ما المَطلوب من القمّة العربية الاستثنائية؟
الدكتور ناصيف حتّي*
تاتي القمّة العربية الاستثنائية التي دعت إليها مصر في٢٧ الشهر الجاري بالتنسيق والتشاور مع الدول العربية لاتخاذِ موقفٍ ضدّ سياسة التهجير التي تتبعها إسرائيل في قطاع غزة. السياسة التي تُشَجِّعُ عليها تصريحات الرئيس دونالد ترامب غداة عودته إلى البيت الابيض.
أخطرُ ما في كلام الرئيس الأميركي، حول التهجير أو الهجرة المؤقتة أو الدائمة إلى دول الجوار أو دول اخرى في العالم هو التعامل مع القضية ليس باعتبارها تتعلّق بطرد شعب من أرضه وتكريس وشرعنة احتلال تلك الارض من طرف إسرائيل، بل اعتبار سكان غزة وكأنهم “لاجئون غير قانونيين” أيضًا إلى أرضِ الغير، أرض إسرائيل، التي هي بحاجة إلى التوسّع بسبب “جغرافيتها الضيِّقة”، وليسوا مواطنين يعيشون في وطنهم تحت الاحتلال المستمر بأشكالٍ مختلفة. وتاتي القمة قبل أشهرٍ أربعة من انعقاد المؤتمر الدولي في نيويورك في مطلع حزيران (يونيو) المقبل بمبادرة وبرعاية سعودية-فرنسية بهدف تحقيق حلِّ الدولتين والتوصّل إلى السلام.
لن تكفي ديبلوماسية المواقف، مواقف الاستنكار والإدانة والتحذير، رُغمَ ضروريتها لإطلاقِ مسارٍ ديبلوماسي سياسي في الطريق إلى مؤتمر نيويورك. المؤتمر الذي يُفترَضُ أن يُشكّلَ محطةً أساسية في مسارٍ ليس بالسهل لتحقيق السلام الشامل والعادل والدائم. نتطلع لأن تَصدُرَ عن القمة خطة عمل أوَّلًا للدفع نحو وقف القتال كُليًا وبلورة خطة عمل عربية مع تنسيقٍ دولي لإعادة بناء قطاع غزة: خطة عمل تحمل جوانب سياسية واقتصادية وتنموية وأمنية. وللتذكير فإنَّ استمرارَ الحرب الإسرائيلية ولو بوتيرةٍ مُنخفضة سواء في قطاع غزة أو جنوب لبنان، وتحت عنوان الفترة المحددة والقابلة للتمديد كما نرى، قد تؤدي من جديد إلى عودة الحرب المفتوحة.
المطلوب من القمة العربية المقبلة أيضًا أن تعملَ على بلورة خطة عمل للتحضير لمؤتمر نيويورك. خطةٌ تقومُ على تحرُّكٍ عربي، ضمن صيغ مختلفة من المشاركة، للتواصل مع القوى الدولية الفاعلة والمؤثّرة بغية إنجاح الأهداف التي تُشكّلُ عنوان مؤتمر نيويورك الدولي.
المطلوب أيضًا إطلاق عملية موازية لتلك التي أشرنا إليها: عمليةٌ تكونُ مُوازية للحراك الديبلوماسي المُشار إليه تقومُ بها أطراف “غير رسمية” من فكرية وسياسية عربية ودولية ضمن صيغ مختلفة لبلورة مقترحات وأفكار تُساهِم في إنجاح الأهداف التي ينعقد لأجلها مؤتمر نيويورك. يندرج ذلك ضمن ما يُعرَفُ أيضًا بالديبلوماسية العامة، أو ديبلوماسية “المسار الثاني” في الإطار الذي أشرنا إليه، والتي تُكمل وتُعزّز الديبلوماسية الرسمية. هناك حاجة بأن تُصدِرَ القمة العربية المقبلة خطة عمل لليوم التالي للقمة. خطةٌ تُطلِقُ هذين المسارين المتكاملين، في الطريق إلى نيويورك رُغم قصر الوقت نسبيًا، ولكن أيضًا كما أشرنا سابقًا لتكون نتائج كل من المسارين في تكاملهما على “طاولة نيويورك”. نحن نتحدّث عن مسارٍ تراكُمي: فإنَّ “ما بعد نيويورك” يتاثّر بشكلٍ كبير بما حصل من تحرك في “الطريق إلى نيويورك”.
هناك درسٌ لا بُدَّ من تذكّره دائمًا في هذا السياق وهو أنَّ سياسةَ بناء الجسور إلى منتصف النهر، أو سياسة المراحل غير المُرتبطة فعليًا بالالتزام الفعلي في ما يتعلق بالأهداف النهائية للمفاوضات، هي سياسةٌ محكومٌ عليها بالفشل أو التهميش. وقد شاهدنا من دروس الماضي في هذا الخصوص ما يتعلّق بديبلوماسية النزاع العربي-الاسرائيلي منذ مؤتمر مدريد للسلام، وبعد ذلك المسار الذي أطلقه “إعلان أوسلو”، فأيُّ مسار سينطلق غداة “نيويورك”، والذي يجب أن تبدأ التهيئة له في “القاهرة”، يجب أن يلتزمَ عمليًا بالوصول إلى حلِّ الدولتين، أيًّا كانت المصاعب في الطريق إلى ذلك، وتحقيق الأهداف التي تستند إلى قرارات الأمم المتحدة وبالأخص مجلس الأمن الدولي. ولا بُدَّ من التذكير أنَّ مبادرة السلام العربية، مبادرة قمة بيروت في العام ٢٠٠٢، يجب أن تُشكّلَ فعليًا وعمليًا المرجعية الأساسية للتحرُّك العربي المطلوب غداة قمة القاهرة في الطريق إلى “نيويورك” وإلى “ما بعد نيويورك”.
- الدكتور ناصيف يوسف حتّي هو أكاديمي، ديبلوماسي متقاعد ووزير خارجية لبنان السابق. كان سابقًا المُتَحدِّث الرسمي باسم جامعة الدول العربيةولاحقًا رئيس بعثتها في فرنسا والفاتيكان وإيطاليا، والمندوب المراقب الدائم لها لدى منظمة اليونسكو.
- يصدر هذا المقال في “أسواق العرب” (لندن) توازيًا مع صدوره في صحيفة “النهار” (بيروت).