ماذا يعني وجودُ خمس وزيرات في حكومة لبنان الجديدة؟
غولدا الخوري*
وأخيرًا تمَّ تشكيلُ أول حكومة في عهد الرئيس جوزاف عون برئاسة القاضي نوّاف سلام، ما أعادَ الأمل إلى اللبنانين بإمكانيةِ وَضعِ البلاد على طريق “الإصلاح والإنقاذ”. والملفت إيجابيًا في هذا التشكيل هو تعيين خمس نساء في الحكومة من أصل 24 مقعدًا وزاريًا، في خطوةٍ تعكسُ توجُّهًا نحو تكريس دور النساء في المجال العام وفي صنع القرار السياسي. ولمفارقات القدر، وحتى إن لم تكن هناك سيدة واحدة في الحكومة، كان الشعب اللبناني سيتنفس الصعداء على تشكيل هذه الحكومة التي كان مخاضها عسيرًا.
وعلى الرُغم من أنَّ النساء لا يُشَكِّلنَ نصف عدد الوزراء كما كان يأمل البعض، فإنَّ تعيينهنَّ يُعَدُّ تطوّرًا إيجابيًا وفي بالغ الأهمية. إذ تعكس ما جاء في خطاب القسم الذي، وإن لم يُشِر بوضوح إلى مسألة المساواة بين الجنسَين، فقد قدّمَ رؤيةً شاملة ومُتكاملة قائمة على احترام حقوق الإنسان وعلى تأمين المساواة على كافة المستويات وفي مختلف القطاعات. بالطبع ستكونُ لهذه الرؤية مفاعيلها الملموسة على الفُرَص التي ستُتاحُ للنساء في لبنان.
ولا ينبع التفاؤل هنا من عدد النساء في الحكومة فحسب، بل من كونهنّ قد حصلنَ على مناصبهن بجدارة وهنَّ على درجةٍ عالية من الاحتراف والمصداقية والشفافية. هؤلاء الوزيرات لم يتم اختيارهن بناءً على خلفياتٍ اجتماعية، أو عائلية، أو التزاماتٍ حزبية، بل وفق معايير الاختصاص والخبرة، ما يعكسُ نضجًا في مقاربة تمثيل المرأة في المناصب التنفيذية. والأهم أنه لا يُنظَرُ إليهنَّ كـ”حصص طائفية”، رُغمَ أنَّ النظامَ اللبناني لا يزال محكومًا بالمُحاصصة الطائفية في توزيع المناصب.
وإذا استمرّت هذه الديناميكية، سيتمُّ تطوير ثقافة الانتخاب والتمثيل السياسي في سبيل خدمة الوطن والشعب. فقد يأتي يومٌ لا يَعودُ فيه الحديثُ عن نسب تمثيل النساء في الحكومة والبرلمان ذا أهمية، لأنَّ الفرص ستكون مُتاحة للجميع على قدم المساواة حيث يتمُّ انتخابُ أو تعيين المسؤولين على أساس برامجهم وكفاءتهم وخبرتهم وتفانيهم في خدمة الوطن والمواطن.
إلى جانب البُعدِ الرمزي المُهم لتعيين خمس وزيرات في الحكومة، يبرز التأثير الفعلي لوجود النساء في مراكز القرار في السياسات العامة. فقد أظهرت دراساتٌ دولية أنَّ تمثيلَ المرأة في السلطة يؤدّي إلى إقرار سياسات أكثر شمولًا في مجالات مثل التعليم، والصحة، والاقتصاد، والحماية الاجتماعية، مما يساهم في تحقيق التنمية المستدامة ومكافحة الفساد. في لبنان، حيث تواجه الدولة تحدّيات اقتصادية واجتماعية عميقة، يمكن أن يكون لتمثيل النساء في الحكومة دورٌ محوري في إعادة هيكلة الأولويات الوطنية، خصوصًا في الملفات المرتبطة بحقوق الإنسان، والعدالة الاجتماعية، ودعم الفئات المهمشة.
وهنا يبرز التساؤل: هل سيؤدي هذا التمثيل النسائي إلى سياسات حكومية أكثر توازنًا وإنصافًا؟ وكيف يمكن ضمان أن يكون هذا الحضور أكثر من مجرد تمثيل رمزي، بل قوة دافعة نحو إصلاحات جوهرية؟
لضمان نجاح التجربة، لا يكفي تعيين النساء في مناصب وزارية، بل ينبغي تعزيز أدوارهن التنفيذية ودعمهن بتشريعات تضمن استمرار مشاركتهن الفاعلة، سواء عبر إصلاحات قانونية، أو آليات تضمن تكافؤ الفرص داخل المؤسسات الحكومية والخاصة.
وإذ لا يوجد في لبنان وزارة مخصصة لتعزيز المساواة بين الجنسين، فينبغي أن تندرجَ هذه الأولوية على جدول أعمال وتوجّهات كل وزارة في الحكومة بحيث يتم دمجها في السياسات والقوانين والخطط الحكومية المستقبلية.
وفي هذا الإطار، ورُغمَ أنَّ قرينة رئيس الجمهورية السيدة نعمت عون لا تؤدّي دورًا رسميًا في إدارة البلاد، إلّا أننا بدأنا نتلمّس تأثيرها المعنوي والمجتمعي الذي لا يمكن إنكاره من خلال نشاطاتها وتعبيرها عن حرصها على دعم جهود المجتمع المدني والإعلام وتعزيز مبادراتهم. وعليه نقترح أن ترأس مبادرةً للمجتمع المدني من أجل تنظيم لقاءات وطنية شاملة ودامجة حول المساواة بين الجنسين تخرج برؤية واستراتيجيات وخطة عمل تُقدَّم للبرلمان الجديد في العام المقبل.
وبالتوازي، سيكون من المفيد أيضًا أن تقود قرينة رئيس الجمهورية مبادرةً لتشكيل لوبي وطني ضاغط يُعنى بتعزيز التوعية حول السياسات العامة وتأثيرها على المساواة بين الجنسين. هذا اللوبي لن يكون مجرد منصّة حوارية، بل أداة ضغط استراتيجية مستمرّة تعمل على إدخال قضايا المساواة في الأجندة التشريعية من خلال التنسيق مع أعضاء البرلمان، والتأثير على صناع القرار من داخل المؤسسات الحكومية، وتوظيف وسائل الإعلام والقطاع الاقتصادي لدعم سياسات تضمن تكافؤ الفرص.
إنَّ خطاب القسم المتكامل يعطي هذا الأمل، ويسمح لنا بأن نحلمَ بمستقبل تكون فيه المساواة بين الجنسين واقعًا ملموسًا، وليس مجرد مطلب يُطرح في المناسبات الرسمية.
- غولدا الخوري هي مُؤسِّسة ورئيسة شركة “ Higher Ground“، ومديرة سابقة في الأمم المتحدة. تمتلك خبرة تمتد إلى 30 عامًا في مجال التنمية الدولية. وتركز جهودها على استكشاف العلاقة بين الديبلوماسية والتعددية وتأثيرها في القيادات النسائية ومشاركة الشباب. عملها يدمج بشكل منهجي أبعاد حقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين، مع التركيز على دور الشباب في إحداث التغيير ومساءلة الجهات المعنية.