسوريا من العام 2014 إلى العام 2017. ويبدو أن هذه النتيجة غير مُرَجَّحة: فأحمد الشرع، زعيم “هيئة تحرير الشام” الذي أصبح رئيسًا لسوريا، كان جهاديًا ذات يوم، لكنه يزعم أنه نبذَ التطرُّف. مع ذلك، هناك احتمالٌ أكثر ترجيحًا وأكثر إثارة للقلق: فقد يتبع الشرع المسار الذي سلكه الإسلاميون عندما وصلوا إلى السلطة في مصر بعد سقوط حسني مبارك في العام 2011. فقد انتُخِب محمد مرسي، أحد زعماء جماعة “الإخوان المسلمين”، ديموقراطيًا. ولكن بمجرّد تولّيه منصبه، دفع بدستورٍ لم يُلبِّ مطالب جميع مكوّنات المجتمع المصري. ولكن بعد مرور عام واحد فقط على حكمه، أطاحه الجيش في انقلاب دعمه ملايين المصريين ــ كثيرون منهم كانوا من الذين نزلوا إلى الشوارع للاحتجاج على الطاغية العلماني مبارك في العام 2011. ومن المؤسف أن آمالهم في رؤية مصر أفضل تحطّمت مرتين: أوّلًا بسبب انتهاكات مرسي وتجاوزاته، ثم بسبب عودة الاستبداد العلماني تحت قيادة عبد الفتاح السيسي، الجنرال الذي تولى السلطة في العام 2013 وشرع في تأسيسِ نظامٍ يُمكنُ القول إنه أكثر قمعًا من النظام الذي قاده مبارك.

كانت لفشل التجربة المصرية آثارٌ متوالية في مختلف أنحاء المنطقة. أشار القادة في أماكن أخرى إلى سنوات عدم الاستقرار والقمع التي أعقبت الانتفاضة في مصر باعتبارها تحذيرًا لمواطنيهم. وزعموا أنَّ الجماهير العربية لا بُدَّ أن تقبل الحكومات الاستبدادية العلمانية، بكلِّ عيوبها، بدلًا من المخاطرة بنظامٍ إسلامي من شأنه أن يجلبَ القيود الاجتماعية وعدم اليقين الاقتصادي. إذا تبنّى الحكّام الجدد في سوريا سياساتٍ إقصائية تتجاهل التنوُّع الثقافي والديني والجنساني لمواطنيها، فإنه محكوم عليهم بالفشل ــ تمامًا كما كان الأمر مع مرسي في مصر. وانهيارهم، وأيُّ بؤسٍ قد يتبعه، من شأنه أن يُعزّزَ الحجة القائلة بأنَّ الثورات عبثية، وسوف يخنق القوى في المنطقة التي كانت تدفع منذ أكثر من عقد من أجل التغيير.

لكنَّ هناكَ طريقًا آخر تستطيع الحكومة السورية أن تسلكه، وهو الطريق الذي قد يؤدّي أيضًا إلى التحوُّل في مختلف أنحاء المنطقة. بوسع الزعماء الجدد في البلاد أن يتعلّموا من أخطاء أسلافهم الإسلاميين وأن يتجنّبوا نظامًا حكوميًا لا تتوافر له سوى فرص ضئيلة للنجاح. وهم يدركون أنَّ الحكم الإقصائي من شأنه أن يدعو إلى المقاومة الداخلية من قِبَل مكوّناتٍ مثل الجيش السوري الحر، الذي يتألف من مجموعة واسعة من الفصائل المتمرّدة؛ والأكراد الذين يسيطرون على أجزاء كبيرة من شرق سوريا؛ والعديد من الأقليات الأخرى في البلاد. وهم يدركون أيضًا أنَّ الإصرارَ على نظامٍ إسلامي إقصائي من شأنه أن يثير عداوة جيرانٍ مهمّين، مثل الأردن والمملكة العربية السعودية. وقد أشار الشرع إلى أنه يُخطّطُ للحُكمِ بطريقةٍ تشمل الأكراد والمسيحيين وغيرهما من الأقليات ــ وهو انفصالٌ ملحوظ عن السياسات التي روّجَ لها تنظيم “القاعدة”، الذي كان الشرع عضوًا فيه حتى العام 2016. ولكن الخطابة وحدها لن تكفي. يتعيّن على النظام أن يُثبتَ أنه قادرٌ على تنفيذِ ما وَعَدَ به. إنَّ حكّامَ سوريا الجدد لا بُدَّ وأن يتّخذوا خطواتٍ واضحة نحو الحُكمِ بموجب القانون المدني وتمثيل كافة شرائح المجتمع السوري، بما في ذلك النساء والعلويين والمسيحيين والدروز والأكراد، بدءًا من استبدال الحكومة المؤقتة التي تولّت السلطة منذ كانون الأول (ديسمبر)، ومواصلة صياغة دستور جديد وإجراء انتخابات لتشكيل حكومة تتمتع بقاعدةِ دعمٍ شعبية.

وقد يكون من غير الواقعي تَوَقُّع مثل هذا الإدماج. ذلك أنَّ الشرع وقواته وحلفاءه ليسوا معروفين بميولهم الديموقراطية، ولا يتمتعون بخبرة في حكمِ بلدٍ يعاني من ضائقةٍ اقتصادية واجتماعية شديدة. وإذا امتنعت الدول الأجنبية عن العمل مع الحكومة الجديدة، فقد ينتهي بها الأمر إلى توجيهها نحو التطرّف. وربما تسعى بعض الدول المجاورة عمدًا إلى إحباط ظهور سوريا التعدّدية أيضًا، خشية أن يؤدي نجاح سوريا إلى خلق ضغوط لإصلاح العمليات السياسية في هذه الدول.

ولكن هذا الضغط هو على وجه التحديد ما تحتاج إليه المنطقة. الواقع أنَّ القيادة الجديدة في دمشق تمتلك الأدوات اللازمة لبناء ذلك النوع من النظام الدائم القادر على ممارسة مثل هذه الضغوط، إذا اختارت استخدامها. والحقيقة أنَّ السوريين داخل البلاد وخارجها يتمتعون بخبرةٍ سياسية واقتصادية واسعة، وإذا ما دُعيوا إلى ذلك، فإنهم قادرون على المساعدة على تحقيق الانتقال إلى ديموقراطية وظيفية مزدهرة. وبوسع المجتمع الدولي أن يُقدّمَ الدعم المالي والسياسي الأساسي، مشروطًا بخطواتٍ ملموسة نحو الشمول. كما تضاءلت العقبات المحتملة. فقد وَجّهَ فشلُ إيران في حماية “حماس” في غزة، و”حزب الله” في لبنان، والأسد في سوريا، ضربةً قاضية لمكانة طهران في المنطقة. وكان الدعم الإيراني والروسي سببًا في إبقاء النظام السوري السابق على قيد الحياة طيلة العقد الماضي، وكان فقدان هذين البلدين لنفوذهما ــإلى جانب إذلال “حزب الله”ــ سببًا في إزالة حاجز كبير أمام السعي إلى التعددية وسيادة القانون.

كسرُ الدائرة المُفرغة

ليس هناك ما يضمنُ أن يستغلَّ حكّامُ سوريا الجُدد الفرصة الحالية. يتعيّن على هؤلاء أن يُدركوا أنَّ النموذج الاستبدادي الوحشي للنظام الذي حلّوا محله كان في نهاية المطاف غير قابل للاستمرار، كما هي الحال مع أيِّ نظامٍ سياسي قائم على الإقصاء والحكم القاسي. وإذا انتبهوا إلى تحذيرات الإخفاقات الماضية واختاروا الطريق التعددي، فسوف يتمكّنون من رسمِ مسارٍ نحو مستقبل أفضل لسوريا والمساعدة على استقرار منطقة هشّة، وتوليد الفرص الاقتصادية، وتسهيل عودة الملايين من اللاجئين السوريين، وفرض ضغوط كبيرة على الحكومات العربية الأخرى للشروع في إصلاحاتٍ جادة.

لكن، إذا لَجَؤوا إلى القمع، فإنهم سيجعلون سوريا عرضةً لمصيرٍ قاتم. كما إنَّ ذلك سيؤدي إلى تراجع قضية الديموقراطية في مختلف أنحاء المنطقة، الأمر الذي قد يعطي الذخيرة للفصائل التي تزعم أن الانتفاضات العربية لن تنتهي إلّا بالهزيمة ولا تؤدّي إلى أيِّ شيء. ولكن حتى لو لم تسفر الاحتجاجات حتى الآن عن تحوّلٍ سياسي دائم، فإنَّ كلَّ موجةٍ من المظاهرات كانت كفيلة بشحذ وعي الشعوب العربية بالحاجة إلى الإصلاح المؤسّسي. والواقع أن النجاح في سوريا يحمل في طياته القدرة على كسر حلقة الاحتجاج والقمع في نهاية المطاف ووضع المنطقة على مسارٍ أكثر تعدُّدية وازدهارًا. والعودة إلى الاستبداد لن تؤدّي إلّا إلى تأخير الدرس الحتمي الذي كان ينبغي لجميع الزعماء العرب أن يتعلموه بعد العام 2010، والذي كان ينبغي لسوريا على وجه الخصوص أن تتعلمه عندما أطاحت الأسد ــ وهو أنَّ الحكام يتجاهلون مطالب الشعب على مسؤوليتهم الخاصة.

  • مروان المعشر هو نائب رئيس الدراسات في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي. كان وزيرًا لخارجية الأردن من العام 2002 إلى العام 2004 ونائبًا لرئيس الوزراء من العام 2004 إلى العام 2005.
  • يَصدُرُ هذا المقال بالعربية في “أسواق العرب” توازيًا مع صدوره بالإنكليزية في “فورين أفِّيرز” الأميركية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى